قال الفنان المصري خالد النبوي إنه يعيش حالة من السعادة الكبيرة بعد تحقيق مسلسله «ممالك النار» ردود فعل إيجابية في أنحاء العالم العربي، وأوضح في حواره لـ«الشرق الأوسط» أنه كان مفتوناً منذ وقت طويل بشخصية طومان باي آخر سلاطين المماليك في مصر، وأنه لم يكتف بسيناريو المسلسل بل عمل على قراءة كل ما يتعلق بهذه الشخصية والفترة الزمنية التي تناولها كبار المؤرخين والكتاب، مشيراً إلى أن مشهد إعدام طومان باي كان من أصعب مشاهد «ممالك النار»، وأوضح أنه تأثر بتجربة الفنان المصري العالمي الراحل عمر الشريف لكنه لم يسر على خطاه، ولا يفكر في الهجرة، وأعرب عن فخره بالإشادات التي نالها في أميركا بعد تجسيده شخصية الرئيس السادات على المسرح... وإلى نص الحوار.
-- شخصية ملهمة
> في البداية... متى بدأ اهتمامك بشخصية طومان باي التي جسدتها في مسلسل «ممالك النار»؟
- بهرني هذا القائد العظيم منذ أن كنت في المرحلة الثانوية، ورأيت أن تصديه للظلم يعد قدوة ونموذجاً يجب أن يحتذي به أي مسؤول، إذ بدا لي أنه كان ممن يمشون على خط النار، وشغلني كثيراً موقفه برفض السلطة فقد عرض عليه المحتل العثماني أن يحكم مصر، وأن يشتري حياته بذلك، لكنه رفض، وشغلني هذا الرفض الذي جاء من أجل فكرة، وحتى لا يعطي شرعية للاحتلال، ولو بعد مئات السنين، لأنه لو كان قد قبل عرض السلطان العثماني، لم يكن باستطاعتنا إثبات اليوم أنه احتلال، لذلك فنحن أمام عقل كبير كانت لديه رؤية ثاقبة.
> وكيف تلاقيت مع هذه الشخصية؟
- عُرض علي المسلسل في إطار فني رائع، من إنتاج شركة على رأسها منتج كبير هو ياسر حارب الذي يمتلك رؤية مميزة لماهية العملية الفنية، لذلك كان حريصاً على اختيار كفاءات نادرة في جميع عناصر العمل لإيمانه بأن «ممالك النار» بمثابة فريق لا بد أن يعزف نغمة واحدة بالكفاءة نفسها، فالإنتاج ليس مجرد إنفاق أموال، وإنما سياسة عمل، لذلك أرد له الفضل ولشركة الإنتاج وأشكرهم جميعا على أجواء العمل الرائعة.
> وكيف استعددت لتجسيد شخصية «طومان باي»؟
- لكل دور يؤديه الممثل متطلبات واحتياجات، وخصوصاً الشخصيات التاريخية، وطومان باي له تاريخ معروف حتى في موته، فقد ذكرت كل الكتب أنه طلب من الناس أن يقرأوا له الفاتحة ثلاث مرات، وقال قبل إعدامه: «إني راحل ومصر باقية» وقد أعطى هذا القائد العظيم الذي كان صوت الفقراء في القصر درساً للناس لحظة إعدامه، عندما أراد أن يقول لهم كلنا زائلون ويبقى الأثر الذي نتركه وتبقى بلادنا، وقد بحثت في شخصيته بشكل أعمق، وقرأت عدة كتب عنه، وعن تلك المرحلة التاريخية فقرأت لابن إياس، وصلاح عيسى، ومحمد سعيد العريان، وعماد أبو غازي وغيرهم، وبالتأكيد لكل ممثل طريقته في التعامل مع الشخصية التي يؤديها فحينما أجسد طومان باي يختلف الأمر عن تعاملي مع (رام) في فيلم «المهاجر» أو داود باشا، في مسلسل «حديث الصباح والمساء»، وفي «ممالك النار» كان يجب أن أركب الخيل وأحارب بالسيف، وقد عشت مرحلة إعداد مهمة وكنت أستغرق في التحضير لبعض المشاهد لساعات طويلة تصل إلى 17 ساعة، كما أن تصوير الحلقات استغرق 6 أشهر.
> ما أكثر المشاهد التي أثرت فيك شخصياً؟
- مشهد إعدام طومان باي، الذي تم تصويره على مدى يومين، كذلك مشهد تنصيبه سلطانا بينما هو يرفض السلطة ويواجه جميع الأمراء وهو يشك فيهم، لقد رأى في الكرسي فخا كبيرا، كذلك مشاهد المعركة والخيانة التي وقعت، ففي لحظة شعر أن الجيش سيهزم، وكانت لحظة صعبة ومخيفة.
> وهل واجهت صعوبة في التعامل مع أكثر من مخرج خلال المسلسل؟
- لا بالعكس، لأنه كان هناك تنسيق كامل بين جميع المخرجين وكان كل واحد منهم مختصا بأمر محدد، فالمخرج البريطاني بيتر ويبر مخرج العمل الأساسي أبدع كثيراً، وقد قرأ النص بالإنجليزية وكان يصاحبه مساعدون عرب، لكن أليخاندرو توليدو كان مختصاً بإخراج المعارك مع المخرج السوري عزام فوق العادة، وكانت المناقشات طويلة بين الثلاثة حتى خرج العمل بهذا الشكل الرائع.
> المسلسل توافرت له كل عناصر النجاح لكنه عرض في 14 حلقة فقط... ما تعليقك؟
- الفن هو الاختزال وليس التطويل ونحن قدمنا 14 حلقة، كل حلقة مدتها 50 دقيقة وبالتالي فإن عدد ساعات الدراما الفعلية قد تفوق مدة مسلسل مكون من 30 حلقة.
> وكيف استقبلت إشادات جمهور العالم العربي بعد انتهاء عرض المسلسل؟
- أشعر بالامتنان الكبير للجمهور في الوطن العربي بعد آرائه الإيجابية التي أشادت بي ومنحتني الثقة، وأشعرتني بالمسؤولية تجاه عملي، وهذه المسؤولية تلازمني منذ أن كنت طالباً بمعهد الفنون المسرحية، بجانب شعوري تجاه الإرث الكبير الذي ورثته من كبار النجوم المصريين على غرار نور الشريف وأحمد زكي ومحمود ياسين وحسين فهمي، وشادية وفاتن حمامة وسعاد حسني وطابور طويل من المواهب الأصيلة.
> هل تابعت ردود الفعل التركية على المسلسل؟
- لست معنيا ولا مهتماً سوى برد الفعل العربي، لأنهم جمهوري الحقيقي، ودائما أقول إننا يجب أن نهتم بحكاياتنا لأننا إذا لم نحكها نترك فراغاً يدفع الآخرين لتناولها بشكل مزيف، وهذه مسؤوليتنا.
> وما هي أكثر ردود الفعل التي توقفت أمامها بعد عرض «ممالك النار»؟
- أسعدني للغاية تلقي رسائل من أطفال على مواقع التواصل الاجتماعي يعبرون فيها عن سعادتهم بالعمل، الذي دفعهم إلى البحث عن تلك الفترة الزمنية، وهذا في رأيي هو ما يجب علينا أن نقوم به تجاه تاريخنا.
-- نجاح في هوليوود
> شاركت في فيلمين مع النجم العالمي الراحل عمر الشريف «المواطن مصري»، و«المسافر»، هل تأثرت بتجربته في السينما العالمية وأردت أن تكررها بشكل آخر؟
- بالتأكيد تأثرت بتجربة النجم الكبير عمر الشريف، لكني لا أسير على خطاه، وقد حكى لي الفنان الكبير الراحل كثيرا عن تجربته، وأتاح لي فيلم «المسافر» مساحة اقتراب منه أكثر على المستوى الفني والإنساني، فقد كنا نجسد شخصية واحدة، أنا في مرحلة الشباب وهو في مرحلة الكبر، وبدأ هو التصوير بالجزء الثالث وكان الاتفاق أن أراقب كيفية تعامله مع الشخصية لأجسدها في الجزء الأول والثاني من الفيلم، وكانت تجربة مهمة ومفيدة، وأنا اعتدت الاستفادة من كل تجربة حتى لو لم تحقق النجاح المنشود، فأنا دائما أتحمل نتيجة المخاطرة وأحترم الجمهور، لكني لا أخافه، لا سيما أن العمل الفني ليس مضمون النجاح على طول الخط، فقد يحقق نجاحاً على المدى البعيد، وليس في التو واللحظة، أما عملي في السينما العالمية فلم أسع إليه، كنت في بيتي حين اتصلوا بي لأجري اختبار كاميرا لفيلم «kingdom heaven» ففعلت، ثم طلبوا مني السفر لألتقي بالمخرج ريدلي سكوت، وأجري اختبار كاميرا أمامه ثم أخبروني باختياره لي وتكرر الأمر نفسه في فيلمي «fair game» و«citizen the».
> حين عُرض فيلمك الأول بأميركا «مملكة الجنة» قال كثير من النقاد إن دورك يعد أول دور يقدم الشخصية العربية بإيجابية في السينما العالمية، ثم تأكد ذلك مع الفيلمين الآخرين، هل هذا الاختيار صدفة أم هدف؟
- بالنسبة لي كان مقصوداً بالطبع لأنهم أسرفوا في تقديم صورة ظالمة للمواطن العربي لا تعبر عن حقيقته بل أساءت إليه وقد اعتذرت عن أعمال عدة سارت على المنهج نفسه، ولم أكتف بالاعتذار عنها فحسب، بل كنت أقول لهم لدينا نماذج عظيمة جداً في العالم العربي، فلماذا تصرون على تشويه الشخصية العربية، لذا شاركت في «لعبة عادلة» الذي يؤكد أن احتلال العراق تم بناء على خداع كبير، كذلك البطل اللبناني في فيلم «المواطن»، وفي «مملكة الجنة» كان الرجل الذي يريد أن يستعيد أرضه، وهي نماذج إيجابية للشخصية العربية، وحتى في شخصية الرئيس السادات التي جسدتها في مسرحية «كامب ديفيد» تأكدت قبل أن أوافق عليها من أنها تعكس مصر بوصفها دولة غير معتدية تتمسك بحقوقها وتدافع عن قضية عادلة.
> وهل واجهتك صعوبات بسبب التمثيل باللغة الإنجليزية أمام جمهور مختلف؟
- لقد اعتذرت عن المسرحية في البداية... فقد شعرت أنه ليس دوري لكن المخرجة مولي سميث، والمؤلف لورانس رايت الحائز على جائزة بوليتزر تمسكا بي وظلا يحدثانني لمدة ساعة من واشنطن لإقناعي، وكان شرطي هو أن أتحول بالماكياج لأشبه الرئيس السادات، وبالفعل اختاروا كفاءات كبيرة في الماكياج حققت المطلوب وقدمنا العرض في واشنطن وكاليفورنيا، وكانت العروض كلها كاملة العدد، وأعد هذه المسرحية من أهم الخبرات في حياتي، لأنني واجهت جمهوراً مختلفاً على مدى ساعتين على خشبة المسرح، وقد كتب أحد النقاد الأميركيين أن السادات وبيغن يعطيان «ماستر كلاس» كل ليلة على المسرح وكان يقصدني أنا والممثل نيدا يسينبيرج الذي جسد شخصية مناحم بيغن. وهذا أسعدني كثيراً، إضافة لإشادة السيدة جيهان السادات بأدائي لشخصية الرئيس المصري الراحل.
> بعد تجاربك العديدة في أميركا ما هي أهم الدروس التي استفدت منها بوصفك ممثلا؟
- تعلمت كثيرا واستفدت أكثر، وتأكدت أنني بوصفي ممثلا علي أن أتعلم طوال الوقت، والعملية الفنية هناك تأخذ نوعاً من الجدية نفتقدها نحن اليوم في العالم العربي.
> اختياراتك للأعمال الفنية يبدو أنها تتم بشكل دقيق في مصر وأميركا... هل تفكر في الهجرة للعمل بشكل مكثف في هوليوود؟
- لا إطلاقا... لأن جذوري هنا، لقد نشأت في مصر وأبي وأمي مصريان، وأرى أن العالم العربي غني بفنانيه، فالمواطن العربي رائع ومكافح ويستحق أكثر مما هو فيه الآن، وأرغب في أن أعبر عنه دائماً، فأنا ابن نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ودكتور زكي نجيب محمود، وبهاء طاهر، ونجيب سرور، وكثير من المبدعين.
-- يوم وليلة
> ما الذي جذبك لتجسيد شخصية «أمين الشرطة» في فيلم «يوم وليلة» الذي يجري عرضه حالياً في موسم «إجازة نصف العام الدراسي»؟
- «منصور الدهبي» شخصية لم أقدمها من قبل، بسيطة وحقيقية وقد درستها وبحثت عنها مع أمناء قابلتهم في أقسام الشرطة قبل تجسيدها، وحينما دارت الكاميرا كان علي إخراج كل ما اختزنته من تفاصيل صغيرة ترتبط بالشخصية وأن أوصل للجمهور ما ذاكرته، وما يريده المخرج مستخدما كل العناصر التي تساعدني مثل الملابس والماكياج وحتى الإضاءة في البلاتوه، والفيلم تجربة مهمة كتبها يحيى فكري وأخرجها أيمن مكرم، ويشارك في البطولة عدد كبير من الممثلين، وقد تابعت نجاح الفيلم عند عرضه في أكثر من مهرجان دولي لكني لم أتمكن من حضورها بسبب وجودي وقتئذ في أميركا.
