منذ تم اكتشاف الوشم في مومياوات النساء بمصر الفرعونية، كان هناك تفسير ظل سائداً لفترة، وهو أن تلك الممارسة كانت تتضمن ما يُعتقد أنه طلب للآلهة أن تساعد على زيادة الخصوبة ومعالجة الأمراض الجنسية عند النساء، لا سيما أن الوشوم المكتشفة كانت في منطقة تدعم هذا الاعتقاد «منطقة الفخذين».
وبدأ الباحثون يعيدون التفكير في هذا التفسير، عندما أعلن علماء المتحف البريطاني في مارس (آذار) من العام الماضي، عن اكتشاف وشوم في مومياوتين مصريتين من بين مقتنيات المتحف، عمرهما خمسة آلاف عام، حيث كانت الأولى مومياء ذكر وتحمل وشوماً تصور ثوراً برياً وواحدة من الأغنام البربرية، وكانت المومياء الأخرى تحمل وشماً على شكل حرف (S) وعصا ملتوية أو عصا كانت تستخدم في الصيد.
ولأن الثور البري كان رمزاً على قوة الذكورة في مصر القديمة، كان تفسير وشم الرجل أنه ربما يشير إلى اشتراكه في الصراعات التي حدثت عام 3100 قبل الميلاد، لا سيما أن الدراسات التي أُجريت على المومياء أظهرت أن وفاته كانت جراء طعنة تلقاها، أما الوشم الخاص بالمرأة، فكان يشير إلى احتمالات مشاركتها في احتفالات أو طقوس، لتشابه الوشم مع زخارف الفخار في عصر ما قبل الأسرات.
وأخيراً أوجدت مجموعة من الوشوم الأخرى، التي تم الإعلان عنها في الاجتماع السنوي للمدارس الأميركية للبحث الشرقي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تفسيرات جديدة ليس من بينها التفسير القديم المتعلق بالخصوبة.
وعُثر على هذه الوشوم في سبع مومياوات في منطقة دير المدينة بصعيد مصر، وهي جزء من جبّانة طيبة في شمال وادي الملوك في محافظة الأقصر (جنوب مصر) وبالتحديد على الضفة الغربية لنهر النيل، وكانت مقراً لعائلات العمال الحرفيين خلال عهد المملكة المصرية الحديثة (1570 - 1070 قبل الميلاد).
إحدى هذه المومياوات كانت تحمل وحدها 30 وشماً في مناطق مرئية من الجسم، وكانت صور الوشم عبارة عن زخارف مقدسة مثل: عين حورس، وقرد البابون، والكوبرا، والأبقار، وخنافس الجعران، وزهور اللوتس، وأدى هذا المزيج إلى استنتاج مفاده أن المرأة يمكن أن تكون أحد المعالجين أو كاهنة من نوع ما.
وكانت هناك مومياء أخرى تحمل وشماً على رقبتها تصوّر عيناً إنسانية، وهو رمز مصري قديم مرتبط بالحماية من الحسد، بالإضافة إلى وشم لقرد البابون جالس على كل جانب من رقبتها.
ويحكي تقرير نشره أول من أمس، موقع «science alert «قصة اكتشاف هذه المومياوات التي بدأت أحداثها عام 2014 عندما لاحظت د. آن أوستن، عالمة الأنثربولوجيا البيولوجية في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، وزميلها سيدريك غبيل، علامات على عنق مومياء في دير المدينة، ومن خلال الفحص الأوّلي لم يعتقدوا أن هذه العلامات لها علاقة بممارسة وضع الوشم.
كانت الخبرة السابقة التي حصل عليها الباحثون أن العلامات التي توجد بالمومياوات ليس من السهولة دائما رؤيتها، حيث تؤثر راتنجات التحنيط على لون البشرة، فلجأوا إلى استخدام الأشعة تحت الحمراء، والتي تعمل بأطوال موجية غير مرئية للعين البشرية لمحاولة كشف تفاصيل هذه العلامات، وكانت المفاجأة أنهم وجدوا وشوماً منتشرة ليس فقط في الرقبة، ولكن في أجزاء متفرقة من الجسم ووصل عددها إلى 30 وشماً.
كانت تلك المومياء هي الأولى التي اكتشفتها أوستن وزميلها، وبحلول عام 2016 كانت أوستن قد اكتشفت ثلاث مومياوات إضافية تحمل وشماً في منطقة دير المدينة، وخلال الفترة من 2016 حتى 2019 اكتشفت ثلاث مومياوات إضافية تحمل نفس الممارسة، ليصل المجموع إلى سبع مومياوات.
وتقول أوستن في التقرير الذي نشره موقع «science alert»: «هذه المومياوات السبع تشير إلى أمرين، أولهما أنها توفر دليلاً على أن ممارسة الوشم في مصر القديمة ربما كانت لأغراض أكثر تعدداً مما كنا نعرف، وثانيهما أنها توفر دليلاً آخر على أن جدران المقابر لم تكن المنفذ الإبداعي الوحيد لمجتمع الحرفيين في دير المدينة، وأن رسم الوشوم كان إحدى الممارسات المهمة».
30 وشماً في مومياء مصرية تثير نظريات جديدة
الأشعة تحت الحمراء ساعدت في الكشف عنها
30 وشماً في مومياء مصرية تثير نظريات جديدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة