الحنين إلى الماضي يُعيد زمن العشرينات لبرلين

سائحون يتدفّقون على المدينة لتذوّق نكهة عصر جمهورية فايمار

الحنين إلى الماضي يُعيد زمن العشرينات لبرلين
TT

الحنين إلى الماضي يُعيد زمن العشرينات لبرلين

الحنين إلى الماضي يُعيد زمن العشرينات لبرلين

عندما زار الأمير البريطاني ويليام وزوجته كيت العاصمة الألمانية برلين مؤخراً، كان أحد المقاصد المدرجة على جدول الزيارة حضور حفل استقبال في «كلارشينز بالهاوس»، وهي قاعة قديمة للرقص يرجع تاريخها إلى العشرينات من القرن الماضي.
وتوقف الزوجان للسماح للمصورين بالتقاط صورهما داخل هذا المبنى الذي تعرض سابقاً للتصدع، وجدّد عام 2005 ليعود إلى بهائه القديم بعد سنوات طويلة من الإهمال.
ومنذ بضعة أعوام لم يكن «كلارشينز بالهاوس» يعدّ من المواقع التي يمكن دعوة كبار ومشاهير الزوار؛ مثل الأمير ويليام وزوجته إليها، غير أنه يمكن القول إن فترة العشرينات من القرن الماضي التي شهدتها مدينة برلين قد عادت لتطل برأسها من جديد، وصار السياح حالياً يتدفقون على المدينة ليتذوقوا نكهة عصر جمهورية فايمار، وهي الجمهورية التي نشأت في ألمانيا خلال الفترة من 1919 إلى 1933 بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.
ويرجع الفضل في ذلك جزئياً للمسلسل التلفزيوني «بابل برلين» الذي لقي نسبة مشاهدة عالية، والذي استند إلى روايات الجريمة التي ألفها فولكر كوتشر، ويرسم المسلسل صورة مفعمة بالحيوية لمدينة غابرة.
ويأتي بعض الزوار خصوصاً من الولايات المتحدة إلى برلين بحثاً عن الأماكن الأصلية التي ظهرت في المسلسل، بدءاً من حانة أشينجر إلى مطعم «موكا إفتي».
وباتت المسلسلات التلفزيونية مثل «بابل برلين» بمثابة هدية لهذه المدينة، حتى على الرغم من أن كثيراً من مناظر المسلسل صُوّرت داخل استوديوهات تقع في ضاحية بابلسبرغ جنوب المدينة، وفقاً لما يقوله متحدث باسم منظمة التسويق السياحي «زوروا برلين».
ولا يزال محبو هذا المسلسل يزورون مباني مثل دار سينما دلفي في ضاحية فيسنسي على سبيل المثال، أو مقر مجلس المدينة الكائن بالقرب من ميدان ألكسندربلاتز، حسبما ذكرت وكالة «د ب أ» الألمانية.
ويمكن رؤية مزيد من ملامح جمهورية فيمار في العرض المسرحي الجديد «برلين برلين»، بمسرح أدميرالشبلاست التاريخي، إلى جانب مسرحية «كباريه» التي يستمر عرضها منذ فترة طويلة في مسرح أصغر، كما يتاح تأجير الأزياء المنتمية إلى هذه الفترة التاريخية، وأيضاً تنظيم حفلات وعروض في الملاهي الليلية العادية مكرسة لإحياء ذكرى رقصات الشارلستون والليندي هوب والسوينغ «الأرجوحة» التي كانت شهيرة وقتذاك.
وهناك أيضاً خطط مثيرة للجدل يُجدّد بمقتضاها، المعماري ديفيد كوبرفيلد متجراً متعدد الأقسام، ليعيده إلى حالته القديمة المبهرة التي كان عليها في العشرينات من القرن الماضي.
ومن بين أسباب الجاذبية المستمرة لفترة جمهورية فايمار، الانفتاح الشهير لمدينة برلين خلال هذه الفترة.
وتعاظمت أسطورة جمهورية فايمار بعد نشر الرواية الكلاسيكية للكاتب الأميركي كريستوفر إيشروود عام 1939 بعنوان «وداعاً برلين»، وذاعت شهرة الرواية بعد أن تحولت إلى فيلم موسيقي أميركي تحت اسم «كباريه» بطولة النجمة ليزا مانيللي.
ويوضح المؤرخ هانو هوشموت في مركز لايبنتز للتاريخ المعاصر بمدينة بوتسدام الألمانية، أنّ انجذاب الأفراد لهذه الفترة الذهبية من تاريخ برلين، يرجع أيضاً للاهتمام العام المتجدد بالتطورات التاريخية التي شهدتها المجتمعات الغربية خلال الأربعين عاماً الماضية.
ويضيف هوشموت أنّ هذا الاهتمام يتجاوز مشاعر الحنين للماضي، حيث إن الأفراد يتخذون أيضاً منهاجاً نقدياً تجاه هذه الفترة التاريخية.
وسمة تباين المظاهر والأحداث في تلك الفترة هي جزء من سحرها، وفي ذلك الوقت كانت الحرية السائدة في برلين تتناقض إلى حد كبير مع العنف والدمار اللذين بديا في عام 1933 بطريقة وصفها هوشموت بأنّها تشبه «الرقص فوق بركان».
ويسجل مسلسل «بابل برلين» التلفزيوني هذه النكهة وفقاً لما يقوله هوشموت، فالشخصية الرئيسية في المسلسل وهي تشارلوت ريتر تنم عن امرأة قوية متحررة، كما صُوّرت العاصمة الألمانية على أنّها مدينة تعج بالحفلات.
ويوضح هوشموت أنّ مطعم «موكا إيفتي» الأصلي كان مكاناً محافظاً يثير الضجر، لكنّه صُوّر في المسلسل على أنّه مكان حافل بالحفلات الصاخبة، ويشبه النادي الشهير في برلين حالياً «بيرغهان 1929». ويشير إلى أنّ برلين اليوم، لديها سمات كثيرة مشتركة مع برلين العشرينات من القرن الماضي.
ويصور الجزء التالي من مسلسل «بابل برلين» قصة صعود نجم النازي، وتوجد حالياً ظواهر موازية لهذا الصعود في ألمانيا المعاصرة؛ مثل تزايد مد الشعبوية واتجاهات التطرف اليميني السياسي، وعلى الرغم من عمله مؤرخاً يتخذ هوشموت موقفاً حذراً من إجراء مثل هذه المقارنات.
ومع ذلك لا يشعر هوشموت بالدهشة إزاء تشجيع المسلسل التلفزيوني على مزيد من التدفقات السياحية على برلين.
ويذاع الجزء الجديد من مسلسل «بابل برلين» في يناير (كانون الثاني) الحالي، مع بدء العشرينات الجديدة من القرن الحادي والعشرين، وسيكون الحكم للزمن وحده ليقرر أوجه الشبه والاختلاف بين الفترتين التاريخيتين.


مقالات ذات صلة

دبي تستقبل 16.79 مليون سائح دولي خلال 11 شهراً

الاقتصاد بلغ عدد الغرف الفندقية المتوفرة في دبي بنهاية نوفمبر 153.3 ألف غرفة ضمن 828 منشأة (وام)

دبي تستقبل 16.79 مليون سائح دولي خلال 11 شهراً

قالت دبي إنها استقبلت 16.79 مليون سائح دولي خلال الفترة الممتدة من يناير (كانون الثاني) إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بزيادة بلغت 9 في المائة.

«الشرق الأوسط» (دبي)
سفر وسياحة كازينو مونتي كارلو يلبس حلة العيد (الشرق الأوسط)

7 أسباب تجعل موناكو وجهة تستقبل فيها العام الجديد

لنبدأ بخيارات الوصول إلى إمارة موناكو، أقرب مطار إليها هو «نيس كوت دازور»، واسمه فقط يدخلك إلى عالم الرفاهية، لأن هذا القسم من فرنسا معروف كونه مرتعاً للأغنياء

جوسلين إيليا (مونتي كارلو)
يوميات الشرق تنقسم الآراء بشأن إمالة المقعد في الطائرة (شركة ليزي بوي)

حق أم مصدر إزعاج؟... عريضة لحظر الاستلقاء على مقعد الطائرة

«لا ترجع إلى الخلف عندما تسافر بالطائرة» عنوان حملة ساخرة أطلقتها شركة الأثاث «ليزي بوي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق افتتاح تلفريك جديد في جبال الألب (إ.ب.أ)

سويسرا تفتتح أشد عربات التلفريك انحداراً في العالم

افتُتح تلفريك جديد مذهل في جبال الألب البرنية السويسرية. ينقل تلفريك «شيلثورن» الركاب إلى مطعم دوار على قمة الجبل اشتهر في فيلم جيمس بوند.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق سياح يتجولون في أحد شوارع طوكيو (إ.ب.أ)

33 مليون زائر هذا العام... وجهة شهيرة تحطم رقماً قياسياً في عدد السياح

يسافر الزوار من كل حدب وصوب إلى اليابان، مما أدى إلى تحطيم البلاد لرقم قياسي جديد في قطاع السياحة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)