> وضعك المخرج الكبير يوسف شاهين على أول طريق البطولة في فيلم «المهاجر» ثم أكده في فيلم «المصير»... إلى أي مدى تأثرت به؟
- تأثرت به كثيراً، فقد تفرغت عاماً كاملاً من أجل فيلم «المهاجر» وكنت أتعلم منه في كل يوم أمراً جديداً، فهو مخرج مهم جداً في مشواري ودونه كنت سأفقد الكثير، كما تأثرت بكل المخرجين الكبار الآخرين الذين عملت معهم على غرار صلاح أبو سيف، وحسين كمال، ومحمد فاضل، وإسماعيل عبد الحافظ، والمؤلفين الكبار محفوظ عبد الرحمن، وأسامة أنور عكاشة، ومحسن زايد... أنا كنت محظوظاً بالعمل مع كل هؤلاء الأساتذة.
> هل ستشارك في موسم شهر رمضان المقبل؟ وما مصير المسلسل الذي أعددت له طويلاً عن سيرة دكتور مصطفى محمود؟
- أنا لا أعمل وفقاً للمواسم وكل ما يعنيني هو تقديم أدوار جيدة مع مجموعة عمل موهوبة، لا يشغلني متى يعرض كما لا أفضل الحديث عن أعمال ما زلت أقرأها ولم أحدد بعد موقفي منها، وبالنسبة لمسلسل دكتور مصطفى محمود، فقد تحمست له وظللت أستعد للشخصية وأدرسها على مدى خمسة أشهر مع المنتج أحمد عبد العاطي، لكني لا أعرف مصيره.
-- مشوار فني مميز
> بمحافظة الدقهلية (دلتا مصر) التي أنجبت عباقرة الفن والأدب المصري، وفي مقدمتهم أم كلثوم وأنيس منصور وفاتن حمامة وعادل إمام والشاعران الكبيران كامل ومأمون الشناوي، وُلد خالد النبوي في 12 سبتمبر (أيلول) 1966، وانتقل إلى القاهرة ليلتحق بمعهد الفنون المسرحية، وخلال سنوات دراسته بالمعهد شارك في بطولة بعض المسرحيات، وكان أول أفلامه «ليلة عسل» بتوقيع المخرج محمد عبد العزيز، ثم اختاره المخرج صلاح أبو سيف لتجسيد شخصية نجل عمر الشريف في فيلم «المواطن مصري» 1991. لكن تعد انطلاقته الحقيقية عندما اختاره المخرج يوسف شاهين لبطولة فيلم «المهاجر» 1994، وقد أثار الفيلم جدلاً كبيراً بعد عرضه، ورغم مشاركة الفيلم بالمسابقة الرسمية لمهرجان «كان» السينمائي، فإنه تم وقف عرضه في مصر بحكم قضائي صدر في 30 مايو (أيار) 1996. وخاض يوسف شاهين معركة قضائية وحصل على حق عرضه، بينما حصل النبوي على جائزة أفضل ممثل في مهرجان جوهانسبرغ عن الفيلم ذاته، قبل أن يعاود شاهين اختياره للمشاركة في بطولة فيلم «المصير» 1997 أمام نور الشريف وليلى علوي، ومحمد منير والذي تناول قصة حياة الفيلسوف ابن رشد، والصراع الفكري الذي ينتهي بحرق كتب ابن رشد، وتوالت أفلام خالد النبوي، ومنها «إسماعيلية رايح جاي»، «فتاة من إسرائيل» «تايه في أميريكا»، «زي الهوا»، «الديلر»، «المسافر»، «دخان بلا نار»، وغيرها.
وتلفزيونياً قدم أعمالاً ناجحة على غرار «بوابة الحلواني» للمخرج إبراهيم الصحن، و«حديث الصباح والمساء»، إخراج أحمد صقر، و«واحة الغروب» إخراج كاملة أبو ذكري، وأخيراً مسلسل «ممالك النار» الذي أكد فيه موهبته الكبيرة في مجال التمثيل.
خالد النبوي: يجب أن نحكي تاريخنا العربي بأنفسنا حتى لا يزيفه الآخرون
قال لـ«الشرق الأوسط» إن مسلسل «ممالك النار» أسعده
خالد النبوي: يجب أن نحكي تاريخنا العربي بأنفسنا حتى لا يزيفه الآخرون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة