نجوى قاسم... رحيل «زهرة البيلسان»

«العربية» و«العربية الحدث» تنعيانها وزملاؤها يعبّرون عن صدمتهم بوفاتها

الإعلامية الراحلة نجوى قاسم أثناء تقديم برنامجها «حدث اليوم»
الإعلامية الراحلة نجوى قاسم أثناء تقديم برنامجها «حدث اليوم»
TT

نجوى قاسم... رحيل «زهرة البيلسان»

الإعلامية الراحلة نجوى قاسم أثناء تقديم برنامجها «حدث اليوم»
الإعلامية الراحلة نجوى قاسم أثناء تقديم برنامجها «حدث اليوم»

خيم الحزن على الوسط الإعلامي في العالم العربي بعد الخبر المفجع الذي فاجأهم أمس عن وفاة الإعلامية اللبنانية نجوى قاسم التي غادرت الحياة عن عمر يناهز 52 عاماً صباح أمس في منزلها في دبي.
وشكلت وفاة قاسم صدمة لدى الإعلاميين والمتابعين العرب الذين اعتادوا على مشاهدتها لسنوات تنقل الأخبار من ساحات المعارك وغرف الأخبار، حيث تناقل الآلاف خبر وفاتها بحزن، مستذكرين مآثرها بعد المشوار الحافل في الوسط الإعلامي، التي غطت خلاله الإعلامية اللبنانية أخبار الحروب في أفغانستان والعراق ولبنان، وشاركت في تقديم نشرات الأخبار وعدد من البرامج السياسية.
ونعت شبكة «العربية» و«العربية الحدث» الزميلة نجوى قاسم في بيان لها أمس: «تنعى شبكة (العربية) و(العربية الحدث)، الزميلة الإعلامية نجوى قاسم التي وافتها المنية أمس، وإذ تنعى شبكة (العربية) و(العربية الحدث) الزميلة نجوى قاسم فإنها تستذكر مشوارها الصحافي الطويل الذي بدأ مع (العربية) منذ انطلاقتها عام 2003 كمذيعة ومراسلة ميدانية شاركت في تغطية عدد من الأخبار والحروب، لا سيما في العراق وأفغانستان، رحم الله الزميلة نجوى قاسم وألهم أهلها وذويها الصبر والسلوان... إنا لله وإنا إليه راجعون».
ولدت قاسم التي لقبت نفسها بـ«زهرة البيلسان» في حسابها بموقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي في السابع من شهر يوليو (تموز) عام 1967 في بلدة جون، في لبنان، وعملت 30 عاما في الإعلام، حيث تميزت بتغطية الحروب والأحداث السياسية في لبنان وأفغانستان والعراق.
وعملت القاسم في تلفزيون المستقبل اللبناني لمدة 11 عاماً، قبل أن تنتقل إلى قناة «العربية» في عام 2003، رغبة منها في قناة أكثر تخصصاً في الأخبار السياسية. وحصلت الراحلة نجوى قاسم عام 2006 على جائزة أفضل مذيعة في المهرجان العربي الرابع للإعلام في بيروت، وسميت على موقع قناة «العربية» بـ«قطعة الكريستال».
وطبقاً لقناة «العربية» فإن الراحلة ذهبت عام 2003، إلى قلب العاصمة العراقية بغداد، لتغطية فترة ما بعد الحرب، وجرحت جرحاً طفيفاً بيدها إثر تفجير أصاب مكتب «العربية»، وأدى إلى مقتل 5 من العاملين فيه وجرح 15 آخرين، وعند وقوع الانفجار، وأثناء محاولتها الخروج شاهدت عدداً من زملائها جرحى، فهرعت مع الباقين إلى الشارع من أجل إيقاف السيارات لنقل الجرحى إلى المستشفيات. وأشارت «العربية» إلى أنه طوال السنوات الماضية، لم تفارقها وجوه زملائها القتلى، بحسب ما أكدت قاسم في أكثر من مناسبة ومقابلة.
وكانت الإعلامية اللبنانية تقدم برنامج «حدث اليوم» على قناة «الحدث»، وكان آخر ظهور لها على شاشات التلفاز في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وتميزت الراحلة بمهاراتها العالية في إدارة الحوارات التلفزيونية، بهدوء بعيدا عن الانفعالات ومهنية عالية قل ما يجدها المشاهد العربي، حيث حصلت الراحلة نجوى قاسم عام 2006 على جائزة أفضل مذيعة في المهرجان العربي الرابع للإعلام في بيروت.
وتمنت المذيعة اللبنانية في آخر تغريدة لها على موقع «تويتر» أن يحفظ الله البلاد «العربية» وبالتحديد بلدها لبنان، حيث كتبت: «يارب عام خير على الجميع يا رب يا رب، احفظ بلادنا وعينك على لبنان».
- قالوا عن نجوى قاسم
نعى سعد الحريري رئيس مجلس الوزراء في لبنان الراحلة نجوى قاسم، وقال: «صدمة حقيقية ومحزنة، أن ترحل نجوى قاسم في عز العطاء والشباب. رافقت مشوار تلفزيون (المستقبل) منذ تأسيسه وسطعت على شاشته نجمة متألقة، قبل أن تنتقل إلى دبي حيث تابعت التفوق والنجاح. خسارة لنا وللإعلام اللبناني العربي. رحم الله نجوى قاسم وأحر التعازي لأسرتها وأسرة (العربية) - الحدث».
من جانبه، قال الإعلامي السعودي والكاتب في صحيفة «الشرق الأوسط» عبد الرحمن الراشد: «عزيزة علينا فقيدة الإعلام وأيقونته نجوى قاسم‬، صدمتنا وغادرتنا في سلام. هذه المرأة العظيمة لم تخش الموت قط، نجت من محاولات اغتيال في العراق، وقبلها في أفغانستان، أحبها ملايين الناس، كانت قلبهم ولسان حالهم، ‏كل الدموع التي تذرف لا تكفي لتعبر عن حزننا».
من جهته، قال تركي الدخيل السفير السعودي في الإمارات: «وداعاً للصديقة الغالية الأستاذة نجوى قاسم‬، وداعاً سيدة الأخلاق والأدب والمهنية والاحترافية، وداعاً صديقة الجميع، رحمة الله عليك رحمة واسعة، إنا لله وإنا إليه راجعون».
إلى ذلك، غرد ممدوح المهيني مدير قناتي «العربية» و«الحدث» في موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي أمس: «يوم حزين برحيل الإنسانة والصديقة والإعلامية الكبيرة نجوى قاسم ‏خسرنا وجودها بيننا ولكن ذكراها ستبقى معنا للأبد ‏أحر التعازي لعائلتها ومحبيها في كل مكان وللزملاء في (العربية) و(الحدث) ‏رحمها الله».
وغرد الدكتور نبيل الخطيب، مدير عام قناة «بلومبرغ» الشرق، والذي كان يدير قناتي «العربية» و«الحدث»، في «تويتر»، قائلاً عن الإعلامية نجوى قاسم: «مكانك سيبقى خالياً، يأبى أن يملأه أحد غير أنت يا نجوى قاسم، مدرستك في الإعلام باقية كما ذكراك العطرة وصوتك الصاخب بالحق... هناك من الخسائر ما لا يعوض كما فقدان نجوى».
- رحيل صاحبة المهمات الصعبة
صدم عالم الإعلام العربي بوفاة نجوى قاسم بعدما استفاق على هذا الخبر صباح أمس ونعاها تلفزيون «العربية» و«العربية الحدث». وكانت إحدى صديقاتها التي توجهت إلى شقة الإعلامية في دبي هي أول من علم بالخبر. وكان مالك الروقي مدير أخبار قناة «إم بي سي» هو أول من أعلن عن وفاة المذيعة نجوى قاسم، مشيرا في تغريدة له عبر حسابه على موقع «تويتر» إلى أنه ناتج عن إصابتها بسكتة قلبية. ومن ثم نعتها «العربية» و«العربية الحدث» معلنة وفاتها في منزلها في دبي.
وإثر إعلان الخبر انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي برحيل نجوى قاسم، وخاصة موقعي «تويتر» و«فيسبوك»، حيث شكلت وفاتها الحدث الأهم مع بداية العام الجديد. وتبادل زملاؤها ومحبوها مقاطع فيديو قديمة وأخرى حديثة تظهرها أثناء تقديمها برنامجها الحوار السياسي «حدث اليوم».
ولم يتأكد بعد موعد نقل جثمان الراحلة من دبي إلى لبنان، حيث من المتوقع أن توارى الثرى في بلدتها (جون) الواقعة في قلب منطقة الشوف. فهي كانت تحلم بالعودة إلى قريتها والسكن في منزل انتهت مؤخرا من تشييده هناك.
«عندما تحدثت معها قبل وفاتها بأيام قليلة وعدتني باللقاء قريبا مع عدد من الأصدقاء لتدشين منزلها الجديد في جون وبعيد انتهاء فصل الشتاء. ولكن الموت ومع الأسف عاجلها من دون أن تتمكن من تحقيق أمنيتها هذه». يقول منير الحافي أحد زملاء نجوى قاسم في مشوارها الإعلامي في تلفزيون «المستقبل».
ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد صدمت بخبر رحيلها خصوصا أننا كنا على تواصل مستمر. كما أن هناك عشرة عمر تجمعنا، لا سيما وأننا عملنا معا في تلفزيون المستقبل منذ عام 1993 حتى عام 2003 عندما انتقلت إلى شبكة (العربية)».
ويتابع الحافي في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كانت تتميز بحس مهني عال جدا وخفة ظل لافتة رغم كل الجدية التي كانت تطل بها على الشاشة الصغيرة. كما كان مدير المحطة يومها دكتور علي جابر يختارها للمهمات الصعبة دون غيرها». وعن نجوى الصديقة يقول: «أما نجوى الصديقة فكانت وفية وحنونة إلى أبعد حدود وواضحة في التعبير عن آرائها تقول كلمتها وتمشي لأنها لا تحب المواربة».
أما زميلتها أيضا في تلفزيون «المستقبل» ناديا البساط فتتذكرها في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «في آخر مرة التقيتها في لبنان كانت تعاني من آلام في قدمها التي تعرضت إلى كسر أجبرها على الخضوع لأكثر من عملية جراحية وهو ما اضطرها لتناول جرعات من الـ(كورتيزون) للتخلص من أوجاعها. وأذكر أنها كانت متحمسة جدا لما يجري في لبنان واصفة الحراك المدني الذي يجري على أرضه بمثابة بصيص النور الذي نحلم به جميعنا من أجل لبنان أفضل». وتتابع ناديا البساط في معرض حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبرها من أهم الإعلاميات العربيات على الشاشة الصغيرة وكانت بالنسبة لكثيرين مرجعية يعودون إليها للوقوف على محطة سياسية معينة نسبة إلى خلفية غنية تتمتع بها. وكانت إعلامية مجتهدة ودؤوبة وشغوفة إلى آخر حد في مهنتها. وتتمتع بسرعة بديهة لافتة تخولها إجراء حوارات نارية وسلسة في آن».
وعما تتذكره حول فترة مغادرتها تلفزيون «المستقبل» تروي ناديا البساط: «أذكر أنها حملت معها عدداً كبيراً من الصحف والمجلات السعودية وفي مقدمها جريدة (الشرق الأوسط) وكان يعود تاريخها لستة أشهر قبل موعد مغادرتها لبنان إلى دبي. وعندما سألتها عن السبب قالت لي إنني أنتقل للعمل في محطة فضائية عربية تتناول أخبار العالم العربي برمته. ويجب أن أقف (العربية) على آخر الأحداث في هذا الصدد كي أكون على المستوى المطلوب في مهمتي الجديدة في محطة (العربية)».
وفي اتصال مع زميلتها في «شبكة العربية» جيزيل حبيب والتي كانت موجودة في منزل الراحلة في دبي، أكدت لـ«الشرق الأوسط» أنه ليس هناك بعد من تاريخ محدد حول موعد نقل جثمانها إلى لبنان.
ومن ناحية أخرى أصدر مساعد القائد العام لشرطة دبي لشؤون البحث الجنائي اللواء خليل إبراهيم المنصوري بياناً يوضح نتائج فحص الطّب الشرعي، جاء فيه، أنّ الفقيدة نجوى قاسم توفيت وفاة طبيعية نتيجة أزمة قلبية. مضيفاً، أنّ الإعلامية احتفلت مع أصدقائها برأس السنة الجديدة، وتوجهت إلى سريرها بشكل طبيعي ليلة أمس، وحين دق المنبه في الصباح لم تستيقظ ما أثار قلقهم فاتصلوا بالإسعاف وتبيّن من خلال الفحص وفاتها نتيجة أزمة قلبية، لافتاً إلى أنّ هناك أطباء بين أفراد أسرتها، ولم تكن تعاني من أمراض أو مشكلات صحية قبل الوفاة.


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».