رغم أنّه لم يقدم في معظم مشواره الفني سوى أغنيات منظومة وفق «لحن واحد»، فإن الفنان الشعبي المصري، شعبان عبد الرحيم، الذي غيّبه الموت أمس، رحل تاركاً ميراثاً من نوع خاص، تمثله أغنية «أيقونية» جرت على ألسنة قطاع كبير من المصريين الذين ردّدوا معه بسهولة في مطلع الألفية: «أنا بكره إسرائيل».
وعبد الرحيم الذي رحل عن 62 سنة، بعد وعكة صحية، وشيّعه المئات أمس، من مسجد «السيدة زينب» في القاهرة، شغل المتابعين للمشهد الغنائي المصري، كظاهرة جديدة على ساحة الفن الشعبي، وساهم في إطلالات أزياء غير معتادة، ومفارقات صارخة، والأهم أنها بلحن واحد لا يتغيّر تتوسطه كلمة «إييييه»، فضلاً عن الحديث عن بدايته المهنية البسيطة في مهنة «المكوجي».
وبسبب أغنية «بكره إسرائيل»، تلقّى الفنان الراحل، تعليقات سياسية أغلبها صادر من منظمات مناصرة لدولة الاحتلال، تتهم عبد الرحيم، بـ«معاداة السامية»، كما انتقل أثر الأغنية المركزية بمسيرته، إلى شاشة السينما، عندما لجأ لها الممثل المصري المخضرم، عادل إمام، في عام 2005. وردّدها مُحاكياً أداء عبد الرحيم ضمن أحداث فيلمه «السفارة في العمارة»، ومُكرساً بذلك أثرها الممتد في وجدان المصريين.
على وجه الدّقة يصعب معرفة سبب انتشار «ظاهرة عبد الرحيم»، ولكن لا يُمكن في ذلك الإطار تجاهل عناصر مثل: الإلحاح الإعلامي بالحضور المكثف، وأشرطة الكاسيت الرائجة وقت انطلاقته، وتصريحاته الفكاهية عن ارتدائه ملابسه المطابقة للون «صالون المنزل»، أو حرصه على لبس ساعتين في آن واحد، الأولى في يسراه لمعرفة الوقت، والثانية ليده اليمنى وهي مخصصة للناس إذا سألوه: «كم الساعة؟».
صحيح أنّه وفق المعايير الفنية، فإنّه لم يكن متوقعاً أن يتّخذ عبد الرحيم مساحة معروفة - وليس بالضرورة مؤثرة - في الساحة الغنائية، لكن ربما كان ذكاء اختيار الأفكار والموضوعات وطزاجة الكلمات عوامل مهمة في تلك المسيرة.
أحد أشهر الساسة العرب، وهو الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، سجل جانبا من أثر «ظاهرة عبد الرحيم»، على الساحة السياسية، وبالتبعية على مسيرة موسى الشخصية، ويلفت في الجزء الأول من مذاكراته التي جاءت بعنوان «كتابيه»، ونشرها عام 2017 إلى أنّه وفي عام 2000 «كانت الشواهد تشير إلى أنّ أيامي باتت معدودة في الوزارة، غير أنّ هناك بعض الأحداث التي عجلت برحيلي، ومنها ما يتّسم بالطرافة، مثل أغنية شعبان عبد الرحيم التي يقول فيها ويكرر في أكثر من مقطع: أكره إسرائيل... وأحب عمرو موسى، في ظل أجواء مشحونة بسبب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فأعطت هذه الأغنية كمية كبيرة من الذخيرة لكل من أراد التصويب على وزير الخارجية».
ويوضح صاحب «كتابيه» موقفه من الأغنية، قائلاً: «في الحقيقة لم أقابل صدورها بشيء من الضيق أو الضجر، رغم علمي بأنّها ستفتح علي أبواب جهنم. أتى لي صديق بهذه الأغنية، وبينما كنا نسمعها معاً، صاح فجأة: الله يخرب بيتك يا شعبان يا عبد الرحيم... الموضوع كده هيخلص بسرعة يا عمرو بيه»، في إشارة إلى أنّ أيامي باتت معدودة في الوزارة. ضحكت وقلت له: «يا رجل، 10 سنوات لي في الوزارة كافية جداً... ويا للروعة عندما أنهيها على نغمات اللحن شبه الوحيد لشعبان عبد الرحيم (إييييه)».
وحتى أيامه الأخيرة، كان عبد الرحيم حاضراً في المحافل الفنية، ولعلّ آخر مشاركاته كانت، نهاية الشهر الماضي، ضمن فعاليات «موسم الرياض» وعلى مسرح في منطقة بوليفارد، حيث قدّم أغنياته بينما كان يجلس على كرسي متحرك.
وفي مصر، نعت نقابة المهن الموسيقية، شعبان عبد الرحيم، وقالت، في بيان أمس، إنّه كان «صاحب بصمة فنية مميزة».
9:54 دقيقة
شعبان عبد الرحيم يرحل تاركاً ميراثاً غنائياً «من نوع خاص»
https://aawsat.com/home/article/2019581/%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%85-%D9%8A%D8%B1%D8%AD%D9%84-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%A7%D9%8B-%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AB%D8%A7%D9%8B-%D8%BA%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A7%D9%8B-%C2%AB%D9%85%D9%86-%D9%86%D9%88%D8%B9-%D8%AE%D8%A7%D8%B5%C2%BB
شعبان عبد الرحيم يرحل تاركاً ميراثاً غنائياً «من نوع خاص»
- القاهرة: محمد نبيل حلمي
- القاهرة: محمد نبيل حلمي
شعبان عبد الرحيم يرحل تاركاً ميراثاً غنائياً «من نوع خاص»
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة