كيف يمكن الإقلاع عن إدمان الآيفون؟

البداية... إزالة تطبيقات التواصل الاجتماعي من الطقوس اليومية

كيف يمكن الإقلاع عن إدمان الآيفون؟
TT

كيف يمكن الإقلاع عن إدمان الآيفون؟

كيف يمكن الإقلاع عن إدمان الآيفون؟

متأكد للغاية من أن الجميع يستخدمون هواتفهم المحمولة أثناء وجودهم في دورات المياه. وربما تقرأ هذه السطور عبر شاشة هاتفك وأنت جالس في حمامك حاليا. فإن كان الأمر كذلك، فلا داعي للقلق!
على مدى الأعوام الثمانية الماضية، قضيت أوقاتا محرجة، وربما مرعبة، على هاتف الآيفون خاصتي. فإنني أستعين به في كل شيء تقريبا. فهو حافظة أموالي، والتقويم الخاص بي، ومفكرتي الشخصية، ومساعدي في العمل، وهو الجهاز الذي استخدمه في التواصل مع العالم من حولي. حتى وأنا نائم، يكون رفيقي الرقمي بجانبي لا يفارقني، ويواصل حساب الدقائق حتى يطلق صوت المنبه الذي يوقظني من سباتي المؤقت. ولكن برغم أن هاتفي المحمول قد جعل الحياة سهلة ويسيرة من حولي، فإنني، وفي كثير من الأوقات، أجد نفسي أومض شاشة هاتفي في وقت متأخر من الليل لأتابع بعض الأمور مما يجعلني في حالة ذهنية وصحية غير إيجابية في صباح اليوم التالي.
ويبدو كل شيء على هاتفي الآيفون فوريا ومهما للغاية برغم كل شيء. وإنني أدرك بالكاد كيف يمر الوقت من بين يدي، في تأليف الرسائل الإلكترونية، أو ربما مجرد تصفح مواقع الإنترنت. إن هاتفي هو بوابتي الحقيقية إلى العالم، وهو نافذتي الإعلامية كذلك. ومن الصعوبة بمكان تحديد عدد الساعات التي يقضيها الشخص العادي مستخدما هاتفه الذكي يوميا، ولكن المتوسط العام يتراوح بين 3 إلى 5 ساعات في اليوم الواحد، أي بما يصل من 45 إلى 75 يوما كاملا في كل عام. وبعبارة أخرى، لمدة شهرين كاملين من كل عام. ولمحاولة السيطرة على استخدامي المفرط لهاتف الآيفون خاصتي، اتخذت بعض الخطوات الصارمة في محاولة لتخصيص الجهاز، وجعلت شاشتي الرئيسية متقاربة بقدر الإمكان. ومن المسلم به، أن الخطوات كانت شديدة إلى درجة ما، ولكنها حولت هاتفي الشخصي إلى ما يشبه الأداة. والآن، تتوافق التطبيقات التي أستخدمها مع احتياجاتي اليومية الحقيقية وليست مع رغباتي المتوهمة. وإنني أستطيع الآن القول إن عيني باتت مرتاحة لذلك كثيرا. وفيما يلي الطريقة التي تجعل من هاتف الآيفون داعما لحياتك، وليس مسيطرا عليها!
انسف الشاشة الرئيسية تماما
إن مفتاح كسر إدمان استخدامك لهاتف الآيفون خاصتك يكمن في إزالة كل ما يجعل الهاتف يصرف أو يشتت انتباهك. ولذلك، تخلص على الفور من التطبيقات مثل سناب شات، وتيك توك، وإنستغرام، بمعنى آخر، أوقف سيل التواصل الاجتماعي الهادر الذي يحرق الثواني والدقائق من وقتك فيما لا فائدة منه. أما بالنسبة إلى «فيسبوك» و«تويتر»، ما لم يكونا مهمين بالنسبة لعملك اليومي، فلا داعي لبقائهما على شاشة هاتفك الرئيسية. (وكذلك الحال بالنسبة لتطبيق نيتفليكس لأسباب معروفة للجميع). والغرض من هذه الخطوة هو إزالة كل ما هو ليس بضروري على الإطلاق، مما يجعل التطبيقات المستخدمة لديك عند حدها الأدنى. وبدلا من ذلك، حول استخدامك لهذه التطبيقات إلى الحاسوب الشخصي أو المحمول، حيث يمكنك استهلاك وإنتاج المحتوى بصورة أكثر كفاءة من الهاتف الصغير.
ملاحظة: إن كانت تلك أولى محاولات التخلص من التشتت عبر شاشة الآيفون الرئيسية، فربما يكون من الصعب التخلص من كل شيء دفعة واحدة. قد يكون من المفيد الاحتفاظ ببعض التطبيقات الترفيهية لتفادي العودة إلى العادات القديمة. إن كنت لا تتحمل حذف أحد التطبيقات، فلا داعي للقلق. هناك طرق أخرى للتحكم في الأمر. حاول التفكير في كيفية تحسين استخدام هاتفك الآيفون وفقا للضروري من احتياجاتك، عن طريق رفع التطبيقات داخل المجلدات المصنفة، حيث تضع على الطريق أمامك حاجزا لطيفا لفتح تلك التطبيقات - بنقرتين بدلا من نقرة واحدة. وبدلا من فتح التطبيقات بصورة آلية بلا تفكير، بهذه الخطوة أنت تجبر عقلك على التوقف لبرهة والتفكير للحظة متسائلا: ما الذي أحاول فعله؟ وفي المعتاد ما تكون هذه الخطوة كافية لإفاقتك من «غيبوبة» استخدام الآيفون. وما دام أنت الذي تقرر أي التطبيقات التي تريد فتحها ومتى تريد فتحها، فأنت تملك زمام السيطرة على الجهاز وليس العكس.
نقطة ضعفي الوحيدة هي متصفحات الإنترنت، ولا سيما غوغل كروم وسفاري. حتى برغم أنني قمت بإزالة تطبيقات التواصل الاجتماعي من طقوسي اليومية، فإنني وبكل أسف أتحايل بطرق أخرى على القيود التي فرضتها بنفسي على نفسي.
ومن خلال جعل الأمر عسيرا على استخدامي للمتصفحات قدر الإمكان، رفعت من القيد الخاص بي عند الاتصال بالإنترنت. ومن خلال مجموعة من قيود الخصوصية، وبعض الحدود على التطبيقات الخاص بتحديد الوقت الذي أقضيه على المتصفح الواحد، تمكنت من تحديد مقدار استخدامي الشخصي للإنترنت على هاتف الآيفون خاصتي.
ملاحظة: أحد أصدقائي عانى صعوبة خاصة في السيطرة على استخدامه لهاتفه الآيفون وطلب مني تحديد كلمة سر لوقت استخدام الشاشة الرئيسية. ولا يمكنه الآن تغيير الإعدادات على هاتفه من دون الرجوع إلي أولا. وعادة ما يستعين الآباء بهذه الميزة على أجهزة أو هواتف أطفالهم. بالإضافة إلى حذف فرادى التطبيقات أو إخفائها في المجلدات، يمكنك أيضا أن تجعل من هاتفك أقل إغراء من خلال تغيير الألوان. فمن خلال تمكين وظيفة «التدرج الرمادي» يمكنك أن تجعل هاتفك الآيفون يبدو أشبه بأنه من إنتاج أربعينات القرن الماضي!
حتى وإن قمت بإنشاء ملاذ الآيفون الآمن، فإن الخطوة الأخيرة المهمة في نجاح مهمتك هي: إيقاف الإشعارات. بطبيعة الحال، يختلف الأمر من شخص إلى آخر، ولذلك لا يسعني تقديم المشورة الشاملة في هذه النقطة. ولكن ما يمكنني قوله: أغلب الناس يمسكون بهواتفهم المحمولة بصورة أكثر من كافية (عشرات إن لم يكن مئات المرات في اليوم الواحد). ونادرا ما تحتاج إلى الإشعارات الإضافية لتذكيرك بالتحقق من تطبيق أو لعبة ما.
في عالم دائم الاتصال بالإنترنت، وجدت أن هذه الخطوات قد ساعدتني كثيرا في التغلب على إفراطي الدائم في استخدام الآيفون. حتى وإن كان ذلك الجهاز بجواري طيلة الوقت ولا يفارقني فلا ينبغي أن أسمح له باستهلاك حياتي.
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)