إسرائيل تصادق على أقوال «حماس» بأن «تنظيمات مشاغبة» أطلقت الصواريخ من غزة

الطرفان يتجنبان ردوداً تقود إلى التصعيد

مدينة غزة الفلسطينية (أرشيفية - أ.ف.ب)
مدينة غزة الفلسطينية (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تصادق على أقوال «حماس» بأن «تنظيمات مشاغبة» أطلقت الصواريخ من غزة

مدينة غزة الفلسطينية (أرشيفية - أ.ف.ب)
مدينة غزة الفلسطينية (أرشيفية - أ.ف.ب)

صادق مسؤولون أمنيون كبار في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، أمس الأربعاء، على رسالة حركة «حماس» القائلة بأن القصف الصاروخي على إسرائيل، أول من أمس، لم يكن بمبادرة من «حماس» ولا حتى من «الجهاد الإسلامي»؛ بل من «تنظيمات مشاغبة لا تمتثل لأوامر (حماس) الصارمة بالامتناع عن خرق التهدئة».
وقالت مصادر إن أجهزة الأمن الإسرائيلية لا تعرف بعد هوية الذين أطلقوا القذائف الصاروخية من غزة، باتجاه بلدات الجنوب الإسرائيلي؛ لكنها تصدق ما ورد في رسائل «حماس» و«الجهاد»، من أنهما لم يغيرا سياستهما، وأنهما يلتزمان بشكل صارم بالتهدئة معها، ووصفت الجهات التي قصفت بأنها «تنظيمات فوضوية مشاغبة ومتمردة». وقالت إنه «يوجد في القطاع كثير من هذه التنظيمات التي بحوزتها أسلحة كثيرة».
وقد جاءت هذه التفسيرات بعد أن كان الجيش الإسرائيلي قد رد على القصف من القطاع، بغارات كثيفة على مواقع تابعة لحركة «حماس». وحسب بيان للناطق العسكري في تل أبيب، فإن «حركة (حماس) مسؤولة عن إطلاق القذائف».
وأطلق مسلحون من غزة صاروخين اعترض نظام القبة الحديدية أحدهما، وسقط الصاروخ الثاني في منطقة مفتوحة، فيما سقطت قذيفة ثالثة داخل قطاع غزة. ويعتقد أن مسلحين مناهضين لحكم حماس أو غير راضين عن التهدئة الأخيرة يهدفون إلى إحراج الحركة التي لم تشترك في جولة القتال الأخيرة بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي.
منذ ذلك الحين، في تحول نادر، تم إلغاء تظاهرات يوم الجمعة على حدود غزة لأسبوعين على التوالي. واعتبرت الخطوة - وهما المرتان الثالثة والرابعة فقط اللتان يتم فيهما إلغاء التظاهرات الأسبوعية منذ بدئها في أواخر شهر مارس (آذار) 2018 - محاولة من قبل حركة حماس الحاكمة لغزة لتجنب المواجهة مع إسرائيل.
ولا تسعى إسرائيل وحماس إلى مواجهة جديدة، ويتضح ذلك من تعمد إسرائيل ضرب مواقع مفتوحة وامتناع حماس عن الرد.
ولم تؤد الصواريخ الفلسطينية أو القصف الإسرائيلي إلى أي إصابات. ولاحظ المراقبون أن إسرائيل تسمح أحيانا بالنيران المتقطعة دون رد لتجنب تصعيد التوترات. وتجنب المواجهة واضح على الرغم من التحذيرات المتبادلة.
ورد الناطق بلسان حركة حماس على الغارات الإسرائيلية، بالقول إنه «إذا ظن الاحتلال بقصفه مواقع المقاومة واستهداف مقدراتها أنه سينجح في فرض معادلة وقواعد اشتباك جديدة على حماس فهو واهم». وأضاف أن «حركة حماس وذراعها العسكري كتائب القسام لديهم المقدرة التامة على إثبات حماقة وغباء قيادات العدو، وتسجيل صفحة جديدة في سجل فشله في عملية الفهم وتقدير المواقف».
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد صرح مساء أول من أمس، بأنه «إذا كان أحد ما في غزة يعتقد أن بإمكانه أن يرفع رأسه بعد عملية الحزام الأسود (جولة تبادل القصف الصاروخي بين إسرائيل و«الجهاد الإسلامي»، التي أعقبت اغتيال القائد في «الجهاد»، بهاء أبو العطا، والتي لم تشارك فيها «حماس»)، قبل أسبوعين، فإنه يرتكب خطأ شنيعاً. وسنرد بحزم على أي هجوم ضدنا». وراح وزير الأمن الجديد، نفتالي بينيت، يهدد: «الحكم على صاروخ لم يصب هدفه كالحكم على صاروخ أصاب هدفه. ومن يطلق الصواريخ سيُستهدف». وأعلن بينيت عن سياسة جديدة يمتنع بموجبها الجيش عن تحرير جثامين الشهداء الفلسطينيين الذين يقعون بيد إسرائيل.
ولكن هذه التهديدات لم تقنع قادة المجالس البلدية في القرى اليهودية المحيطة بقطاع غزة، فاعتبروها تهديدات فارغة، واتهموا نتنياهو بـ«الشراكة مع (حماس) في سياسة ضلال وتضليل». وقال ألون دفيدي، رئيس بلدية سديروت، التي تعرضت للقصف بصاروخين، أول من أمس، إن «رئيس الوزراء وعدنا قبل أسبوعين بقطع دابر الإرهاب، واليوم نرى أن الإرهاب يلاحقنا ويهدد حياتنا، ويحصل على هدية بعشرات ملايين الدولارات من دولة قطر. أنا وسكان بلدي لا ننام الليل، ولا ندري كيف ينام نتنياهو الليل». وقال رئيس المجلس الإقليمي شاعر هنيجف، أوفير ليبشتاين، إن «القصف الإسرائيلي في غزة كان تافهاً، ولم يصب أي هدف حقيقي. نتنياهو يشعرنا بأنه شريك مع (حماس) أكثر مما هو عدو لها».
وانعكس هذا النقد على وسائل الإعلام العبرية أيضاً، التي خرجت بانتقادات واسعة لسياسة نتنياهو. فالمحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ألكس فيشمان، قرر تذكير نتنياهو بتصريحاته قبل أسبوعين عن النصر على تنظيمات الإرهاب في غزة، فقال: «عندنا يسارعون للاحتفال بإنجازات تكتيكية؛ لكن النشوة بعد عمليات عسكرية ناجحة تقودنا دائماً إلى أخطاء سياسية في فهم المجتمع الفلسطيني. ويبدو لنا دائماً أن الحسم في معركة تكتيكية هو انتصار شامل».
وأكد فيشمان أن الجيش الإسرائيلي يقترح على القيادة السياسية أن تعجل في اتخاذ قرارات لتسهيل الحياة وتحسين الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، ولترسيخ حكم «حماس» في القطاع أيضاً؛ لكن المخابرات الإسرائيلية تعترض، والحكومة لا تجرؤ على اتخاذ خطوات كهذه؛ خصوصاً بعد قيام نتنياهو بتعيين وزير أمن جديد من اليمين المتطرف، يتخذ قرارات أكثر تشدداً.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.