أهلاً بالخمسين... أهلاً بذهبية العمر

نجمات يكتبن تواريخ ميلادهن بالثقة والتصالح مع الذات

تبدو ديمي مور حالياً أكثر سعادة وشباباً بعد أن تصالحت مع نفسها وجسدها (إ.ب.أ)
تبدو ديمي مور حالياً أكثر سعادة وشباباً بعد أن تصالحت مع نفسها وجسدها (إ.ب.أ)
TT

أهلاً بالخمسين... أهلاً بذهبية العمر

تبدو ديمي مور حالياً أكثر سعادة وشباباً بعد أن تصالحت مع نفسها وجسدها (إ.ب.أ)
تبدو ديمي مور حالياً أكثر سعادة وشباباً بعد أن تصالحت مع نفسها وجسدها (إ.ب.أ)

من يقول إن كايت بلانشيت تبلغ من العمر 55 عاماً، وجينفر لوبيز وسلمى حايك 54، وكارلا بروني 56، وديمي مور 61؟ إطلالاتهن في كل المحافل تضج بالجمال والحيوية. تبدو كل واحدة منهن كأنها تعيش عُمراً جديداً يتحدى الزمن والتجاعيد التي لم تستطع حُقن البوتوكس إخفاءها، وخططت وجوه بعضهن لتحكي تجارب حياتية مهمة.

منتصف العمر بالنسبة لهن ليس أزمة أو يأساً بقدر ما هو أمل واستقبال لمرحلة جديدة عنوانها النُضج والتصالح مع الذات. التاريخ يذكرنا بأنه من الصعب على نجمات ذُقن دفء الأضواء وبريقها في شبابهن الأول، الخروج من دائرته بهدوء ومن دون أي محاولات مستميتة. فالمسألة بالنسبة لكثير منهن تتحول إلى مسألة وجودية. لكن الجميل في الجيل الخمسيني الحالي، أن كل واحدة منهن باتت تكتب تاريخ ميلادها بنفسها. يُطبِقن نصيحة كوكو شانيل القائلة إن «الطبيعة تمنحنا وجوهنا في عمر الصبا، والحياة تشكِلها في الثلاثين، لكننا في الخمسين نحصل على الوجه الذي نرى أننا نستحقه».

كايت بلانشيك في مهرجان «كان» الأخير رغم تعديها الخمسين بسنوات فإنها لا تزال تشعل عدسات الكاميرات وآمال المصممين بأن تظهر بزي بتوقيعهم (رويترز)

كايت بلانشيت مثلاً ظهرت في قمة النضج والحيوية خلال الدورة الأخيرة من مهرجان «كان» السينمائي. كان واضحاً في كل إطلالاتها وحضورها، مدى تهافت المصممين على نيل رضاها. كل واحد يأمل في أن تنتقي أي زي من إبداعه. فهي «الملكة» التي تضمن لهم تغطيات مجانية لما تعكسه من صورة راقية لامرأة قوية ومستقلة لم ينَل الزمن من جمالها ولا من قوتها الإبداعية. حتى تجاعيد وجهها الخفيفة، التي لم تحاول إخفاءها، تقول إن العمر مجرد رقم نختاره ونكتبه بأنفسنا.

إلى جانب تأليف الأغاني... كارلا بروني سفيرة لدور مجوهرات مثل «بولغري» التي تحضر كل مناسباتها تقريباً (غيتي)

كذلك كارلا بروني البالغة من العمر 56 عاماً، هي الأخرى لم تنحسر الأضواء عنها حتى بعد انتهاء ولاية رئاسة زوجها الفرنسي نيكولا ساركوزي، أو ابتعادها عن منصّات الأزياء. تحدَت جور الزمن وأثبتت وجودها من خلال الموسيقى والموضة. فهي تؤلف أغاني مفعمة بالرومانسية وتحيي حفلات بين الفينة والأخرى. والأهم أنها حافظت على علاقات جيدة مع بيوت أزياء ودور مجوهرات عالمية. تعمل معها سفيرة وتحضر مناسباتها ضيفة مكرمة، ودائماً في أجمل حلة وشكل كأنها في الثلاثينات من عمرها، نظراً لمقاييس جسمها المثالية. هذه الرشاقة تحديداً تجعلها شماعة رائعة لبيوت أزياء كثيرة مثل «فرساتشي» و«أليكسي مابيل»، ودور مجوهرات مثل «بولغري» و«شوبارد». أما هي، فتستفيد طبعاً من الأضواء التي تسلط عليها من قبل المجلات، وترسخ وجودها كأيقونة لم يمحُ الزمن ملامح الشباب.

ظلت ديمي مور تستعمل الموضة كوسيلة للبقاء والتواجد لسنوات قبل أن تحقق حلم العودة إلى السينما..بقوة (أ.ف.ب)

لو كانت كوكو شانيل تعيش بيننا الآن، لاستشهدت بهؤلاء وغيرهن كثيرات. لكنها كانت ستتخذ النجمة ديمي مور تحديداً نموذجاً تستشهد به على صحة فلسفتها عن الجمال. ديمي مور، حسب النقاد والنجم دينيس كوايد، كُتب لها عمر ذهبي جديد. كان المتوقع أن تُغلفها ستائر النسيان بعد أن تعدت الستين وكل التذبذبات والانكسارات التي شهدتها على المستويين الفني والشخصي على مدى عقدين تقريباً. لكنها لم تستسلم، إلى أن أعطت جهودها ثمارها هذا العام. فيلمها الأخير «The Substance» تلقى بعد عرضه في مهرجان «كان» 13 دقيقة من التصفيقات الحارة. أما هي فتغنى النقاد بأدائها فيه.

كانت هذه المرة الأولى منذ عام 1997 التي تحضر فيها المهرجان. لم يكن لها مكان فيه سابقاً، بسبب تعرض مسيرتها الفنية للتراجع منذ تسعينات القرن الماضي. قدمت أعمالاً غير ناجحة لم تخدمها أو تُعِد لها بريق ما حققته في فيلم الشبح «Ghost». كان هذا الفيلم نقطة تحول بالنسبة لها، كما أثر على ثقافة جيل كامل من الفتيات ونظرتهن للجمال والأناقة. قلّدن مظهرها واعتمدن قصة شعرها القصيرة وملابسها الصبيانية. ثم قدمت فيلم «عرض غير لائق» (Indecent Proposal) مع مايكل دوغلاس الذي رسخ جماهيريتها في عام 1993 ومكانتها كنجمة شباك. أصبح الكل يطلبها حتى المجلات البراقة. فمن ينسى غلاف «فانيتي فير» الذي تصدرته في عام 1991 عارية تماماً وهي في الأشهر الأخيرة من حملها؟ صورة جريئة أصبحت أيقونية شجعت نجمات أخريات؛ مثل فكتوريا بيكهام والمغنية ريهانا، على الاحتفال واستعراض حملهن على الملأ عوض إخفائه بملابس فضفاضة كما كان الأمر من قبل. بعد منتصف التسعينات بدأ نجمها يأفل. فيلم «ستريبتز» (striptease) مثلاً نجح تجارياً، وفشل فنياً إلى درجة أن النقاد وصفوه بأنه أسوأ فيلم لعام 1996. تلاه «جي آي جاين» في عام 1997، الذي تعرض هو الآخر للانتقادات السلبية ذاتها.

تبدو ديمي مور حالياً أصغر مما كانت عليه وهي في الأربعينات بعد أن تصالحت مع نفسها وجسدها (أ.ب)

ورغم انحسار الأضواء عنها فنياً، بقيت أخبار حياتها الشخصية تتصدر الصحف والمجلات، من عمليات التجميل الفاشلة إلى طلاقها من زوجها نجم الأكشن بروس ويليس، وعلاقتها بالنجم آشتن كوشنر الذي يصغرها بـ15 عاماً. ولأشهر طويلة لم يكن لصفحات أخبار النجوم والنميمة موضوع سوى خيانته لها مع صبية من عُمره، لتصاب بحالة نفسية سيئة، استغرقت زمناً لكي تتعافى منها. خلال سنوات التراجع الفني والانكسارات الشخصية، ظلت مصرة على البقاء والوجود. نشرت سيرتها الذاتية وشاركت محبيها فيديوهات خاصة عن الرياضة والحميات الغذائية، فضلاً عن مغازلتها عالم الموضة. جمالها ورشاقتها كانا المفتاح الذي فتح لها الأبواب على مصراعيها. ظلت تتمسك بهما تمسك غريق بطوق النجاة إلى أن نجحت جهودها في عام 2024 واستعادت البريق السينمائي الذي راوغها لعقود.

ديمي مور في كامل رشاقتها بإطلالة من دار «ماكس مارا» (ماكس مارا)

الطريف أن الفيلم الذي كان وراء عودتها، «ذي سابستانس» (The Substance)، وبالرغم من أنه فيلم رعب، فإنها لعبت على نقطة تكررت في كثير من أفلامها السابقة وحياتها بشكل أو بآخر: الجمال وتلك العلاقة التي تربط المرأة بجسدها؛ كيف تحافظ عليه وكيف توظفه. مخرجة الفيلم كورالي فارغيت، قالت إن هدفها في الفيلم «كان استكشاف علاقة المرأة السامة مع جسدها... كيف يُغرس فيها منذ الصغر أن قيمتها مرتبطة بمظهرها». تضيف: «عالج الفيلم انطلاقاً من تجاربنا كنساء مع أجسادنا... ليس فقط كيف يُنظر إلينا؛ بل أيضاً كيف ننظر إلى أنفسنا». سبقها في تناول هذا الموضوع وتأثير التقدم في العمر على المرأة، كثير من المخرجين؛ منهم ماثيو فوغان في فيلم «ستارداست»، الذي قامت فيه النجمة ميشيل فايفر بدور عجوز شمطاء مهووسة بالجمال والشباب. كلما تقدم بها العمر زادت في بحثها عن إكسير الشباب وبأي ثمن.

بالنظر إلى تكرر هذه التيمة في أفلام ديمي مور سابقاً وملامسته كثيراً من جوانب حياتها، فإن اختيار كورالي فارغيت لها بطلة للفيلم كان مناسباً. مثل بطلة الفيلم، سبق لمور أن خضعت لكثير من عمليات التجميل في فترات سابقة من حياتها بحثاً عن الكمال في استماتة للبقاء تحت الأضواء أو للحفاظ على اهتمام رجل يصغرها سناً.

أجرت عملية لركبتيها عندما كانت في الأربعينات للتخلص من ترهلاتها (فندي)

اعترفت في إحدى المقابلات بأنها صرفت ما لا يقل عن 250 ألف جنيه استرليني على عمليات التجميل، وهي في الأربعين من العمر. اهتمت بكل تفاصيل جسدها بما في ذلك إجراؤها عملية لركبتيها لإخفاء الترهلات الجلدية التي ظهرت عليهما. في هذه المقابلة التي أجرتها معها مجلة «إيل» النسخة الإيطالية وهي في الـ47 من العمر، صرحت كذلك بأنها ندمت لأنها جعلت مظهرها مقياساً لقيمتها كإنسانة، لا سيما أن عمليات التجميل لم تمنحها سوى سعادة مؤقتة. تقول: «فقط عندما تخليت عن رغبتي في التحكم بجسدي، حصلت على ما حلمت به طوال حياتي».

فقط عندما تخلت ديمي مور عن هوسها بالعمر واقتنعت بنفسها حققت ما كانت تحلم به طوال حياتها (أ.ب)

وصولها إلى مرحلة التقبل أو السلام الداخلي، لم يلغِ في ذهنها فكرة أن الجمال ليس أعطية مجانية. فهو يتطلب تضحيات وجُهوداً للحفاظ عليه، وفي حالات أخرى لاكتسابه. لحد الآن تتبع حميات غذائية صحية، صارمة أحياناً، كما تمارس «اليوغا» للحفاظ على لياقتها البدنية. كان ولا يزال ورقتها الرابحة. لكنها أضافت إلى هذه الورقة السلام الداخلي.


مقالات ذات صلة

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

لم يعد تعاون المشاهير يقتصر على الترويج والظهور في المناسبات بل يشمل حالياً تصميم الأزياء

جميلة حلفيشي (لندن)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)
«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)
TT

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)
«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

بعد البني بدرجاته التي تتراوح بين القمحي والكاراميل والقهوة والشوكولاته، سمع الكل بإعلان معهد «بانتون» المختص في اختيار ألوان العام، أن لون 2025 سيكون من فصيلة «البُنيات»، لكن بدرجة قشدة القهوة، كما يشير اسمه «موكا موس». لهذا؛ ما عليكِ سوى أن تتخيلي قهوة أو شوكولاته مخفوقة بقليل من الكريمة لتعرفي الدرجة المقصودة. أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذِكر «موكا موس» خفتها وذوبانها في الفم، وهذا تحديداً ما تعمّده المسؤولون على التسمية في معهد «بانتون». كان بالإمكان الاكتفاء بـ«موكا»، لكن وفق قول لوري بريسمان، نائبة رئيس معهد «بانتون» للألوان في بيان صحافي: «إن اسم اللون دائماً ما يكون مهماً لنقل الشعور الذي نلمسه ونتوخى إيصاله». إضافة كلمة «موس» زادت الإحساس بالنعومة والخفة. كان هذا هو المطلوب، وترجمه الكثير من المصممين لحد الآن في قطع مصنوعة من الساتان الحريري والصوف الناعم إلى جانب الجلد والشامواه، في الإكسسوارات تحديداً.

تُرجمت خفته ونعومته في قطع من الساتان الحريري في عرض «هيرميس» (فيليبو فيور)

كيف يتم اختيار لون العام؟

المتعارف عليه أن اختيار لون العام لا يقوم على أساس أن يكون لوناً أنيقاً يناسب الموضة أو يحدد توجهاتها فحسب. هو نتاج دراسات كثيرة تشمل خبراء وأشخاص عاديين على حد سواء. كلهم يقرأون أو يُعبّرون عن نبض الشارع: تغيراته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومن ثم تأثيراتها على الحالة النفسية العامة. من هذا المنظور، جاء اختيار «موكا موس» تعبيراً عن الانسجام والعودة إلى الطبيعة باعتباره واحداً من الدرجات الترابية، ووفق قول بريسمان هو أيضاً محاولة «لترجمة سلوكيات الإنسان العادي الذي أصبح يُقدّر المتع الصغيرة ويرغب في أن يعيش اللحظة».

كما ظهر في عرض «هيرميس» لخريف وشتاء 2024 (فيليبو فيور)

لون السلام الداخلي

تضيف لوري بريسمان، أن هذه الدرجة الترابية تولد مشاعر الرضا وتُلهم حالة من السلام الداخلي والهدوء والتوازن على المستويات النفسية والجسدية والعقلية والروحية، كونها ترابية تتلاحم بحميمية مع الطبيعة.

في عامي 2023 و2024، مثلاً اختار المعهد لوني ماجنتا والمشمس. السبب أن العالم كان خارجاً لتوه من جائحة كورونا وكان يحتاج إلى أي شيء فيه بريق أمل يعكس الانعتاق والانفتاح. لم يختلف الهدف هذا العام، وإن كانت نسبة الرغبة في تحقيق التوازن النفسي أعلى»، حسب قول بريسمان «فتزايد الاضطرابات والتوترات التي يشهدها العالم الخارجي، انعكس على نفسيات الناس وسلوكياتهم. أصبحنا نبحث عن السلام الداخلي والتناغم مع محيطنا بأي ثمن».

استبقت «هيرميس» معهد «بانتون» واستعملته بسخاء في تشكيلتها لخريف وشتاء 2024 (فيليبو فيور)

من جهتها، تُشير لي آيزمان، المدير التنفيذي للمعهد ذاته، إلى تنوع الظل قائلة «ربما نطلق عليه لوناً ترابياً، لكن استخدامه بإيحاءات بملمس الحرير الناعم يجلب شعوراً جديداً نسميه الدفء الحسي من دون أن ننسى أنه متعدد الاستخدامات ويتناغم مع الكثير من الألوان الأخرى». ما تقصده آيزمان أنه عند تنسيقه مع ألوان مثل الأزرق الفاتح أو الفيروزي أو الوردي، فإنه لا يبقى محايداً، ويتحول ظلاً جريئاً ومثيراً. فـ«موكا موس» لن يُلغي درجات الدوبامين المتوهجة مثل الأخضر والأصفر والوردي وغيرها. فهذه لها مكانتها في ساحة الموضة وأيضاً تأثيراتها الإيجابية على ذائقة المستهلك.

«برونيللو كوتشينيللي» يستعمله منذ سنوات في تشكيلاته (برونيللو كوتشينيللي)

المؤكد أن «موكا موس»، مثل سابقيه من ألوان الأعوام الماضية، اختير ليعكس حالة مزاجية مهمة تمرّ بها الموضة حالياّ. هذه الحالة تتبنى أو تطمح لفخامة مبطنة يلمسها صاحبها قبل الناظر إليها، و لا تريد أن تتقيد بزمن أو مكان. وهذا ما يجعلها مستدامة شكلاً ومضموناً، ويُفسّر انتعاش درجات البني حتى الآن رغم حياديتها. بداية في معاطف شتوية وحقائب يد وأحذية، ليتمدد حديثاً إلى باقي الأزياء. فمنذ أن روَّجت النجمة وسيدة الأعمال غوينيث بالترو من دون قصد لأسلوب الفخامة الهادئة وهذا اللون يزيد قوة. ففي عام 2023، وخلال حضورها محاكمتها في قضية حادثة التزلج الشهيرة، كانت تظهر بأزياء بسيطة للغاية بألوان حيادية غير مثيرة للنظر، لكن عندما تتعرف على مصدرها تعرف أنها من ماركات تهمس بالترف والفخامة. وهكذا خرجت بالترو من المحاكمة منتصرة على رافع القضية ضدها، وفي الوقت ذاته منتصرة لأسلوب موضة يمكن اعتباره مضاداً حيوياً لموضة استهلاكية تتجنب «اللوغوهات» والتفاصيل الصارخة.

من تشكيلة «برونيللو كوتشينيللي لخريف وشتاء 2024 (برونيللو كوتشينيللي)

ما يؤكد استقواء هذا التوجه أن ماركات مثل «برونيللو كوتشينيللي» و«لورو بيانا» و«ذي رو» و«هيرميس» وما شابهها من بيوت أزياء راقية، تُسجِل أرباحاً عالية على عكس الكثير من المجموعات الضخمة التي تشهد تراجعاً مخيفاً. الفضل في نجاحهم، اعتمادهم على وصفة واحدة، تمتزج فيها الحرفية والجودة من ناحية الخامات والتفاصيل والتقنيات بالأناقة. كما استعاضوا فيها عن الدرجات الصارخة بأخرى، ربما تكون مطفية، لكنها كلاسيكية، مثل الأخضر الزيتوني والرمادي والأزرق الغامق والأسود وكل درجات البني من البيج إلى الشوكولاتي الغامق.

من اقتراحات «لورو بيانا» لربيع وصيف 2025 (لورو بيانا)

ولأن واحدة من ميزات الفخامة الهادئة أنها مستدامة، بمعنى أنها ليست موسمية تميل إلى الصرعات؛ فإن لون «موكا موس» حسب معهد «بانتون» للألوان مناسب جداً في ظل التغيرات التي يشهدها العالم حالياً. فهي درجة تبُث مشاعر الحذر والأمان، وهو «ما يحتاج إليه المستهلك حالياً». خبراء الموضة يوافقونهم الرأي ويضيفون أن ما يُحسب لدرجة «موكا موس» أنها تُفسح المجال لكل واحد منا باختيار الخلطة حسب الرغبة والهوى، بمزج نسبة القهوة أو الشوكولاته مع نسبة الحليب أو القشدة. فأكثر ما يمنحه البني هو تنوعه الكبير من لون البسكوت إلى لون الشوكولاته الغامقة، فضلاً عن سهولة تنسيقه مع ألوان أخرى.

«كلوي» نسّقته مع قطع بألوان وخامات مختلفة (كلوي)

ثم لا ننسى هنا عنصر اللذة الذي تثيره هذه الدرجة، وهو ما تؤكده الجدالات والتعليقات التي أثارتها هذه الدرجة منذ الإعلان عنها. فالتركيز منذ الإعلان عنها كان على اللذة التي تثيرها من دون التطرق إلى أي سلبيات، مثل أنها بحياديتها قد تكون باهتة على البشرة السمراء والحنطية. لكن يبقى هذا مأخذاً حله بسيط، يتلخص في إضافة لون قوي يعزّزه فيُضفي على البشرة ما تحتاج إليه من ألق والمظهر من تألق.