رصاص وحناء وأزياء تقليدية نسائية في معرض الفنانة المغربية لالة السعيدي بمراكش

«ضوء الشِّعر».. يقدم مراجعة نقدية لنظرة الفنانين الاستشراقيين النمطية للمرأة الشرقية

من أعمال الفنانة المغربية لالة السعيدي بمراكش تحت عنوان «ضوء الشِّعر»
من أعمال الفنانة المغربية لالة السعيدي بمراكش تحت عنوان «ضوء الشِّعر»
TT

رصاص وحناء وأزياء تقليدية نسائية في معرض الفنانة المغربية لالة السعيدي بمراكش

من أعمال الفنانة المغربية لالة السعيدي بمراكش تحت عنوان «ضوء الشِّعر»
من أعمال الفنانة المغربية لالة السعيدي بمراكش تحت عنوان «ضوء الشِّعر»

المتتبعون لأعمال الفنانة التشكيلية المغربية لالة السعيدي يحسبون لها أنها، بقدر ما تتحدى، بأعمالها، الصورة النمطية التي رسمها الاستشراقيون للمرأة الشرقية، بمراجعة وتفكيك المفاهيم التي قدموها، نجدها تفتح نقاشا بصدد الكيفية التي يتعين علينا أن نقرأ بها تاريخ وهوية وتطلعات هذه المرأة، مع الاستمتاع، في نفس الوقت، بروعة ما يؤثث لعالمها، خاصة على مستوى الأزياء والحلي وبهاء العمارة، مع الانفتاح على حاضر يأتي في سياق سياسي واجتماعي وثقافي متحول.
في آخر معارضها، الذي يحمل عنوان «ضوء الشِّعر»، الذي يحتضنه رواق «تندوف» بمراكش، إلى غاية 24 فبراير (شباط) المقبل، تواصل الفنانة المغربية الاستناد على التصوير الفوتوغرافي، مع اعتماد النقش بالحناء وتوظيف الخط العربي واستثمار بهاء الأزياء والحلي التقليدية والمعمار التقليدي المغربي، مع توظيف الرصاص، ضمن فعل تشكيلي ينفتح على تفاعلات حاضر التحولات السياسية التي يعرفها العالم العربي.
مع أعمال السعيدي، نكون، مرة أخرى، مع قراءة فنية ناقدة لأعمال الفنانين الاستشراقيين، في محاولة لإعادة تشكيل صورة مختلفة، واقعية هذه المرة، للمرأة الشرقية، في بيئتها، مخالفة، تماما، للصورة التي رُسمت لها وقدمت بها، من طرف هؤلاء الفنانين الاستشراقيين.
وكتب الكاتب المغربي الطاهر بن جلون، في تقديم معرض وتجربة السعيدي: «يتميز عمل لالة السعيدي، في كل مراحله، بحضور طاغ للشعر، غامض وسري. الشعر باعتباره صيغة لإثبات الذات في العالم، رؤية متمركزة حول الذات والآخرين، ومقاربة حقيقية بكل تأكيد. كل عمل لهذه الفنانة الكبيرة هو قبول بالشعر. لا يمكن للشاعر أن يعلن عن نفسه بشكل شخصي. سيكون ذلك شيئا غير لائق. يبقى للآخرين أن يبحثوا عن الشعرية في عمل ما». ثم يضيف: «يوجد عند لالة السعيدي شيء من السريالية التي تحرر التصورات وتجعلها أكثر ذكاء ونبوغا: هذه المشاهد المكتوبة، المرسومة، التي تم الاشتغال عليها بشكل متطلب، وهؤلاء النساء اللواتي يجري تصويرهن في أماكن لم يعد لها وجود. هذه الشخصيات التي تفوح منها عطور النعيم، هذه النظرات التي تواجهنا، هذه الوضعيات التي تقطع الصمت، ليست إلا تهيؤات وأوهاما. هؤلاء النساء، بجمال فتان، اللواتي يلبسن قفاطين من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين: أزياء من ضوء وذهب، حلي من زمن كان فيه الفن يتخلل الحياة اليومية. كل هذا الإبداع المبتكر من طرف صناع تقليديين مهرة يجري إخراجه اليوم، لكي يلبس ببهاء فاتن من طرف نساء في ريعان شبابهن. هذا الحريم إعادة النظر فيه يوجد فيه ولديه شيء لا يوصف: كل هؤلاء النسوة اللواتي تحولن إلى جزء من حائط في فضاء وحدتهن، ينتظرن. إنهن، هنا، لكن ذلك ليس سوى مظاهر، ما دام أن الحريم لم يعد له وجود، كما أنهن غير متأكدات من أنهن هنا. فن المراوغة هو انشقاق جميل عن المظاهر».
تلخص أعمال السعيدي لاشتغال فني يوثق لمفهوم الجمال من خلال التقاليد والماضي، وإعادة الاعتبار للمرأة الشرقية في واقعها الحقيقي لا المتخيل، ما جعلها تفتح نافذة تاريخية على هوية المرأة وثقافتها، وحتى بيئتها المعمارية، مع تناول تداعيات الحاضر على أوضاعها، ولذلك لم تفعل، في أعمالها، أكثر من العودة إلى طفولتها، في مراكش، بالمغرب، لتعطيها فرصة استعادة الماضي، لكن بنظرة الحاضر.
يتقدم وصف ومفهوم «الحريم»، كإطار حدده الفنانون الاستشراقيون للمرأة الشرقية، مجالا للعيش ومضمونا للحياة، قبل أن يتحول، في عالم السعيدي الفني، إلى فسحة تضمن اشتغالا تستخدم فيه الحناء مادة تلوينية، لإخفاء وتجميل جسم المرأة، في نفس الوقت، بل تصل علاقة مجال العيش بحياة المرأة، في بعض لوحاتها، إلى حد تماهي الساكنات بالمسكن.
وقالت السعيدي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن معرضها الحالي يمثل استمرارية لمشروع واحد ومتواصل تشتغل عليه، بشكل ينقل لسيرة شخصية ولسيرة كل النساء العربيات، مشددة على أن تجربتها الفنية تتأسس على حياتها، كما عاشتها، وعلى حياة باقي النساء العربيات، في آن، فيما الجديد الذي يميز مضمون المعرض الحالي، أنه يتزامن مع ما عاشه العالم العربي، مؤخرا، في ظل ما سمي بـ«الربيع العربي»، مشيرة إلى أنها وظفت الرصاص، في جزء من أعمالها، لكي تبين كيف أن «النساء العربيات شاركن في الحراك المجتمعي بهدف تغيير الأوضاع في عدد من البلدان العربية، وكن في الواجهة، سوى أن النتائج جاءت عكس أحلامهن وتوقعاتهن، ولذلك جاء توظيف الرصاص ليجسد العنف الممارس عليهن».
وبخصوص التركيز على الأزياء التقليدية، مقابل الحناء، في أعمال سابقة، قالت السعيدي إن ذلك يدخل ضمن نظرة نقدية لأعمال الفنانين الاستشراقيين الذين اشتغلوا على المرأة الشرقية، متخيلين عوالم حريم لا توجد في أرض الواقع، مشيرة إلى أنها وظفت، في استعادتها لأعمال الفنانين الاستشراقيين، نفس الأزياء التقليدية التي اشتغلوا عليها، من خلال اشتغالها على تشكيلة من قفاطين وأحزمة تقليدية، توجد في ملكية بوبكر ونور تملي، وترجع إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وفي سياق محاكمتها لأعمال الاستشراقيين، قالت السعيدي «إن إبداعهم لم يتوقف عند حدود الإنتاج الفني الذي يحتمل النقد، بل تحول إلى مرجع انبنت عليه أحكام معظم الغربيين، الذين صدقوا ما نقلته لهم أعمال الاستشراقيين، الشيء الذي جعلهم يتحولون إلى الشرق باحثين عن ما نقل إليهم، ليخلقوا عوامل ألف ليلة وليلة خاصة بهم، متوسلين في ذلك قوة المال والاقتصاد، الشيء الذي جعلنا نعيش، اليوم، استشراقا معاصرا بنفس مضمون نظرة الفنانين المستشرقين السابقين، تقريبا».
بعد توظيفها للحناء، في معارض وأعمال سابقة، سنكون مع السعيدي، في معرضها الجديد، مع توسل للرصاص، عبر نماذج حاولت، من خلالها، ربط المرأة بحاضرها، حيث «الربيع العربي»، الذي عولت عليه المرأة ثورة تسعفها في إبراز دورها ومكانتها داخل المجتمع وإسماع صوتها، إلى جانب الرجل، تحول إلى ما يشبه الحمل الكاذب. ومع توليفة الرصاص الذهبي، نكون، حسب عبد العزيز الإدريسي، محافظ المتحف الوطني بالرباط، مع امرأة وقد تحزمت بحزام من رصاص، بقدر ما تبدو، مهددة، على المستوى الرمزي، نجدها تؤكد قوتها عبر نظراتها المصوبة إلى الجمهور المتلقي.
وبين الحناء والرصاص، وما رافق ذلك من توظيف للأزياء والحلي التقليدية وفنون العمارة، لا تفعل السعيدي، أكثر من تصوير الأنوثة وإبراز فتنة الجسد، حيث يقوم المعرض على عمل فوتوغرافي بقياسات كبيرة، يعتمد التصوير والكولاج الضوئي التوليفي، في سبيل إعادة صياغة فنية تقوم على الرجوع إلى ما رسمه فنانون مستشرقون، مثل جون دولاكروا، وغيره، في محاولة لتجاوز أحكامهم، خالقة استذكارا للعمل الأصلي بـ«فنطازية» معاصرة، مزينة بنقوش وكتابات عربية اللغة، قوامها الزخارف الهندسية المتنوعة، وروعة القفاطين والحلي وتميز فن العمارة المغربي.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.