مسرحية «1975 ـ 2019» للينا أبيض مراجعة حسابات مصيرية

أحداثها مقتبسة عن كتاب «مدرسة الحرب» لألكسندر نجار

مسرحية «1975 - 2019» للينا أبيض تدمج ما بين حقبتين تاريخيتين في لبنان
مسرحية «1975 - 2019» للينا أبيض تدمج ما بين حقبتين تاريخيتين في لبنان
TT

مسرحية «1975 ـ 2019» للينا أبيض مراجعة حسابات مصيرية

مسرحية «1975 - 2019» للينا أبيض تدمج ما بين حقبتين تاريخيتين في لبنان
مسرحية «1975 - 2019» للينا أبيض تدمج ما بين حقبتين تاريخيتين في لبنان

في قالب مسرحي يواكب بأحداثه ما يجري على أرض لبنان منذ انطلاق موجة الاحتجاجات الشّعبية، تطلق الكاتبة والمخرجة لينا أبيض عملها المسرحي الجديد «1975 - 2019». القصة مقتبسة عن كتاب «مدرسة الحرب» لألكسندر نجار الذي سبق لأبيض أن تولت مسرحة عدد من كتاباته. هذا الكتاب الذي أصدره نجار بالفرنسية يتحدث فيه عن نشأته وسنوات صباه في مدينته بيروت خلال الحرب الأهلية. وعملت المخرجة لينا أبيض على الدمج بين أحداث تلك الحقبة و«لبنان ينتفض» لتعزز فكرة عدم الانزلاق في زواريب الحروب الصغيرة من ناحية، ولتسليط الضوء على الحس الوطني اللافت الذي برز في الحراك المدني ووحد اللبنانيين من ناحية ثانية.
ونشاهد على خشبة المسرح نحو 13 ممثلاً وممثلة من الشباب، طلاب لينا أبيض في الجامعة. ومن بينهم نتالي عرموني ومابيل عبدو وماريانا أبو جودة ولين فخري ومحمد قديح وغيرهم. «لم أشأ الاستعانة بممثلين محترفين، بل بطلاب كلية الفنون التي أدرس فيها كي تتمتع المسرحية بنبض الشباب الذي أردت أن يسودها»، تقول لينا أبيض لـ«الشرق الأوسط»، حيث يلتقون في غاليري ببيروت لمشاهدة أحد عروضه. وهناك يبدأ كل منهم بقص حكايته مع الحرب الأهلية التي دارت في لبنان في السبعينات ولغاية أوائل التسعينات ولتتشابك مع مشاهد وذكريات «لبنان ينتفض» ضمن توليفة مسرحية اجتماعية هادفة.
«لقد رغبت في تعزيز حس الوحدة الوطنية الذي يغمر اللبنانيين منذ اندلاع الانتفاضة الأخيرة. وهو الأمر اللافت الذي عنون لبنان بمختلف مناطقه. فكانت أصواتهم وطلباتهم وتطلعاتهم واحدة إن في صيدا وبيروت وطرابلس وإن في منطقة عكار وزحلة وغيرها. كأن الناس تعلموا درساً في الوطنية لطالما كانت فكرة عودة الحرب الأهلية تهدده»، تقول لينا أبيض خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط». وتضيف: «من هذا المنطلق دمجت في أحداث المسرحية ما بين ذكريات وتفاصيل صغيرة واكبت من عايشوا الفترة الأولى، وتلك التي تحفر في ذاكرتنا اليوم بعيد اندلاع الثورة. فالشّخصيات تذكر بتاريخ معاصر من أبواب صغيرة ولكنها تفاصيل تحدث الفرق». ويروي الممثلون الشباب على الخشبة وفي حوارات جماعية وأخرى متقاطعة وهم مجتمعون حول تجهيز فني في أحد المعارض الفنية. وضمن فصل مسرحي واحد تتخلله مؤثرات بصرية وسمعية يتبادلون حكاياتهم حول الحرب الأهلية وذكرياتهم عنها كما عرفوها بالتواتر، وبالتالي من أشخاص أكبر منهم سنا كأجدادهم وأهاليهم. وعلى هذه المساحة الفنية تمتزج الأحاديث عن الحقبتين، فيتفاعل معها الحضور بصورة تلقائية. ومن بين الشخصيات المجسدة على الخشبة الطبيب الجراح والأم المجروحة وأحد قدماء ميليشيا مسلحة وسائق تاكسي وغيرهم من اللبنانيين الذين يتناوبون على رواية ذكريات متداخلة. فبينها ما يعود إلى حقبة الحرب وأخرى إلى الفترة الحالية التي يعيشها لبنان. ومع رموز قديمة للحرب تلقي بثقلها على مشاهد العمل وأخرى جديدة تعزز أحلامه الوطنية التي تراوده اليوم.
واستطاعت لينا أبيض إجراء هذه النقلة بين الماضي والحاضر من خلال حوار يجري بين شخصيتين مسرحيتين عندما يعرض أحدهما على الآخر فكرة الهجرة إلى كندا. وليتغير بذلك نبض الشخصيات الأخرى المجتمعة التي كانت تعلق آمالها على هذا النوع من الأفكار قبيل اندلاع موجة الاحتجاجات. «هنا تتدخل شخصية أخرى لتروي كيف تتفاعل مع الثورة والوحدة الوطنية التي انبثقت منها. وليخبرنا أحد المتزوجين كيف أنّ زوجته وزّعت أطباق (المجدرة المصفاية) على المحتجين. في حين تلفت ثالثة إلى التغيير الذي يطال اللبناني وصولاً إلى النشيد الوطني الذي استحدثت نسخة مغناة منه، وقد أضيف إلى محتواها الأساسي عبارة (منبت للنساء)»، توضح لينا أبيض في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط». وتشير مخرجة العمل إلى أنّه بداية كان يحمل اسم «1975 - 1990» لأنّه كان يحكي فقط عن مرحلة الحرب اللبنانية. وبعيد انطلاق الحراك المدني عدّلته ليحمل اسمه الحالي ويشمل أحداثاً آنية نعيشها اليوم. «أخذت قصصاً من كتاب ألكسندر نجار (مدرسة الحرب) وأضفت إليها قصصاً أخرى عن المفقودين وضحايا التفجيرات وغيرها لم يأتِ على ذكرها نجار في مؤلفه. كما لونتها بمشهديات ساخرة وأخرى محزنة وحتى إنسانية»، تعلق أبيض شارحة سياق المسرحية. ففي أحد المشاهد تروي إحدى الأمهات كيف نقلت ابنها إلى المستشفى في حالة طارئة لتتبين قساوة الحرب وانعكاساتها على الناس من خلال ضحايا بالجملة كانوا موجودين في المستشفى نفسه. وبصورة عفوية تضع يدها على عيني ابنها كي تحجب عنه رؤية مشاهد عنيفة. فنتذكر بالتالي كيف أنّ والدة ابن شهيد الثورة عمر أبو فخر قامت بالحركة ذاتها كي تمنع ابنها من رؤية والده مضرجاً بدمائه. «هذه التفاصيل الصغيرة كانت مهمة جداً بالنسبة لي، كي أربط بين حقبتين متباعدتين وبأسلوب غير نافر، بل غني بالسلاسة بعيداً عن المبالغة والافتعال»، تقول لينا أبيض معلقة وتضيف: «العمل هو بمثابة مراجعة لحساباتنا فيحثنا على أن نتعلم الدرس من تجاربنا وتاريخنا». وعن الصعوبة التي واجهتها تقول لينا أبيض: «لعل الصعوبة الكبيرة تمثلت في تعريف جيل الشباب على أحداث لم يعيشوها لأنّهم لم يكونوا قد ولدوا بعد. فأجروا أبحاثاً دقيقة وسألوا أجدادهم وأقاربهم المتقدمين بالعمر عن ذكرياتهم مع الحرب اللبنانية وغالبيتهم لا يحبون تذكرها».
تجدر الإشارة إلى أنّ عروض المسرحية بدأت في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الحالي، على مسرحي المدينة والجامعة اللبنانية الأميركية. وتوقفت ليعاد تقديمها مع انتهاء فترة الأعياد في لبنان، أي مع بداية شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، على خشبة مسرح «اروين» في الجامعة المذكورة.


