الحكواتي فن شعبي قديم يعود تاريخه إلى القرن 18 عندما كان يجلس شخص يمتهن سرد القصص في المنازل والمحال والمقاهي والطرقات. وكان يحتشد حوله الناس فيتفاعلون مع أدائه، خصوصاً عندما يدفعه حماسه إلى تجسيد دور الشخصية التي يحكي عنها بالصوت والصورة. وشهدت هذه المهنة تراجعاً ملحوظاً في أعوام سابقة، بعد أن غاب وهجها إثر انتفاء الحاجة إليها. فهي كانت وسيلة تسلية جماعية وفي الوقت نفسه وسيلة تثقيف وترسيخ للقيم والأخلاق التي يتحلى بها أبطال القصص والروايات التي كان يسردها الحكواتي على مستمعيه، ولو كانت غير حقيقية في كثير من الأحيان. فجاء المذياع والتلفزيون ليسرقا تألقها ويسهما في تراجعها.
اليوم تعود معالم هذه المهنة إلى البروز من جديد في ظل ورش عمل وعروض بصرية وسمعية كثيفة يتم تنظيمها هنا وهناك من أجل إعادة إحيائها في لبنان. ويأتي «مهرجان لبنان المسرحي للحكواتي» الذي تنظمه جمعية تيرو للفنون على مسرح سينما ريفولي في صور من 26 إلى 29 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، من ضمن النشاطات الفنية الرائجة في لبنان التي تركز على ازدهار هذا الفن ونشره بين جيل الشباب الحديث.
«هو نوع من السياحة الثقافية التي نرغب من خلالها في الارتقاء وبلوغ أصالة الفنون العربية العريقة»، يقول قاسم إسطنبولي منظم هذا المهرجان وصاحب جمعية «تيرو للفنون». ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تلقينا عروضاً كثيرة من حكواتيين يمارسون هذا الفن في بلدان عربية مختلفة. ولكن اكتفينا في الدورة الأولى لهذا المهرجان بالتعاون مع قلة منهم سيأتون من تونس والجزائر وفلسطين لنقل هذا الموروث الشفوي إلى جيل جديد يجهله».
ويرى إسطنبولي الذي أخذ على عاتقه إقامة مهرجانات منوعة على المسرح الوطني اللبناني (سينما ريفولي) في صور لنشر الفنون في المنطقة، أن الحنين إلى قصّ القصص وسردها من قبل شخصيات تتقنها تلازمنا منذ الصغر عندما كان أهلنا يروون لنا كثيراً منها لتسليتنا. «القصة ثقافة لا تموت، ولذلك نلاحظ حضورها في نشاطات مدرسية لتدريب الأولاد على قراءتها. ونحن نعلم أن الحكواتي بقي موجوداً في ثقافتنا رغم انتشار وسائل حديثة ومتطورة تصب في خانة التسلية والترفيه. كما أننا نركّز في هذا المهرجان على تشجيع الأولاد لسرد القصص والإصغاء إليها من خلال استحداث مساحات خاصة بهم».
معرض للحرف اليدوية اللبنانية ومعزوفات موسيقية وعروض لحكواتيين أمثال الجزائري ماحي صديق والتونسي صالح الصويعي المرزوقي والفلسطيني خالد نعنع، إضافة إلى آخرين من لبنان كسارة قصير ونسيم علوان يتضمنها برنامج مهرجان لبنان المسرحي للحكواتي. «جميعنا نحب أن نتبادل الأحاديث وأن نخبر قصصاً عنا وعن أولادنا. وهذا يجعلنا حكواتيين نمارس هذا الفن بشكل دائم في حياتنا اليومية. وقد تربيت على هذا الفن، إذ كان جدي (حكواتي) معروفاً في منطقتنا»؛ يوضح قاسم إسطنبولي في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط».
أما في زاوية «مقهى الحكاية» التي تندرج على لائحة نشاطات هذا المهرجان فستُجرى عروض يومية لحكواتيين يروون القصص، بحيث لا تستغرق تلاوة الواحدة منها الدقائق العشر. وهو ما يؤلف مشهدية تثقيفية جديدة في مهرجانات من هذا النوع. «بعض الحكواتيين سيتفاعلون مع الجمهور مباشرة من على خشبة المسرح من خلال ارتجال حكايات يستوحونها من قصص وأفكار وأحلام الناس بعد أن يدونونها على الورق. وبعدها يمكن أن يتسلم الحكواتي زمام الأمور فيسردها وحده أو بمساعدة أحد الحضور صاحب فكرة القصة».
ومن الحكايات الشهيرة التي سيتم قصها في هذا المهرجان، قصة عنترة بن شداد وأخبار جحا الفكاهية وحكايات الزير سالم وغيرها من الأساطير والقصص الخيالية التي شكّلت التراث العربي الحقيقي للحكواتي منذ القدم.
«مهرجان لبنان المسرحي للحكواتي» عرض تاريخي لفن شعبي
تعود من خلاله شخصيات جحا والزير سالم وعنترة
«مهرجان لبنان المسرحي للحكواتي» عرض تاريخي لفن شعبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة