وزير الخارجية الفرنسي في بغداد... ومصير المتطرفين بأيدي «قسد» على الطاولة

خياران مطروحان: إنشاء محكمة دولية أو محاكمتهم أمام القضاء العراقي

TT

وزير الخارجية الفرنسي في بغداد... ومصير المتطرفين بأيدي «قسد» على الطاولة

منذ أن لاحت في الأفق العملية العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا، عبّرت فرنسا، على المستويات كافة، عن مخاوفها من أن تفضي إلى فقدان سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» على السجون والمعتقلات التي تضم ما لا يقل عن 12 ألف مقاتل من «داعش» غالبيتهم من العراقيين والسوريين، لكن بينهم ما بين 2500 و3000 أجنبي. يضاف إلى هؤلاء 12 ألفاً من القاصرين والنساء من عائلات المتطرفين، ناهيك عن عشرات الآلاف الذين يتكدسون في معسكر الهول.
وما لا تريده باريس التي أصابها الإرهاب منها مقتلاً منذ بداية عام 2015، عودة متطرفيها من عناصر «داعش»، رجالاً ونساءً إلى فرنسا. لذا؛ فإنها ترفض استعادتهم ومحاكمتهم على أراضيها رغم الضغوط الكردية والأميركية. أما بالنسبة للقاصرين، فإنها تتمسك بسياسة بالغة التشدد إزاءهم، وتقوم المقاربة الفرنسية على التعاطي مع كل حالة على حدة. وما يزيد من قلق المسؤولين الفرنسيين المقتلة التي كانت مديرية الشرطة في العاصمة مسرحها، حيث قتل موظف كان يعمل في قسم مكافحة الإرهاب أربعة من زملائه بسلاح أبيض، وتبين لاحقاً أنه كان على تواصل مع متطرفين ومن معتنقي الفكر الداعشي.
انطلاقاً من هذا الواقع، تسعى باريس لتدارك الوضع الخطير ولتجنب أن يتمكن الداعشيون من الفرار والالتحاق إما بالخلايا النائمة، أو العودة إلى الأراضي الفرنسية، أو حتى أن يقعوا في قبضة النظام السوري الذي قد يستخدمهم ورقة ضغط. لكن مشكلة فرنسا أن خياراتها محدودة. وكانت قد نجحت، بعد محادثات مع السلطات العراقية العام الماضي، في نقل 11 داعشياً من أيدي القوات الكردية إلى أيدي السلطات العراقية، حيث حوكموا وصدرت بحقهم أحكام بالإعدام. والحال، أن فرنسا التي ألغت منذ الثمانينات حكم الإعدام وترفض تسلم مواطنيها إلى بلد آخر، وجدت نفسها ملزمة بالتدخل لدى السلطات العراقية لكي لا تنفذ هذه الأحكام. ولأن هذه المسألة ملحة وبالغة التعقيد، فإن باريس أوفدت وزير خارجيتها جان إيف لودريان إلى بغداد للتشاور مع السلطات العراقية. وأعلن إدوار فيليب، رئيس الحكومة أمس أمام مجلس الشيوخ، أن مهمة لودريان في بغداد تقوم على التشاور بشأن «تدابير» للتعاطي مع هذه المسألة و«الإجراءات المصاحبة» للمحاكمات التي قد تحصل على الأراضي العراقية باعتبار أن أعداداً من المعتقلين شمال سوريا ارتكبوا جرائم على الأراضي العراقية، وبالتالي تجوز محاكمتهم هناك. وكان لودريان أكثر وضوحاً؛ إذ قال في مقابلة مع قناة «بي إف إم» إنه «يتعين العمل مع السلطات العراقية للعثور على الوسائل لمحاكمة المقاتلين كافة بمن فيهم الفرنسيون الذين سيكونون في عهدة القوات العراقية».
واضح أن المسؤولين الفرنسيين يعتمدان التلميح بدلاً من التصريح. وترجمة ما يقوله فيليب ولودريان تعني عملياً أن وزير الخارجية مكلف البحث مع المسؤولين العراقيين في ثلاثة أمور: أولها انتقال الجهاديين من أيدي القوات الكردية إلى الأيدي العراقية؛ لتجنب ضياعهم وتوزعهم في الطبيعة، وثانيها دراسة إمكانية محاكمتهم أمام المحاكم العراقية، وثالثها البحث في إمكانية إنشاء محكمة دولية خاصة على الأراضي العراقية توكل إليها مهمة محاكمة المتطرفين رجالاً ونساءً. وهذه الفكرة ليست جديدة، وهي موضع تبادل آراء منذ أشهر عدة. وآخر ما استجد على هذا الصعيد اجتماع في بغداد يوم الثلاثاء الماضي وضم ممثلين عن فرنسا، وبريطانيا، وبلجيكا، وألمانيا، وهولندا، والسويد، والدنمارك، أي الدول التي لها مواطنون في أيدي «قسد». والحال أن هناك عوائق قانونية ولوجيستية تجعل هذه الفكرة صعبة التنفيذ، وهي تتطلب بداية قبول السلطات العراقية أن تتحول إلى سجن مفتوح لمقاتلي «داعش»، والاستجابة للمطالب التي ستضعها بغداد على الطاولة مقابل ذلك. وتجدر الإشارة إلى وجود حملة دولية للضغط على سلطات الدول التي لها مواطنون قد ينقلون للعراق تقوم بها عائلات المتطرفين من عناصر «داعش»، الذين يؤكدون أن النظام القضائي العراقي لا يوفر الضمانات الكافية لمحاكمات عادلة، وأن أحكام الإعدام ينطق بها بالجملة. وأصدرت المحامية ماري جوزيه، موكلة عائلات فرنسية عدة، بياناً نددت فيه بالسياسة الفرنسية وحمّلت المسؤولية لوزير الخارجية في «سوق أشخاص أمام (مهزلة محاكمات)، وإلى بلد (العراق) يطالب بملايين الدولارات لمحاكمة مواطنينا».
أول من أمس، أعلن لودريان أن المعتقلات التي تضم المتطرفين «ليست مهددة بعد». لكن استمرار المعارك وتمددها قد يوفران الفرصة لأعداد من المتطرفين للفرار. وقد أعلنت السلطات الكردية قبل ثلاثة أيام، أن 800 من عائلات المتطرفين نجحوا في الفرار من معتقلهم. لكن روايات أخرى تفيد بأن «قسد» عمدت إلى إخراجهم للضغط على الدول الغربية. ومن جانب آخر، تتخوف باريس ومعها العواصم الأوروبية الأخرى الأكثر عرضة لأعمال إرهابية، من أن يفضي التفاهم المستجد بين النظام السوري و«قسد» إلى أن تضع قوات النظام اليد على المتطرفين، وأن تستخدمهم في مخططاتها، إما للضغط على العواصم الغربية لإرغامها على التطبيع معه أو للحصول على فوائد أو منافع.
ما هي الصيغة التي سيرسو عليها خيار السلطات العراقية والغربيون؟ السؤال ملح، لكن حتى الساعة، لا أجوبة نهائية، ولا شك أن محادثات لودريان في بغداد ستوفر مزيداً من العناصر حول صيغة التعاطي مع مسألة تتزايد إلحاحاً يوماً بعد يوم.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.