ملهمة بيكاسو دورا مار تعود إلى الأضواء بأحمر شفاه

قاعة «تايت» تُنصفها وتكشف تأثيرها وعلاقتها بصناعة الموضة والتجميل

TT

ملهمة بيكاسو دورا مار تعود إلى الأضواء بأحمر شفاه

قد يتفاجأ الزائر إلى قاعة «ذي تايت مودرن»، هذه الأيام، بمجموعة أحمر شفاه في محلها الخاص ببيع الهدايا والتذكارات. فهذا أمر يحصل لأول مرة في تاريخها. لكن إذا عُرف السبب بطل العجب، فالقاعة تشهد منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وإلى منتصف شهر مارس (آذار) المقبل، معرضاً خاصاً بدورا مار؛ امرأة لها علاقة وطيدة بالكثير من الفنون، كما بالتجميل والموضة. فربما تكون أول من صورت حملة ترويجية لمستحضر تجميل على الإطلاق. أمر يجتهد المعرض في إبرازه من خلال إعادة الاعتبار إليها، بعد أن ظلت متجاهلة طويلاً، وتعيش في ظل بابلو بيكاسو. ما يسلط المعرض عليه الضوء أنها كانت فنانة وشاعرة ومصورة مبدعة متفردة بدليل ما تركته من إرث غني يؤرخ لفترة مهمة تتعلق بتحرر المرأة. ولدت دورا مار، واسمها الحقيقي، بي. هينرييت ثيودورا ماركوفيتش، في عام 1907، أي في فترة مليئة بالتحديات والتغيرات بالنسبة للمرأة. ورغم أنها واجهت هذه التحديات بقوة وجرأة، إلا أنها، وللأسف ظلت متجاهلة كفنانة وشاعرة متفردة ومصورة سابقة لأوانها؛ حيث اشتهرت أكثر بعلاقتها العاصفة بالرسام الإسباني بيكاسو، كونها كانت أيضاً ملهمته للعديد من أعماله.
درست دورا فن التصوير بشكل أكاديمي في باريس، وربما تكون من الأوائل الذين صوروا حملات ترويجية لمنتجات تجميل. أحد أعمالها المعروضة بعنوان «الأعوام بانتظارك»، لم ينشر أو يعرض من قبل، كان واحداً من هذه الإعلانات، وكان للترويج لكريم مضاد للشيخوخة. أما سبب عدم نشره، فيعود إلى صورتها الصادمة، كما يظهر في المعرض. وبفضل موهبتها في التقاط الصور السريالية، كان عدد كبير من زبائنها من أصحاب شركات التجميل، مثل «أومبر سولير» وهيلينا روبنشتاين التي أسست إمبراطورية تجميل عالمية من الصفر وغيرهما.
في حياتها الخاصة أيضاً، كانت دورا عاشقة للموضة والماكياج. لم تكن تبخل على نفسها بكل غالٍ ونفيس من أشهر دور الأزياء في زمنها. ووصل بها حبها للموضة إلى استعمالها العلب الكبيرة التي كانت تصلها محملة بفساتين من «روشا» و«شانيل» كنفس للوحاتها وأعمالها.
تُعلق إيما لويس، أمينة معرض «دورا مار» بأن صناعة الموضة والتجميل لعبت دوراً مهماً في فتح الأبواب أمام المرأة لدخول عالم الأعمال، وتغيير صورتها في المجتمع بجعلها فاعلة. وأضافت أنه بالنسبة لدورا مار وغيرها من النساء الجريئات في زمنها، فإن وضع أحمر شفاه والماسكارا كان إعلاناً عن الاستقلالية ودخولهن عصراً جديداً يُعبرن فيه عن ذاتهن بحرية. «كانت دورا تجسيداً للمرأة المعاصرة والمثيرة للجدل في وقتها»، حسب لويس. وعلى الرغم من أن لا أحد يعرف أي أحمر شفاه كانت تستعمله، إلا أنه من المرجح أن الخيارات أمامها كانت متنوعة، من «ماكس فاكتور» و«كوتي» إلى «غيرلان»، وبأن ألوانها كانت محدودة تتباين بين الأحمر والمرجاني بتركيبة طبشورية مطفية، على العكس من مجموعة أحمر الشفاه «جاز ريد» المعروضة للبيع في محل قاعة «ذي تايت مودرن». فهي ليست من النوع المطفي أو المعتق، على الرغم من أن الجهة المصنعة له، وهي شركة لندنية غير معروفة اسمها «كود 8» قامت بعدة أبحاث في هذا المجال لكي يأتي مطابقاً، لكن بتركيبة عصرية، في حين استلهمت درجاتها من الألوان التي ظهرت بها دورا في لوحات بابلو بيكاسو.
ولا يختلف اثنان على أن خروج قاعة «ذي تايت» عن المتعارف عليه بطرح أحمر شفاه، ولأول مرة في تاريخها، اعتراف صريح بأهمية صناعة التجميل، وتأثيرها على ثقافة العصر كوسيلة للتعبير عن النفس واكتساب الثقة بعد تجاهل دام مئات السنين. فإلى عهد قريب ارتبطت هذه المستحضرات بامرأة سطحية، وربما مبتذلة، أما الآن فهي وسيلة فنية لرسم الوجه، سواء بتحديده «الكونتورينغ»، أو باستعمال ألوان ساطعة مثل الأزرق والوردي والأصفر على الجفون وغيرها.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.