حفلات رأس السنة تبدأ مبكراً في مصر

علي الحجار وتامر حسني وسعاد ماسي يفتتحون الموسم

الفنان علي الحجار في حفله مساء أول من أمس بالجامعة الأميركية بالقاهرة
الفنان علي الحجار في حفله مساء أول من أمس بالجامعة الأميركية بالقاهرة
TT

حفلات رأس السنة تبدأ مبكراً في مصر

الفنان علي الحجار في حفله مساء أول من أمس بالجامعة الأميركية بالقاهرة
الفنان علي الحجار في حفله مساء أول من أمس بالجامعة الأميركية بالقاهرة

بدأ موسم حفلات رأس السنة مبكراً في مصر، حيث افتتح المطربون علي الحجار وتامر حسني ورامي جمال، فضلاً عن الجزائرية سعاد ماسي، مساء أول من أمس، الموسم بفعاليات منفصلة في مناطق مختلفة بالقاهرة.
في الجامعة الأميركية (وسط القاهرة)، أطل الفنان علي الحجار بأولى حفلاته الغنائية بعد منحه «جائزة السلطان قابوس التقديرية للثقافة والفنون والآداب» في دورتها الثامنة، عن فئة المطرب العربي. وحضر حفل الحجار نخبة من المثقفين والفنانين، من بينهم الفنان أحمد عبد العزيز، والفنان صلاح عبد الله، والفنان جمال عبد الناصر، وعدد من الكتاب والمؤلفين.
واستهل الحجار حفله بأغنية «قالوا زمان»، أغنية تتر المسلسل المصري الشهير «المال والبنون»، ثم استقبل الفنان أحمد عبد العزيز على المسرح، ليحتفل معه بجائزة السلطان قابوس، حيث قال عبد العزيز: «رغم أن الجائزة تأخرت كثيراً على قيمة وقامة في الغناء مثل علي الحجار، فإننا جميعاً سعداء بأن لدينا في مصر فناناً واعياً مثقفاً مثله». واستكمل الحجار حفله بغناء عدد من أهم وأشهر أغنياته، بعدما طلب من جمهوره أن يرسل له الأغنيات التي يريد أن يستمع إليها. وقدم خلال وصلتيه الغنائيتين أغنيات: «ريشة»، و«النديم»، و«لما الشتا يدق الببان»، و«متصدقيش»، و«اللي بنى مصر»، و«الزين والزينة»، و«متمنعوش الصادقين»، و«كناريا».
وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، قال الحجار: «إنه لم يكن مقرراً أن نحتفل بجائزة السلطان قابوس في حفل الجامعة الأميركية، لأن وزارة الثقافة المصرية ستنظم حفلاً في السادس عشر من شهر يناير (كانون الثاني) المقبل في دار الأوبرا المصرية للاحتفال بالجائزة، ولكن بسبب رغبة جمهوري في رؤية الجائزة، قررت أن يكون حفل الجامعة الأميركية هو الحفل الأول للاحتفال بها».
وأضاف الحجار: «أشعر بسعادة كبيرة لحصولي على هذه الجائزة لأنني أعد أول فنان مصري وعربي يحصل عليها، فهذه الجائزة تمنح لأول مرة في فئة الطرب، وتم اختياري لأكون أول مطرب يحصل عليها».
وعن مشاريعه الفنية المقبلة، قال: «ما زلت أعمل على أغنيات ألبومي الجديد، فأنا طرحت عدداً من أغنياته خلال الأشهر الماضية بطريقة السينغل، وخلال الأشهر المقبلة سأطرح باقي أغنيات الألبوم، على أن أجمع كل تلك الأغنيات في النهاية في ألبوم، وأوزعه على جمهوري وأصدقائي المقربين مني»، مشيراً إلى أنه «يعتزم العودة مجدداً إلى المسرح الغنائي، عبر عرض جديد يجري التجهيز له حالياً».
وفي مركز المنارة للمؤتمرات، بمنطقة التجمع الخامس (شرق القاهرة)، أقام الفنانان تامر حسني ورامي جمال حفلاً غنائياً كبيراً، يعد الأول لرامي جمال بعد إعلانه إصابته بمرض «البهاق». وبدأ الحفل بفقرة فنية ثقافية لسرد تاريخ حضارات مصر الفرعونية والقبطية والإسلامية، مروراً بالنهضة الحديثة، وصعد رامي جمال إلى المسرح على نغمات أغنيته الشهيرة «ليالينا»، التي أعقبها بتوجيه شكر خاص للفنان تامر حسني على اختياره لإحياء الحفل معه.
وأكمل جمال وصلته الغنائية بتقديم أغنيات: «فرصة»، و«أوعديني»، و«أنا مش كداب»، و«عايش فترة»، و«شعرها ناعم»، و«قدامي طول عمري»، بالإضافة إلى مجموعة من أشهر الأعمال الغنائية لكبار المطربين العرب.
ثم صعد الفنان تامر حسني إلى المسرح، بعد انتهاء فقرة رامي جمال، على نغمات أغنيته الجديدة «حلو المكان»، وهي الأغنية الدعائية لفيلمه الجديد «الفلوس» الذي يعرض حالياً في دور العرض المصرية والعربية. وقدم الأغنية 3 مرات بناءً على رغبة الجمهور، بجانب أغنيات: «كل مرة»، و«كل اللي فات»، و«يا أنا ما فيش»، و«بنت الإيه»، و«تليفوني رن»، و«أكتر حاجه بحبها فيكي». وفاجأ تامر جمهوره بصعود رامي جمال معه لغناء أغنية «دايب»، وهي الأغنية التي قدماها معاً عام 2008.
وقال رامي جمال، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «أشكر صديقي الفنان تامر حسني على منحه لي فرصة الغناء معه في حفله الغنائي، فهو أول من دعمني بعد إعلاني عن مرضي، وصمم على أن تكون صورتي معه بمساحة صورته نفسها على بوستر الحفل، ما أعطاني دفعة قوية للغناء، وتقديم كل ما هو جديد».
وعن أعمال الفنية المقبلة، قال جمال: «اقتربت من إنهاء أغنيات ألبومي الجديد الذي ستنتجه شركة نجوم ريكوردز، ولكننا لم نحدد بعد الموعد النهائي لطرحه»، موضحاً أن عدد أغنيات الألبوم لن تزيد على 10 أغنيات».
في السياق نفسه، أحيت الفنانة الجزائرية سعاد ماسي حفلها الغنائي السنوي في موسم رأس السنة بالقاهرة، تحت قيادة الموسيقار جورج قلته، وهو الحفل الذي قدمت فيه أغنيات ألبومها الجديد «أمنية»، ومنها أغنيتها المصرية الوحيدة «سلام» التي أشعلت أجواء الحفل بعد النجاح الكبير الذي حققته الأغنية بمصر، عقب عرضها في حلقات مسلسل «أبو العروسة».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)