المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تعدى دورهم الترويج ودخلوا مجال التصميم والإبداع

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.


مقالات ذات صلة

ميلانيا ترمب... قوة ناعمة أم قوة قادمة؟

لمسات الموضة ميلانيا مع دونالد ترمب في حفل التنصيب المسائي ظهرت فيه بفستان أنثوي كشف عن قوام عارضة أزياء سوبر (أ.ب)

ميلانيا ترمب... قوة ناعمة أم قوة قادمة؟

أشعلت قبعة ميلانيا مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعد أن عاق حجمها دونالد ترمب من طبع قُبلة على وجنتها. هزمته القبعة، واكتفى بنصف قُبلة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ميلانيا ترمب... قوة ناعمة أم قوة قادمة؟

ميلانيا مع دونالد ترمب في حفل التنصيب المسائي ظهرت فيه بفستان أنثوي كشف عن قوام عارضة أزياء سوبر (أ.ب)
ميلانيا مع دونالد ترمب في حفل التنصيب المسائي ظهرت فيه بفستان أنثوي كشف عن قوام عارضة أزياء سوبر (أ.ب)
TT

ميلانيا ترمب... قوة ناعمة أم قوة قادمة؟

ميلانيا مع دونالد ترمب في حفل التنصيب المسائي ظهرت فيه بفستان أنثوي كشف عن قوام عارضة أزياء سوبر (أ.ب)
ميلانيا مع دونالد ترمب في حفل التنصيب المسائي ظهرت فيه بفستان أنثوي كشف عن قوام عارضة أزياء سوبر (أ.ب)

لا تزال أصداء حفل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي جرت مراسيمه يوم الاثنين الماضي، مدوية. الأسباب السياسية كثيرة، فلم تقتصر على ما جاء في خطابه فحسب، بل أيضاً على أزياء السيدة الأولى ودلالاتها. فهذه أكدت بما لا يترك مجالاً للشك أن السياسة والأزياء لهما التأثير والقوة نفسهما، وإن كانت الغلبة في هذه المناسبة للموضة.

صحيح أن صوت الرئيس كان عالياً وهو يلقي خطابه التاريخي، ويشرح فيه أجندته، لكن صوت السيدة الأولى ميلانيا كان أعلى منه... من دون أن تنبس بكلمة واحدة.

قبعة ميلانيا كانت رسالة وحماية من عيون الفضوليين (رويترز)

كانت أزياؤها وإكسسواراتها اللغة التي اعتمدتها للتعبير عما هو آتٍ، وما هي ناوية عليه. من القبعة التي صممها لها الأميركي إريك جافيتس، والتي أثارت كثيراً من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى الزي الكُحلي الصارم المُكوّن من سترة مفصلة بصفي أزرار، من تصميم مصمم أميركي آخر هو آدم ليبس. غنيٌّ عن القول أن الزي أخفى معالم أنوثتها، فالجانب الأنثوي كشفته في المساء من خلال فستان باللون الأبيض، تتخلله خطوط بالأسود عند محيط الصدر ويحيط بفتحة الساق العالية. الفستان من تصميم الفرنسي المقيم في أميركا هيرفيه بيير، الذي سبق أن صمم لها فستان السهرة للمناسبة نفسها في عام 2017.

ميلانيا مع دونالد ترمب في حفل التنصيب المسائي ظهرت فيه بفستان أنثوي كشف عن قوام عارضة أزياء سوبر (رويترز)

كانت هذه الإطلالة الأنثوية هي المتوقع منها، على العكس من إطلالتها الأولى التي كانت سياسية بكل المقاييس. تعمّدت فيها أن تتحدّى وتصرخ بأنها قادمة. في بعض اللقطات بدت كأنها جنرال مقبل على معركة، ينوي أن يخرج منها منتصراً مهما كلّف الثمن. كل تفاصيلها، بما في ذلك القفازان الجلديان، تتضمن إيحاءات عسكرية، تُردد آراء زوجها بإيذان عهد جديد ومزدهر... لكنه صارم.

كادت قبعة ميلانيا تسرق الأضواء من كل الحضور لدلالاتها وغرابتها (أ.ف.ب)

لكن لا يختلف اثنان على أن قبعتها أكثر ما أشعل مواقع التواصل الاجتماعي وأثار الجدل، خصوصاً بعد أن عاق حجمها دونالد ترمب من طبع قُبلة على وجنتها. هزمته القبعة واكتفى بنصف قُبلة، وابتسامة منها.

رغم شغفها باستعمال القبعات، فإنها هذه المرة لم تكن مجرد إكسسوار استعملته لتكمل مظهرها. صممها لها الأميركي إريك جافيتس، بالتعاون مع المصمم آدم ليبس، مستعملاً قماش البدلة نفسه، لتكون بمثابة قناع يمنحها مساحة خاصة، وفي الوقت نفسه تتيح لها التحكم في محيطها، بأن تتابع ما يجري من حولها بحريّة من دون أن يستطيع أحد قراءة ما يجول بداخلها. أفلا يقولون إن العيون مفتاح الروح والشخصية؟.

من الناحية البصرية، استحضر تصميم القبعة، الذي أخفى نصف وجهها، قناع «زورو»، الذي كان يعتمر قبعة مماثلة. وسائل التواصل الاجتماعي من جهتها سارعت في عقد مقارنات بينها وبين قبعة اللصة الخيالية كارمن ساندييغو. وسواء كان هذا أم ذاك، فإن كلاً من «زورو» وكارمن ساندييغو، يتصفان بالشجاعة ويستعملان مهاراتهما من أجل الخير، وهذا ما تنوي القيام به ميلانيا، حسب تصريحاتها، ولن يتحقق من دون دخولها في حرب استقلال.

بين الأمس واليوم

في عام 2017، اختارت زياً سماوياً ناعماً من الكشمير، كان مفعماً بالأنوثة لكنه كلاسيكي ومضمون؛ لأنها كانت تريد أن يتم تقبلها من قِبَل مجتمع كانت شرائح كبيرة منه رافضة سياسات زوجها. استلهمه لها مصمم دار «رالف لوران» من جاكلين كيندي، لكسب التعاطف، فجاكلين أيقونة موضة تتمتع بشعبية كبيرة في العالم أجمع. ميلانيا آنذاك لم تكن تعرف ما ينتظرها من عدوانية، ولا كيف تتعامل مع وسائل الإعلام المتحيزة والمتحاملة. كان كل شيء جديداً بالنسبة لها. فوجئت مثل غيرها بفوز زوجها، وعلى الرغم من جمال الفستان وتألقها فيه، لم يعكس شخصيتها وقوتها الكامنة، وجعلها تبدو مجرد نسخة مكررة وباهتة تسعى لكسب رضا الآخر.

لكن شتان بين الأمس واليوم، فميلانيا الآن أكثر ثقة واستعداداً للكشف عن حقيقتها. لقد تعلّمت من التجربة السابقة، واطلعت على خبايا الأمور، وقررت أخيراً استعمال أسلحتها بصفتها عارضة أزياء سابقة، فهذه كفيلة بأن ترسخ مكانتها بصفتها أيقونة موضة، لها أسلوبها الخاص. ومن هذا المنظور، فإن اختيارها هذا الزي من مصمم أميركي غير معروف، وبهذا الأسلوب الهندسي المفصل بالمليمتر على جسدها الممشوق، يشهد على هذا التحول، كما يُسجل لتغيير جذري في أزياء السيدة الأولى. فهي لن تبقى بعد الآن مجرد قوة ناعمة تعمل بهدوء وراء دهاليز السياسة، بل ستنتقل إلى قوة قادرة على التأثير، وتغيير سياسات زوجها أيضاً.

