السوريات الناجيات يلتحقن بالعمل بعد أن اختفى الرجال

أذعنت العادات القديمة لمقتضيات الحرب والاقتصاد المنهار

معمل ملابس في شرق حلب تعمل فيه أرامل الحرب السورية (نيويورك تايمز)
معمل ملابس في شرق حلب تعمل فيه أرامل الحرب السورية (نيويورك تايمز)
TT

السوريات الناجيات يلتحقن بالعمل بعد أن اختفى الرجال

معمل ملابس في شرق حلب تعمل فيه أرامل الحرب السورية (نيويورك تايمز)
معمل ملابس في شرق حلب تعمل فيه أرامل الحرب السورية (نيويورك تايمز)

نادراً ما كانت نساء شرق حلب يغادرن بيوتهن قبل الحرب، لكنهن أصبحن الآن يشكلن وجه السلام المرير. ففي المناطق الفقيرة والمتمسكة بتقاليدها القديمة في العاصمة التجارية القديمة لسوريا، نادراً ما غادرت النساء بيوتهن، وإذا حدث فبصحبة أزواجهن. كان الحصول على لقمة العيش مهمة الرجال وحدهم، إلى أن اشتعلت الحرب الأهلية.
تسببت 8 سنوات لم تنتهِ معها الحرب، في إراقة دماء جيل كامل من السوريين، منهم من لقي حتفه، ومنهم من ألقي في غياهب السجون، ومنهم من رحل ليعيش حياة غير مستقرة لاجئاً في الشتات.
الآن ومع عودة معظم أنحاء البلاد لسيطرة الحكومة مرة أخرى، لكن بعد أن تشوهت شوارعها وبيوتها للدرجة التي يستحيل معها معرفة ملامحها القديمة، فإن السير إلى الأمام بات مهمة النساء الناجيات والثكالى والأرامل. تتولى الجدات تربية الأحفاد اليتامى، وتشعر النساء العازبات بالقلق من عدم العثور على أزواج، وتقوم الأرامل بمساعدة العائلات التي تعرّضت لكوارث بدت مستعصية على الحل، لكنها باتت الآن روتينية.
في كثير من هذه الحالات، تغادر النساء المنزل بمفردهن ليعملن لأول مرة؛ حيث أذعنت العادات القديمة لمقتضيات الحرب والاقتصاد المنهار. لا شيء جديد في المدن الكبيرة مثل العاصمة دمشق سوى التحول السريع من نمط الحياة التقليدية المحافظة اجتماعياً ودينياً إلى العمل.
في هذا الصدد، قالت فاطمة رواس (32 عاماً)، التي افتتحت صالون تجميل للنساء المحجبات في شهر مايو (أيار) بعد 3 سنوات من وفاة زوجها في الحرب: «في الماضي، كانت النساء يخشين كل شيء. لكن الآن لا يوجد شيء نخشاه».
لم تعرف رواس رجلاً خارج أسرتها الصغيرة؛ حيث خطبت لزوجها في سن التاسعة عشرة. وبعد أن استقرا في شرق حلب، بحسب رواس، نادراً ما كانت تغادر بيتها؛ حيث كان زوجها الراحل يتولى التسوق وشراء البقالة، وكانت تفكر دوماً في الأطفال.
في عام 2012، شطر القتال بين المتمردين في شرق حلب والقوات النظام في غربها المدينة إلى جزأين. وعندما استعاد النظام المدينة في أواخر عام 2016 بعد 4 سنوات من المجازر وسفك الدماء، كان شرق حلب قد سُحق، وتفرغت الحكومة للحرب.
توسلت رواس زوجها للفرار، لكنه أصر على البقاء لحراسة ورشة النجارة التي يمتلكها، ورفض الانضمام إلى الفصائل المعارضة التي ألقوا به في نهاية المطاف في السجن.
أصرت رواس على الخروج لشراء بعض الحليب للمرة الأولى بعد اندلاع القتال. كانت القنابل والقذائف من طرف قوات النظام تنهمر في الخارج، بعضها استهدف المستشفيات، وكان القناصة يتصيدون المارة في الشوارع.
تتذكر زوجها يقول في يوليو (تموز) 2016 بعد إطلاق سراحه: «أتمنى أن أموت قبلك لأنك أقوى مني». في اليوم التالي سمعا دوي انفجارات، وعندما هرع إلى الخارج ليستطلع، قتلته في الحال شظايا قذائف الطائرات.
قالت رواس إنها كانت تسير إلى المتاجر عبر شوارع لم تكن قد اعتادت عليها، وتفادت أنظار الرجال الغرباء. توجهت إلى الطبيب الذي عالجها من الإرهاق والاكتئاب، ثم إلى مدرسة حيث بدأت في تلقي دروس في فن التجميل. وتمكنت من ادخار بعض المال وحصلت على قرض من «جمعية الهلال الأحمر».
وفي مايو (أيار)، فتحت رواس صالوناً في غرفة الطابق العلوي المدمرة جزئياً، وعلقت لافتة حملت اسمها. وقالت: «عندما تعمل، لن تحتاج أن تطلب أي شيء من أي شخص». كانت رواس تقوم بعمل المكياج وتصفيف شعر النساء المحجبات مثلها. فقد استمررن في الاهتمام بمظهرهن رغم كل شيء، ويتساءلن: «هل نموت بعد أن مات أزواجنا؟». لقد ساعدهن العمل على النسيان. قالت: «في الليل فقط أتذكر كل الأشياء السيئة التي حدثت. لم يعد هناك رجال في سوريا».

- اقتحام صناعة الذكور
في مقرها في الطابق السفلي، افتتحت بارو مانوكيان الأرمنية (44 عاماً) ورشة «بارو للأزياء» العصرية في حلب بعد طلاقها عام 2011. بارو مسيحية أرمنية، قررت العمل في صناعة يهيمن عليها الذكور. جميع العاملين لديها من النساء اللاتي خرج غالبية أزواجهن وأشقائهن وأبنائهن للمشاركة في الحرب. عددهن بضع عشرات يعملن في الورشة، لا يسترهم عن عيون الرجال القلائل سوى ستارة بلاستيكية.
تحدثت 3 عاملات عن مشكلاتهن؛ المال والرجال والأطفال، فيما كن يؤدين عملهن، وإن حاولن ألا يتحدثن كثيراً عن رجالهن اللائي فقدنهن.
كان زوج حياة كشاش يمنعها من العمل، لكن بعد أن عجز راتبه الحكومي عن مواكبة ارتفاع الأسعار العام الماضي، أصرت الزوجة (53 عاماً) على الخروج إلى العمل حتى من دون إذنه. لديها ابنان مجندان في الجيش، وأرادت أن تشغل نفسها بالعمل، قالت: «جئت هرباً».
وقالت فاطمة كيلزي، فيما كانت تتولى تطريز قميص: «أنا هنا لأهرب من أطفالي»، قالتها ليضحك الجميع. كانت تطلق النكات، وكانت أول من نهض ورقص عندما طلبوا منها.
تزوجت في الحادية عشرة من عمرها، ولم تتخيل أي مهنة غير مهنة ربة بيت. الآن، وهي في الرابعة والأربعين من عمرها باتت أرملة عاملة، معها 6 بنات غير متزوجات مطالبة بإطعامهن. قالت: «أنا أعمل من أجل أطفالي، لأنني الآن الأب والأم».
كانت الشوارع المحيطة بورشة «بارو للملابس» مزخرفة بلافتات تحمل أسماء ورش خياطة غيرها.
فوجئ محمد داغر (38 عاماً) بالنداءات التي تلقّاها من الأرامل الباحثات عن عمل عندما أعاد فتح مصنعه قبل 3 سنوات. الآن بات هناك كثير من النساء اللائي يعملن في قسم الستائر. لكنه كان يدفع أجوراً أقل من التي يتقاضاها العاملون الرجال، لأنه يرى أنهن عديمات الخبرة بالخياطة. يقول إنهن «كن بطيئات وكن حديثات العهد بهذا العمل». أضاف، لكنهن الآن «أصبحن متساويات مع الرجال. وأصبحن يعملن بجد».
- خدمة «نيويورك تايمز»



هل تعتزم مصر المطالبة بتسليمها أحمد المنصور؟

المصري المقبوض عليه في سوريا أحمد المنصور (إكس)
المصري المقبوض عليه في سوريا أحمد المنصور (إكس)
TT

هل تعتزم مصر المطالبة بتسليمها أحمد المنصور؟

المصري المقبوض عليه في سوريا أحمد المنصور (إكس)
المصري المقبوض عليه في سوريا أحمد المنصور (إكس)

قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن هناك أمر ضبط وإحضار صادراً من السلطات القضائية بمصر ضد المصري أحمد المنصور الذي أطلق تهديدات لبلاده من سوريا، وأفادت الأنباء بالقبض عليه من جانب السلطات الأمنية بدمشق.

ونقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن مصدر بوزارة الداخلية السورية، الأربعاء، أن السلطات الحاكمة الجديدة في سوريا ألقت القبض على المنصور عقب بثه تسجيلات هدد وأساء فيها للسلطات المصرية، ودعا لاحتجاجات.

وكان المنصور أثار جدلاً واسعاً بعد ظهوره في مقطع فيديو مصور وخلفه علم مصر القديم قبل ثورة «23 يوليو»، وبجواره شخصان ملثمان، معلناً تأسيس حركة مسلحة باسم «ثوار 25 يناير»، وهدد بإسقاط النظام المصري بقوة السلاح أسوة بما حدث في سوريا.

دعوة أحمد المنصور قوبلت بالرفض حتى من معارضين مصريين، الذين وصفوها بأنها تسيء لسلمية ثورة 25 يناير 2011.

ومن خلال بحث قامت به «الشرق الأوسط»، لم تتوصل لأحكام قضائية مسجلة ضد أحمد المنصور سواء بتهم إرهابية أو جنائية. فيما أوضح المصدر المصري المطلع أن سلطات التحقيق أصدرت أمر ضبط وإحضار للمنصور بتهمة الانضمام لجماعات إرهابية مسلحة والتحريض على قلب نظام الحكم بقوة السلاح وتهديد الأمن القومي المصري، ويجري تجهيز ملف لطلب تسلمه من السلطات في سوريا.

وبحسب المصدر فليس شرطاً وجود أحكام قضائية لطلب تسليم المنصور من سوريا، بل يكفي وجود قرارات بضبطه للتحقيق معه خاصة حينما يتعلق الأمر باتهامات جنائية وليست سياسية.

وفي تقدير البرلماني المصري مصطفى بكري، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن «السلطات السورية لن تسلم أحمد المنصور لمصر، هي فقط ألقت القبض عليه لمنعه من الإساءة للسلطات في مصر لأنها لا تريد صداماً مع القاهرة».

إلا أن الإعلامي والناشط السوري المقرب من الإدارة الجديدة بدمشق عبد الكريم العمر قال لـ«الشرق الأوسط» إن «السلطات السورية الحالية لديها حرص على عدم تحويل سوريا الجديدة كمنطلق تهديد لأي دولة، كما أنها حريصة على العلاقة مع مصر».

وأشار إلى «أنه لا يعلم ما إذا كانت هناك نية لدى الإدارة في سوريا لتسليم المنصور لمصر من عدمه، ولكن المؤكد أنها حريصة على التقارب مع القاهرة».

وبحسب تقارير إعلامية محلية فإن المنصور من مواليد محافظة الإسكندرية، لكنه يتحدر من محافظة سوهاج، وانضم إلى «حركة حازمون»، التي أسسها القيادي السلفي المسجون تنفيذاً لأحكام قضائية حازم صلاح أبو إسماعيل.

كما شارك أحمد المنصور في اعتصامي «رابعة» و«النهضة» لأنصار الرئيس «الإخواني» الراحل محمد مرسي عام 2013، وعقب سقوط «حكم الإخوان» فر من مصر وانضم إلى «جيش الفتح» و«هيئة تحرير الشام» في سوريا، وبعد سقوط نظام بشار الأسد بدأ في بث مقاطع فيديو يهاجم فيها الدولة المصرية.