وزير الخارجية الصومالي: تكتل البحر الأحمر سيواجه الإرهاب والقرصنة وتهريب السلاح

عوض قال لـ«الشرق الأوسط» إن «السعودية أكبر داعم لنا منذ الاستقلال»

وزير الخارجية الصومالي أحمد عيسى عوض
وزير الخارجية الصومالي أحمد عيسى عوض
TT

وزير الخارجية الصومالي: تكتل البحر الأحمر سيواجه الإرهاب والقرصنة وتهريب السلاح

وزير الخارجية الصومالي أحمد عيسى عوض
وزير الخارجية الصومالي أحمد عيسى عوض

أشاد وزير الخارجية والتعاون الدولي في الصومال أحمد عيسى عوض، بالدور الكبير الذي تقوم به المملكة العربية السعودية في العالمين العربي والإسلامي، مشيراً إلى أن المملكة تعد أكبر داعم للصومال منذ الاستقلال.
وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، تحدث عوض عن إطلاق الكيان الجديد للدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وقال إنه سيواجه تحديات جمّة منها الإرهاب والقرصنة، والهجرة غير الشرعية، وتهريب السلاح والتلوث البحري، مشيراً إلى أن اختيار الرياض مقراً له يأتي لأن السعودية دولة محورية في هذا المجلس.
وتحدث السفير عوض كذلك عن مستجدات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي، والعلاقة بين الصومال ودول الجوار، ورياح التغيير والانفتاح بين دول القرن الأفريقي وكذلك عن الأحداث المتوقعة في هذه المنطقة خلال العام الجاري والتغييرات التي قد تنتج عن ذلك، وعن توجهات سياسة الصومال الخارجية. كما تحدث أيضاً عن الخلاف البحري بين الصومال وكينيا الذي تنظر فيه محكمة العدل الدولية والمتوقع صدور حكمها منتصف هذا العام.

> تم الإعلان رسمياً عن إطلاق مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وشاركت فيه ممثلاً عن الصومال، فما فكرة هذا التكتل الجديد وأهدافه؟
- بدأت جهود إطلاق هذا المجلس منذ أكثر من سنة ويجمع 8 من الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وهي: السعودية، ومصر، والأردن، والسودان، وجيبوتي، واليمن، والصومال وإريتريا. واتفقت على أن يكون مقر المجلس في العاصمة السعودية الرياض باعتبارها الدولة الرائدة والمحورية في المجلس.
ومن أهدف المجلس الأساسية التنسيق والتشاور حول هذا الممر المائي الحيوي الذي يمثل أهمية اقتصادية وتجارية واستثمارية للاقتصاد العالمي بأكمله، باعتبار البحر الأحمر المعبر الرئيسي للتجارة العالمية بين دول شرق آسيا وأوروبا.
وأشير هنا أيضاً إلى أن الأخطار والتحديات التي تواجه الدول الأعضاء في هذا المجلس متشابهة ومترابطة، وأبرزها القرصنة، والإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وتهريب السلاح، والتلوث البحري، وكلها أخطار حقيقية تستوجب من هذه الدول التعاون ليكون هذا الممر المائي آمناً، لأنه لا يؤثر فينا فقط وإنما على أجزاء كبيرة من العالم.
نحن الآن أنهينا مرحلة التوقيع على الميثاق، وستتلوه الخطوات العملية لجعل هذا المجلس تكتلاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، فهذا المجلس يضم كتلة بشرية وجغرافية مهمة والصومال حالياً مؤهل ومستعد لأن يلعب دوراً بارزاً في هذا المجلس.
> هناك تكتل ثلاثي آخر يتشكل في منطقة القرن الأفريقي يضم إثيوبيا والصومال وإريتريا، فهل هذا بديل مصغر عن منظمة الـ«إيقاد»؟
- هذا تعاون ثلاثي في مجالات معينة وليس بديلاً عن منظمة الـ«إيقاد» (معنية بالسلام في منطقة القرن الأفريقي وتتكون من 8 دول)، فالـ«إيقاد» منظمة قائمة وفاعلة وتتحول حالياً إلى تكتل اقتصادي يماثل التكتلات الاقتصادية الإقليمية في القارة الأفريقية. الدول الثلاث تجمعها حالة خاصة في المنطقة، فالصومال وإثيوبيا كانتا في حالة عداء طويل، وكذلك الحال بين إثيوبيا وإريتريا. وهذان النزاعان هما الأطول في القارة الأفريقية في التاريخ الحديث، حتى إن العالم كاد يصل إلى قناعة بأن هذه المنطقة ميؤوس منها، ونحن أدركنا خطورة ذلك على مستقبل الشعوب في هذه المنطقة ولذلك نريد أن نتجاوز هذا الصراع وأن نفتح صفحة جديدة بين الدول الثلاث.
> ألا يبدو أن القيادات في الدول الثلاث (إثيوبيا والصومال وإريتريا) وبالذات القيادة الإثيوبية تقفز فوق عقود من العداء والصراعات وربما بضغوط خارجية كما يقال، دون التمهيد لذلك في إجراء مصالحة حقيقية تتجاوز الأنظمة إلى الشعوب؟
- ليس هناك قفز على التاريخ ولا على الأحداث، وليس هناك ضغوط خارجية أدت إلى هذا الانفتاح بين الدول الثلاث، وإنما هو إدراك منّا أنه لا يمكن الاستمرار في هذا الطريق المسدود الذي أدى إلى إفقار شعوبنا والتخلف في كل المجالات، فيما العالم يتغير من حولنا، فخيار الانفتاح كان ضرورياً وإلا فإن الزمن كان سيتجاوزنا، ونحن تصارحنا في هذا الأمر واتفقنا على إنهاء هذه القطيعة للأبد.
صحيح أننا شهدنا حالة عداء قومية وسياسية ودينية، ليس لعقود فقط، وإنما لقرون أيضاً، ولكن إلى متى نكون رهينة للتاريخ ومحبوسين فيه في وقت يتغير فيه العالم من حولنا، وليس بمقدورنا تغيير الجغرافيا، وأصارحك القول بأننا كصوماليين من أكثر المستفيدين من أي انفتاح في المنطقة. فالصوماليون يشكّلون القومية الثانية في شرق أفريقيا (بعد الأورمو) وموزعون في كلٍّ من إثيوبيا وكينيا وجيبوتي، إضافة إلى جمهورية الصومال، والصوماليون هم الذين يقودون النشاط التجاري في المنطقة وهم عنصر مهم في النشاط الاقتصادي. وسياسياً الصوماليون لهم دور بارز في النشاط السياسي في هذه الدول وهم مواطنون أصليون فيها كغيرهم من القوميات الأخرى. فالصومال والصوماليون كانوا أكبر ضحية للنزاع في القرن الأفريقي الطويل في السابق، ولأسباب متعددة. ومن الطبيعي أن يكونوا من أكبر المستفيدين من الانفتاح السياسي والاقتصادي والثقافي فيها أيضاً.
على سبيل المثال، فإن التنقل بين مقديشو وأديس أبابا وأسمرا يستغرق حالياً ساعات قليلة، بينما كان ذلك مستحيلاً قبل وقت قصير، والكل مندهش الآن كيف حصل ذلك، ولكننا أنفقنا جهداً كبيراً في تحقيق هذا الأمر.
> من المتوقع أن تشهد منطقة القرن الأفريقي أحداثاً مهمة في العام الجديد (2020)؛ انتخابات في كل من الصومال وإثيوبيا وجيبوتي، وكذلك صدور قرار محكمة العدل الدولية حول خلاف الحدود البحرية بين كينيا والصومال، فكيف تقرأون هذه الأحداث المتوقعة؟
- هذا العام مهم لمنطقة القرن الأفريقي والأحداث التي ذكرتها في سؤالك تؤثر بشكل كبير في المنطقة. وبخصوص الانتخابات فإنه ومع تقديرنا للتجربة الديمقراطية في كل دولة في المنطقة وخصوصياتها، لكن ما يهمنا هو أن يكون هناك تداول سلس وسلمي للسلطة في جميع دول المنطقة ومشاركة سياسية حقيقية لكل مكونات هذه الدول، وذلك من شأنه أن يسهم في استقرار المنطقة. وفيما يخص حكم محكمة العدل الدولية فإننا نؤمن ونتمسك بحقنا في ملكية المنطقة التي تنظر فيها المحكمة ونثق بأن يصدر الحكم لصالح الصومال.
وإضافة إلى ذلك، فهذا العام يصادف الذكرى الستين لاستقلال الصومال، وهذه فرصة لمراجعة هذه المسيرة واستخلاص الدروس، وتصحيح الأخطاء على الأصعدة كافة. وكذلك هذا العام يصادف الذكري العشرين لميلاد الجمهورية الصومالية الثالثة، في مؤتمر المصالحة الذي عُقد في مدينة «عرتا» بجيبوتي، وهذا المؤتمر أنهى الفراغ السياسي الذي حصل نتيجة الحرب الأهلية، وهذا المؤتمر كان القاعدة الأساسية للحكم في الصومال خلال العقدين الماضيين. وهذه أيضاً فرصة أخرى للتقييم والمراجعة. وأنتهز الفرصة هنا لتوجيه الشكر إلى الشعب الجيبوتي والرئيس إسماعيل عمر جيلي، الذي سخّر موارد دولته لمساعدة الصوماليين على الخروج من الحرب الأهلية وتأسيس نظام حكم مستقر خلال السنوات العشرين الماضية.
> ما أهم ثوابت السياسة الخارجية للصومال؟
- الصومال كانت معروفة تاريخياً بالحياد الإيجابي في سياساتها الخارجية، ونحن نستمر في هذا النهج مهما استطعنا. تبدأ علاقتنا الخارجية مع دول الجوار التي نتشارك معها العيش في منطقة جغرافية مضطربة، لكنها واعدة من حيث المستقبل الاقتصادي. نعمل على تقليل الخلافات إلى أدنى حد ممكن وتوسيع آفاق التعاون. فعلاقتنا بدول الجوار ليست فقط مجرد حدود جغرافية، وإنما هي أيضاً تشابك علاقات بشرية وثقافية ولغوية ودينية. ومن الطبيعي أن ينشأ من هذه العلاقة المتشعبة حساسيات في بعض المجالات وبالتالي نريد احتواءها بشكل ودي.
الثابت الآخر في السياسة الخارجية للصومال هو فصل العلاقة بين علاقتنا بالدول الشقيقة والصديقة وبين علاقة هذه الدول بعضها ببعض، فنحن دولة مستقلة لها مصالح متفاوتة مع الدول، ولذلك نحاول تجنب الدخول في محاور، حفاظاً على مصالحنا، ولأننا لسنا قادرين على تحمل تبعات المحاور سواء دولياً أو إقليمياً.
> حدِّثنا عن العلاقة بين الصومال والمملكة العربية السعودية.
- العلاقة بين المملكة والصومال علاقة تاريخية وممتازة في جميع الجوانب، وتطورت على مدار العقود. وبحكم منصبي فأنا أعلم الكثير عن هذه العلاقة. وأود أن أقول هنا معلومة قد لا يعلمها الكثيرون، وهي أن المملكة العربية السعودية هي أكبر داعم للصومال في التاريخ الحديث ومنذ الاستقلال قبل 60 عاماً وحتى يومنا هذا.
وهذا الدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط وإنما الجوانب السياسية والثقافية أيضاً، ولذلك فإن المملكة هي أقرب الدول إلينا وعلاقتنا بها كانت ثابتة ولم تتغير، وفي الوقت الحالي وقفنا مع المملكة في جميع المناسبات ولا نزال. ووقوفنا مع المملكة مبدأ أساس في السياسة الصومالية بغض النظر عمن يحكم الصومال ونقف ضد كل محاولة لاستهداف المملكة، أولاً لما تمثله من مكانة رمزية في العالم العربي والإسلامي وثانياً لكونها أكبر داعم للصومال.
وحالياً يلعب «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» دوراً كبيراً في مساعدة الشعب الصومالي، وتبلغ المشاريع التي نفّذها المركز منذ تأسيسه والتي هي قيد التنفيذ أكثر من 40 مشروعاً، بتكلفة قدرها 184 مليون دولار.
> وماذا عن العلاقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة؟
- العلاقات بين الصومال والإمارات كانت مزدهرة لوقت طويل، ونحن ممتنون لدولة الإمارات لوقوفها معنا ودعمها للصومال في كثير من المجالات. صحيح أنه حدث سوء تفاهم في عدد من القضايا خلال الشهور الماضية، وكانت هناك محاولات لاحتواء سوء التفاهم هذا، بمساعدة جهات صديقة للطرفين، ونحن حريصون على العلاقة مع دولة الإمارات، وأن تعود إلى سابق عهدها، فالذي يجمعنا أكبر من الذي يفرق بيننا. وبصراحة أنا أعتقد شخصياً أنها سحابة صيف وستزول قريباً بإذن الله. ولقائي مع سفير دولة الإمارات –وهو في نفس الوقت عميد السلك الدبلوماسي في الصومال- جاء في إطار اللقاءات الروتينية بيني وبين السفراء المعتمدين في مقديشو، لمتابعة القضايا المشتركة، ونكنّ له ولقيادة دولة الإمارات احتراماً وتقديراً كبيرين.
> كيف تقيّم أداء السياسة الخارجية للصومال بعد غياب طويل عن المحافل الإقليمية والدولية؟
- تم تحسين العلاقات بين الصومال ودول الجوار، ونجحنا في إزالة كثير من الحواجز، قطعنا شوطاً كبيراً في جهود إعفاء الديون الخارجية التي كانت تكبّل الدولة الصومالية.
جواز السفر الصومالي استعاد مكانته لدى عديد من الدول الأوروبية والأفريقية والآسيوية التي كان بعضها يتحفظ عليه. وكذلك أعدنا عمل البعثات الدبلوماسية في الخارج والتي وصل عددها الآن إلى 40 بعثة دبلوماسية.
ونجحنا أيضاً في إقناع عدد من الدول الكبرى بإعادة بعثاتها الدبلوماسية إلى الصومال ومن بينها الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وأعادت فتح سفاراتها في مقديشو.
وأود أن أشير هنا إلى أن 7 دول عربية لها بعثات دبلوماسية مقيمة في مقديشو، إضافةً إلى مكتب بعثة الجامعة العربية. وأنتهز الفرصة هنا لتوجيه رسالة إلى الدول العربية الشقيقة لتعزيز حضورها في الصومال وإعادة فتح سفاراتها للمساهمة في وقوف الصومال على قدميه مرة أخرى واستعادة مكانته الدولية.

> عمل السفير عوض، الذي يحمل الجنسية الكندية أيضاً، في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في السودان لمدة 10 سنوات، (2006 - 2015). عُيّن بعدها سفيراً للصومال في واشنطن من 2015 – 2018، وتم تعيينه وزيراً للخارجية والتعاون الدولي في يناير (كانون الثاني) 2018، وهو أكاديمي متخصص في العلوم السياسية ودراسات السلام والأمن.



حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.