تعد البيعة أحد جوانب الفعل السياسي الذي مارسته الدول والأمم قبل قرون وإلى اليوم، وهي تعبر عن نظام حكم ارتبط بالدين الإسلامي، ومن هذا المنظور فهي نهج حضاري لإضفاء الشرعية على نظام الحكم، وقد أقرت البيعة كميثاق تأسيس المجتمع السياسي الإسلامي منذ ظهور الإسلام، وطبق هذا الميثاق في عهود الدولة الإسلامية وفي فترات من التاريخ، وسارت به كنهج في عهود الدولة السعودية بمراحلها المختلفة، كما طبقه عدد من الدول العربية والإسلامية.
وقد ذكر الفقهاء البيعة، وتم تأليف كثير من الكتب التي تتحدث عنها، وهي تعني في الاصطلاح: اختيار أهل الحق والعهد رجلا ليتولى أمر الأمة وجلب المنافع الدينية والدنيوية، ودفع المضار عنها وقمع الفتن وإقامة الحدود ونشر العدل بينهم، وردع الظالم ونصرة المظلوم، وقد عرفها المؤرخون في مؤلفاتهم بأنها: المعاقدة والمعاهدة، كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيل أمره، وقال عنها الراغب الأصفهاني في كتابه المفردات في غريب القرآن (وبايع السلطان إذ تضمن بذل الطاعة له، ويقال لذلك بيعة ومبايعة) في حين ذكر ابن خلدون في مقدمته أن (البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميرا على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره) مشيراً إلى أن (المبايعين كانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد، فأشبه ذلك البائع والمشتري، فسمي بيعة، وهذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع، وهو مراد في الحديث في بيعة النبي ليلة العقبة وعند الشجرة).
وقد بايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نساء ورجالاً بيعات مختلفة، كبيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية وبيعة الرضوان، ثم تواصلت بيعات الأفراد والجماعات المعتنقة للإسلام، وتتم البيعة مرة واحدة في العمر، كما توالت البيعات للخلفاء الراشدين وفي الدول الإسلامية بعد الخلافة، وكانت البيعة تتم وفق بروتوكولات بسيطة من خلال مصافحة باليد وبالقول: (نبايعك على السمع والطاعة) ومع تغير ظروف الحياة وتوسع الدول تغيرت بروتوكولات البيعة لكنها أبقت على ميزتها كنظام سياسي إسلامي ضمن شروطها الخمسة اللازمة التحقق التي تضفي الشرعية على نظام الحكم وأقرها فقهاء الإسلام.
وقد أجمع الكثير من الفقهاء وعلماء الأمة على أن البيعة الشرعية لولي الأمر لها أصلها في الإسلام، وأدلتها من الكتاب والسنة حيث بايع الصحابة رسول الله، وذكرها الله سبحانه في كتابه: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ»، وأكدوا أن البيعة لولي أمر المسلمين من أعظم المقاصد الشرعية التي جاءت الشريعة الإسلامية بالأمر بها والتأكيد عليها والتحذير من التساهل في أمرها وبيان خطر الإخلال بها ونقضها.
«البيعة» نهج إسلامي لإضفاء الشرعية على نظام الحكم
«البيعة» نهج إسلامي لإضفاء الشرعية على نظام الحكم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة