العثور على مادة أقدم من الشمس والأرض

النجوم في نهاية حياتها كانت مصدراً للحبيبات التي وجدت بالنيزك
النجوم في نهاية حياتها كانت مصدراً للحبيبات التي وجدت بالنيزك
TT

العثور على مادة أقدم من الشمس والأرض

النجوم في نهاية حياتها كانت مصدراً للحبيبات التي وجدت بالنيزك
النجوم في نهاية حياتها كانت مصدراً للحبيبات التي وجدت بالنيزك

عثر فريق بحثي دولي، يضم باحثين من أميركا وأستراليا وسويسرا وبريطانيا، على أقدم المواد على كوكب الأرض، وذلك من خلال فحص أجري لشظايا نيزك سقط في أستراليا قبل نحو 50 عاماً.
وكشف الفحص الذي أجري لشظايا هذا النيزك، الموجودة في متحف بأستراليا، احتواءه على ما يعرف بـ«الحبيبات قبل الشمسية»، وهي مواد صلبة ظهرت قبل وجود الشمس، ألقت بها النجوم في أيامها الأخيرة بالفضاء الخارجي، لتصبح هذه المواد أجزاء لنجوم جديدة وكواكب ونيازك.
ويعد العثور على هذه المواد أمراً نادر الحدوث، لندرة سقوط النيازك على الأرض، لكن المزارعين في منطقة «مورتشيسون» بأستراليا جمعوا عام 1969، عندما سقط نيزك في منطقتهم، سُمّي علمياً على اسم المنطقة، شظاياه وباعوا كيلوغرامات منها إلى المتاحف والجامعات، وأحد قطع هذه النيزك التي أجريت عليها الدراسة توجد في جامعة شيكاغو منذ نحو 30 سنة، ما أتاح للباحثين إجراء فحص كيماوي لها.
وخلال الدراسة التي نشرت أول من أمس في دورية «PNAS»، كشف الفريق البحثي عن تفاصيل استخراج «الحبيبات قبل الشمسية» من النيزك، الذي أظهر أنّها تتكون من معدن صلب يسمّى «كربيد السليكون»، وهو معدن قوي جداً ونادر للغاية على الأرض، ويتوفر من موت النجوم، ويستخدم في صناعة الدروع الواقية من الرصاص.

وبمجرد عزل «الحبيبات قبل الشمسية»، اكتشف الباحثون أنواع النجوم التي أتت منها، وكم عمرها، وذلك باستخدام «بيانات عمر التعرض»، التي تقيس بشكل أساسي تعرض المادة للأشعة الكونية، وهي جزيئات عالية الطاقة تطير عبر مجرتنا، وتخترق المادة الصلبة، وتتفاعل بعض هذه الأشعة الكونية مع المادة، وتشكل عناصر جديدة، وكلما طالت مدة تعرضها كلما تشكلت تلك العناصر.
ومن بين الحبيبات التي فُحصت، بلغ عمر واحدة منها 7 مليارات سنة، ما يجعلها أقدم من الأرض بـ2.5 مليار سنة، فيما كانت الأغلبية بعمر 4.6 إلى 4.9 مليار سنة، ما يجعلها أكبر عمراً من النظام الشمسي بمئات الملايين من السنين.
ويشرح تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمتحف الميداني للتاريخ الطبيعي عن الدراسة، بالتزامن مع نشر عملية استخراج هذه الحبيبات من قطع النيزك، التي بدت كمن يبحث عن «إبرة في كومة قش»، كما وصفت جينيكا جرير، طالبة دراسات عليا في المتحف وجامعة شيكاغو ومؤلفة مشاركة في الدراسة، وتقول: «تبدأ العملية بتكسير شظايا النيزك وصولاً إلى جعلها مسحوقاً، تكون له خاصية نفاذة، تنبعث منها رائحة تشبه زبدة الفول السوداني الفاسدة، بعد ذلك يُذاب بحمض إلى أن تبقى (الحبيبات قبل الشمسية)».
ويقول فيليب هيك، الأستاذ المشارك في جامعة شيكاغو، والمؤلف الرئيسي للدراسة، إنّ «هذه الدراسة واحدة من أكثر الدراسات إثارة التي عملت عليها، فالعثور على أقدم المواد الصلبة الموجودة على الإطلاق يخبرنا كيف تشكلت النجوم في مجرتنا». ويضيف أنّ «هذه المواد ظلّت محاصرة في النيازك حيث بقيت من دون تغيير لمليارات السنين، ما جعلها كبسولات زمنية تؤرخ لما قبل النظام الشمسي».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».