سيناريوهات غامضة لـ«داعش» تحت زعامة «القرشي»

الانقسامات تضرب «أوهام التمدد»

«داعش» سيأخذ وقتاً طويلاً لـ«لملمة شتاته» في أعقاب مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي (أ.ب)
«داعش» سيأخذ وقتاً طويلاً لـ«لملمة شتاته» في أعقاب مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي (أ.ب)
TT

سيناريوهات غامضة لـ«داعش» تحت زعامة «القرشي»

«داعش» سيأخذ وقتاً طويلاً لـ«لملمة شتاته» في أعقاب مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي (أ.ب)
«داعش» سيأخذ وقتاً طويلاً لـ«لملمة شتاته» في أعقاب مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي (أ.ب)

ما استراتيجية تنظيم داعش الإرهابي تحت زعامة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي؟ وهل سيتمدد الفترة المقبلة أم سيواصل الخفوت؟ وما دور كتيبته الإعلامية مع تعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً له؟ وكيف سيواجه «سيل الانقسامات» داخله؟... أسئلة كثيرة تشغل الخبراء والمختصين مع تنصيب الزعيم الجديد. والإجابة عنها قد ترسم ملامح السيناريوهات المحتملة للتنظيم التي يغلب عليها الغموض.
مختصون في الحركات الأصولية، وباحثون وخبراء أمنيون أجمعوا على أن «(داعش) سيأخذ وقتاً طويلاً لـ(لملمة شتاته) في أعقاب مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». وأكدوا لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المُرجح إجراء تغييرات في (ديوان الأمن العام) للتنظيم الفترة المقبلة، والإعلان عن معاقبة بعض عناصره، لتلافي صورة فشل التنظيم في حماية البغدادي ومتحدث التنظيم السابق»، لافتين إلى أن «التنظيم لن يتأثر بمقتل البغدادي؛ بل يسعى لرد اعتباره من أميركا، فضلاً عن شن حرب إعلامية ضد عناصر (القاعدة) وقادتها، لأن مقتل البغدادي عمق الخلافات بين (القاعدة) و(داعش)».
وقالوا إن «(داعش) قد يعود للرهان مجدداً على (الانفراديين) و(الخلايا النائمة) لتنفيذ ضربات سريعة في الدول، لإحداث دوي وتأكيد بقاء التنظيم، وسيحاول التنظيم مواجهة سيل الانشقاقات».
وأعلن «داعش» مقتل البغدادي في أعقاب غارة أميركية الشهر الماضي، وتعيين «القرشي» خلفاً له، ومقتل المتحدث السابق باسمه أبو الحسن المهاجر، وتعيين أبو حمزة القرشي... وقبل تولي «القرشي» قيادة التنظيم كان هناك تباين حول أعداد التنظيم؛ ففي حين أكد غينادي كوزمين، نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في أغسطس (آب) الماضي، أن «عناصر (داعش) في سوريا قرابة 3 آلاف شخص»، رجحت تقديرات أخرى أن «عناصر التنظيم في العراق ما بين ألف و3 آلاف»، وأشارت تقارير أميركية إلى أن «(داعش) يضم ما بين 14 ألف عنصر إرهابي و18 ألفاً منهم».

هيكلة داخلية
استراتيجية «داعش» المقبلة تحت قيادة «القرشي»، فسرها عمرو عبد المنعم، المختص في شؤون الحركات الأصولية، بقوله: «في الأغلب لن يتغير نظام (داعش) وهياكله الداخلية وهي 14 هيكلاً، أهمها ما يسمى (ديوان الأمن العام)، وأعلى مكتب به يطلق عليه (مكتب الخدمات والمعلومات)، وهو قريب الشبه بإدارات الاستخبارات في الدول»، مضيفاً أنه «وفقاً لمعلومات، فإن (ديوان الأمن العام) يخضع حالياً للتحقيقات، وتم سجن أحد عناصره القيادية المتورطة في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة للعناصر في (حراس الدين)... ومن المرجح أن تتم هيكلة (الديوان) في المرحلة المقبلة، وقد يتم إعلان إعدام أحد مسؤوليه، لتلافي ما تردد عن فشل التنظيم في حماية البغدادي».
وقال عبد المنعم إن «التجربة أثبتت أن مقتل أي زعيم للجماعات الجهادية لا يؤثر على مسار هذه الجماعات بشكل مباشر، وزعامة (داعش) أسست ما يسمى (اللجنة المفوضة) التي تقوم فعلاً بالحكم على الأرض، والبغدادي انحصر أداؤه بعد هزيمة التنظيم في الموصل، واقتصر على الأداء الإعلامي فقط، فكانت هذه اللجنة هي من تقوم بقيادة التنظيم على الأرض، وهو ما وضح بشكل كبير خلال الاختيار السريع لـ(القرشي) والمتحدث الإعلامي الجديد».
وبحسب دراسة أعدها باحثون في «مرصد الأزهر لمكافحة التطرف»، فإن «هناك إشكالية ستواجه (القرشي) هي الأموال، وما يُعرف بـ(بيت مال التنظيم) وخزانته، التي تسيطر عليها بعض القيادات، وقد يطمع هؤلاء في الأموال، ويهربون بها، أو ينفصلون، ويشكلون جماعات إرهابية أخرى، وقد حدث هذا بالفعل بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي، وأبو حمزة المهاجر». يذكر أن الزرقاوي، هو مؤسس التنظيم في بداياته، وأول من قام بذبح أحد الرهائن الأميركيين في العراق ويدعى يوجيين أرمسترونغ عام 2004، بحز رقبته بسكين، وقد قامت جماعة «التوحيد والجهاد» حينذاك بنشر الفيديو المصور لعملية الذبح على الإنترنت.
وحول قيام «داعش» بعمليات جديدة خلال الفترة المقبلة لإثبات الذات خصوصاً لـ«القاعدة»، أكد عبد المنعم، أن «(داعش) يخطط لرد اعتباره من أميركا، والانتقام من الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية، فضلاً عن شن حرب إعلامية ضد عناصر (القاعدة) وقادته، فعملية مقتل البغدادي عمقت الخلافات بين (القاعدة) و(داعش)، لأن مقتل البغدادي كان بسبب أو بآخر بسبب تسريبات (القاعدة)، وهذا هو سر وجود (حراس الدين) في قصة مقتل البغدادي».
في حين قال باحثون بـ«مرصد الأزهر»، إن «مقتل قادة أي تنظيم إرهابي له تأثيرات قد تكون إيجابية أو سلبية؛ إذ يرى فريق أن مقتل قائد أي تنظيم قد يصل إلى حل التنظيم أو إضعافه بصورة كبيرة، لأن موته سيؤدي لوقف العمليات، وترك كثير من الميليشيات للتنظيم، وخفض الروح المعنوية لعناصره، وعدم الاستقرار والضعف التنظيمي... في حين يرى فريق آخر أن شعور التنظيم بأن الزعيم قتل في سبيل القضية، قد يؤدي لتدفق ميليشيات جديدة، والقيام بعمليات إرهابية».

انقسامات وتململ
في السياق ذاته، كشفت دعوة أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» لأعضاء التنظيم عند إعلان الولاء للزعيم الجديد، عن حالة الانقسامات التي تخيم على التنظيم، خصوصاً أن لغته لم تختلف كثيراً عن لغة البغدادي، حيث حث أبو حمزة أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها «بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، والوعيد والتهديد لأميركا، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
وكان البغدادي قد حرض بشكل مُباشر في سبتمبر الماضي على مهاجمة السجون في سوريا والعراق، لإنقاذ ما عدّهم «مقاتلي التنظيم وعائلاتهم المحتجزين والمحتجزات في السجون والمخيمات». وقال البغدادي في حديثه حينها، إن «تنظيمه لا يزال موجوداً رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، عادّاً ذلك «اختباراً من الله» - على حد زعمه. وقال العميد السيد عبد المحسن، الخبير الأمني في مصر، إن «أبو حمزة سعى في تسجيله الأخير إلى رفع الروح المعنوية لعناصر التنظيم، بهدف مواجهة سيل الانشقاقات»، لافتاً إلى أن «حديث أبو حمزة ينم عن حجم صراعات وانشقاقات، وتراجع في قدرات التنظيم المادية والبشرية، لذا سعى لبث روح الثبات في نفس فلوله المتبقية، بالحديث عن تمددات وهمية»، مضيفاً: «قد يعود (داعش) للرهان مجدداً على (الانفراديين) أو (الذئاب المنفردة)، و(الخلايا النائمة) لتنفيذ ضربات سريعة في الدول، لإحداث دوي وتأكيد بقاء التنظيم، وأنه ما زالت لديه القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية».
الكلام السابق، اتسق مع تحذيرات لمرصد «الإسلاموفوبيا» التابع لدار الإفتاء المصرية، من «قيام عناصر (داعش) خلال الفترة المقبلة بعمليات إرهابية في الغرب... وأنه عقب كل عملية إرهابية سيخرج التنظيم بفيديو تسجيلي يعلن فيه مسؤوليته عن العملية الإرهابية، ويبرر قيامه بها بأنها على سبيل القصاص من الغرب - على حد زعم التنظيم، وهذه العمليات سوف تنطلق فرادى وجماعات، لإثبات أن التنظيم لا يزال صلباً ولم يهتز بقتل زعيمه السابق».
في حين أوضح عمرو عبد المنعم أن «التنظيم لن يتوانى عن سياسة التجنيد، التي تعتمد على حماس واندفاع الشباب، ومن هنا تنبع فكرة الاستقطاب الحادة في صفوف هذا التنظيم، التي أسفرت الأعوام الماضية عن حجم كبير من الانشقاقات». و«الانفراديون» هم شخص أو أشخاص يخططون وينفذون باستخدام السلاح المتاح لديهم... وكان البغدادي قد توعد في وقت سابق بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
ويشار إلى أن أول ظهور لمصطلح «الذئاب المنفردة» كان في أحد فصول كتاب «دعوة المقاومة العالمية» الذي أعده أبو مصعب السوري بعد التحديات الأمنية التي واجهها تنظيم «القاعدة» عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، والذي دعا فيه أفراد التنظيم والمتعاطفين معه لقتال الغرب.
وحول نشاط «داعش» الإعلامي الفترة المقبلة، قال عبد المنعم إن «التنظيم يعاني ضربة قوية بفقده المتحدث الإعلامي السابق، وبالتالي يحتاج وقتاً لاستعادة الثقة مرة أخرى في بعض مكوناته الداخلية، خصوصاً أنه يملك ترسانة إعلامية، بأدوات تكنولوجية حديثة».
وأكد مراقبون أن «(داعش) منذ نشاطه الذي تبلور عام 2014 نجح في استغلال العالم الإلكتروني، لبث عملياته، واستقطاب المتعاطفين من الجنسيات المختلفة نتيجة افتتانهم بفكر التنظيم».
ويشار إلى أن «داعش» اعتمد كلياً منذ نشأته على آلته الإعلامية لبث آيديولوجيته خلال الشبكة العنكبوتية، حيث كان يقضي أنصار التنظيم غالب وقتهم على مواقع التواصل؛ للعمل على استقطاب مُناصرين جُدد، وتجنيد مقاتلين من كل أنحاء العالم... وكذلك لتلقي نداءات التنظيم، وشرح كيفية إعداد المتفجرات يدوية الصنع، وكيفية شن هجمات بأي وسيلة كانت، حتى لا يلفت أنظار المحيطين به.
وعن عودة التنظيم لقوته السابقة، قال عمرو عبد المنعم: «لا أظن أن التنظيم يعود بفائق قوته وقدراته الكاملة التي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي، والسيطرة الكبيرة على بعض المناطق في العراق وسوريا من قبل القوات النظامية والتحالف الدولي، التي تستخدم طرقاً جديدة غير الطرق التقليدية في الحرب والمواجهة، لكن هناك خطوة من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.