مقالات ذات صلة

زينة دكاش لـ«الشرق الأوسط»: مسرحية «اللي شبكنا يخلّصنا» تختصر بعض حياتي      

يوميات الشرق مسرحها محاكاة لغربة طوعية عاشتها في حياتها (صور زينة دكاش)

زينة دكاش لـ«الشرق الأوسط»: مسرحية «اللي شبكنا يخلّصنا» تختصر بعض حياتي      

أمضت زينة دكاش نحو 14 عاماً مع المساجين في لبنان تعالج أوجاعهم وآلامهم النفسية بالدراما، وكذلك أسهمت في تعديل بعض القوانين المُجحفة بحقّهم.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق جانب من فعاليات حفل ختام الدورة الـ15 من مهرجان المسرح العربي (إدارة المهرجان)

مصر لاستضافة مهرجان المسرح العربي في دورته الـ16

تستعد مصر بشكل مكثف لاستضافة الدورة الـ16من مهرجان المسرح العربي، عقب تسلمها الراية من سلطنة عُمان التي استضافت الدورة الـ15.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق مسرح هبة نجم تذوّقي يُشغِل الحواس بالتقاط رائحة الطعام المنبعثة من «المطبخ» (الشرق الأوسط)

«فريكة» هبة نجم... طَعْمٌ آخر للمسرح اللبناني

علاقة الأنثى بالعمّة شائكة بحجم عمقها إنْ حكمها ودٌّ خاص. في المسرحية تغدو مفتاحاً إلى الآخر، مما يُجرّدها من الشخصانية نحو احتمال إسقاطها على علاقات عاطفية.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق يهدف الحفل إلى تزويد اللبنانيين بجرعات أمل من خلال الموسيقى (الجامعة الأميركية)

بيروت تحتفل بـ«التناغم في الوحدة والتضامن»... الموسيقى تولّد الأمل

يمثّل الحفل لحظات يلتقي خلالها الناس مع الفرح، وهو يتألّف من 3 أقسام تتوزّع على أغنيات روحانية، وأخرى وطنية، وترانيم ميلادية...

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق أبطال أحد العروض المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح الكوميدي في بنغازي (وال)

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

بعد انقطاع 12 عاماً، عادت مدينة بنغازي (شرق ليبيا) للبحث عن الضحكة، عبر احتضان دورة جديدة من مهرجان المسرح الكوميدي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.