اتساع المعارضة في اليمين واليسار الإسرائيلي لخطة السلام الأميركية

ضغوط من نتنياهو وكوشنر على أولمرت كي لا يظهر مع «أبو مازن»

TT

اتساع المعارضة في اليمين واليسار الإسرائيلي لخطة السلام الأميركية

في الوقت الذي تتسع فيه المعارضة الإسرائيلية، في اليمين واليسار على السواء، للخطة الأميركية لتسوية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، والمعروفة باسم «صفقة القرن»، كشفت مصادر مقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، أنه يتعرض لضغوط من تل أبيب وواشنطن حتى يلغي مشاركته مع الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في إطلاق حملة ضد الصفقة في نيويورك.
وقالت هذه المصادر إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكبير مستشاريه، يقفان وراء هذه الضغوط. وحاول نتنياهو تحريض رئيس حزب «كحول لفان»، بيني غانتس، ضد أولمرت، فتوجه إليه عبر شريط فيديو قائلاً: «أولمرت صديقك ومستشارك السياسي. لا تدعه يقف ضد مصالح إسرائيل. اثنه عن نيته الوقوف مع رئيس سلطة الإرهاب، أبو مازن، على منبر واحد»، بحسب قوله. وردَّ أولمرت على نتنياهو قائلاً: «أنت لا يحق لك التفوّه في هذا الموضوع. فأنت قابلت ياسر عرفات أكثر من عشر مرات، بينما أنا لم أقابله ولا مرة واحدة».
وكان أولمرت و«أبو مازن» قد اتفقا على إطلاق حملة مشتركة ضد «صفقة القرن»، من خلال مؤتمر صحافي مشترك بينهما، يعقد في نيويورك، بالتزامن مع الجلسة المغلقة التي تعقد في مجلس الأمن، يوم الثلاثاء.
وقالت مصادر سياسية في تل أبيب، أمس، إن كوشنر هاجم أولمرت وعباس بشدة، وقال في تصريحات نقلتها وكالة «أسوشييتد برس»، إن «من ينتقد مساعينا بدل محاولة حل المشكلات، يتصرف بنوع من التطفل. ويبدو أن هذا الموقف ينبع من الحسد لدى أشخاص لم ينجحوا في أن يقوموا بما نقوم به. على أولمرت تقديم مساعدة لخطة السلام، لا أن يحاول الفوز بعنوان صحافي بعدما بات غير ذي صلة». وهاجم كوشنر عباس وحمله المسؤولية عن موجة التصعيد الأخيرة في الضفة الغربية المحتلة.
وفي الطرف الفلسطيني، رد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، على كوشنر قائلاً إن الذي يطرح «مشروعات وخططاً للضم والأبرتهايد وشرعنة الاحتلال والاستيطان هو الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن تعميق دائرة العنف والتطرف».
يذكر أن المعارضة لـ«صفقة القرن» آخذة في الاتساع في إسرائيل بشكل ملحوظ. ففي بداية الحديث عنها اعتبرها الجميع تقريباً، خطوة تاريخية. ولكن مع إعلانها الرسمي، تبيَّن أنها متقدمة عن طروحات اليمين إزاء الفلسطينيين، ومتأخرة عن طروحات الوسط واليسار. واليوم يقف اليمين الراديكالي، الذي يضم أحزاب اتحاد اليمين ومجموعة كبيرة من قادة «الليكود»، ضدها بشكل صريح. ويعبرون عن الشعور بأنهم وقعوا في مطب الإدارة الأميركية «التي قدمت لنا طعماً ببند ضم المستوطنات وغور الأردن، ثم مررت لنا بنداً عن إقامة دولة إرهاب فلسطينية بجوارنا»، بحسب رأيهم. وقال رئيس مجلس المستوطنات، ديفيد الحياني، خلال لقاء له مع نتنياهو، ليلة الخميس – الجمعة: «لا تتردد في بسط السيادة الإسرائيلية الآن في غور الأردن، في شمال البحر الميت، وفي كل المستوطنات اليهودية في المناطق. ولا تشعر بالحرج مع كوشنر. فهو انقلب عليك وعليه أن يتحمل مسؤولية ذلك».
وفي الأحزاب الدينية، التي لا تتدخل بشكل عميق في الشؤون السياسية، فإن قادتها يدعمون نتنياهو من باب آخر، وهو الحرص على الطابع اليهودي لإسرائيل. لذلك يؤيدون الخطة، ولكن القسم الأشكنازي منهم يتحفظ عن إقامة الدولة الفلسطينية، والقسم الشرقي منهم يؤيدها.
وفي أحزاب الوسط، التي يتشكل منها حزب الجنرالات (كحول لفان)، برئاسة غانتس، فقد أعرب قادته عن تأييدهم للصفقة. ولكنهم يعرفون أنها لن تكون مقبولة عند الفلسطينيين. لذلك أضافوا لموافقتهم جملة ذات مغزى، وهي: «سنعمل على تطبيقها بالتنسيق مع الفلسطينيين والدول العربية».
وفي أحزاب اليسار الصهيوني، فإن هناك معارضة للخطة من دون رفضها. ويركز قادة هذا التيار على ضرورة أن تطرح الخطة بالشراكة مع السلطة الفلسطينية، وهم يرفضون استبعادها، ويؤكدون أنه من دون الفلسطينيين لن تكون هذه خطة سلام.
وفي القائمة المشتركة (العربية) فإنهم يتبنون موقف السلطة الفلسطينية الرافض للصفقة بشكل قاطع.
وعلى صعيد الشارع الإسرائيلي، دلت استطلاعات الرأي على أن 50 في المائة من المواطنين يرون أنها طرحت لخدمة المعركة الانتخابية لنتنياهو، وليس كخطة سلام.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.