استقلالية ميلانيا تظهر في لغة الجسد وفي خطواتها الواثقة (رويترز)

لغة جسدها أمام الكاميرات تؤكد استقلاليتها المستجدة، وبأن علاقتها مع الرئيس الأميركي مبنية على الاحترام والندية. ففي كثير من اللقطات، لم تعد تظهر وهي تمشي وراءه تُحاول اللحاق به، الأمر الذي أثار كثيراً من الانتقادات في الماضي، بل هي اليوم تمشي إلى جانبه وأحياناً أمامه.

بداية المصالحة

تعاونها مع مصممين أميركيين غير معروفين رسالة بحد ذاتها، بوصفه خطوة نحو مصالحة مع قطاع رفضها خلال ولاية زوجها الأولى، وكانت ردة فعلها آنذاك متحدية. فضّلت التعامل مع مصممين أوروبيين وعالميين. كانوا معذورين لأن فوز ترمب في عام 2017 لم يكن متوقعاً بسبب آرائه الشعبوية، لكن فوزه الأخير لولاية ثانية بعد 4 سنوات من خروجه من البيت الأبيض، فاجأهم أكثر. لقد كان ساحقاً، وشمل مختلف الأعمار والأهواء، ما جعل تبريرات المقاطعة غير متماشية مع الرأي العام. من جهتها، تعلّمت ميلانيا من مطبات الماضي، وتعاملت مع الأمر بدبلوماسية.

لدى وصولها مع زوجها ونائب الرئيس فانس وزوجته (أ.ب)

فالملاحظ أنه منذ فترة وماكينة خفية تعمل على تجميل صورتها وتقريبها من الناخب الأميركي. في لقاءات تلفزيونية مع محطات انتقتها بعناية، نأت بنفسها عن بعض سياسات زوجها، وأعلنت أنها تتمتع بكيانها الخاص. ذهبت إلى أبعد من ذلك بأن أوضحت أنها ملتزمة هذه المرة «باستخدام دورها سيدةً أولى من أجل الخير».

تاريخ من الرسائل

ميلانيا ليست أول مَن تستعمل الموضة رسائلَ، فهذا تقليد متبع منذ بداية القرن الماضي، وربما قبله بقرون لعدم توافر صور لأزياء زوجات الرؤساء الأوائل. هذه الرسائل تنجح دائماً في إثارة جدل فني، مثل فستان مامي آيزنهاور في عام 1953 الذي داعبت من خلاله المخيلة الأميركية بعدم الكشف عن تفاصيله حتى يوم التنصيب. لكن الفضل في جعل الموضة جزءاً لا يتجزأ من حفلات التنصيب يعود إلى جاكلين كيندي في عام 1961. كان أول حفل يتم بثه على التلفزيون بالألوان، وظهرت فيه بمعطف مستقيم من الصوف، تزينه أزرار كبيرة، عوض معطف فخم من الفرو وفستان طويل. كانت إطلالة بسيطة وعصرية تخاطب جيل الشباب، وتُعلن عن التغيير. في التاريخ الحديث، زادت جرعة الدلالات السياسية. فستان جيل بايدن خلال حفل تنصيب زوجها جو بايدن في عام 2012، مثلاً يشهد على هذا. كان فستاناً مع معطف من الكشمير من تصميم غابرييلا هيرست، مطرز بالورود. لكنها لم تكن فقط للزينة، فكل وردة كانت تُمثل ولاية وإقليماً في الولايات المتحدة. كانت رسالة جيل بايدن أنها تأمل أن تجمع الشمل بعد الشتات والانقسام اللذين شهدتهما أميركا، وما نتج عن خسارة ترمب من اضطرابات واتهامات تزوير في نتائج الانتخابات. تزامن كل ذلك مع جائحة «كورونا»، التي تشهد عليها كمامتها المطرزة هي الأخرى بالورود.