ممثلو 85 دولة يناقشون في القاهرة «إدارة الخلاف الفقهي» وتعزيز التعدد

خلال أعمال المؤتمر العالمي الخامس للإفتاء

جانب من فعاليات مؤتمر الإفتاء بالقاهرة (الشرق الأوسط)
جانب من فعاليات مؤتمر الإفتاء بالقاهرة (الشرق الأوسط)
TT

ممثلو 85 دولة يناقشون في القاهرة «إدارة الخلاف الفقهي» وتعزيز التعدد

جانب من فعاليات مؤتمر الإفتاء بالقاهرة (الشرق الأوسط)
جانب من فعاليات مؤتمر الإفتاء بالقاهرة (الشرق الأوسط)

أكد علماء ومفتون من 85 دولة خلال اجتماعهم في مصر أمس: «ضرورة مواجهة الأفكار الهدامة للجماعات المتطرفة، وبذل الجهود لتنزيل الأحكام الشرعية على الواقع بكل معطياته المعاصرة، من غير إفراط يدفع إلى التشدد الذي يقود إلى التطرف والإرهاب، أو تفريط يؤدي إلى الاستهانة بأحكام الدين». وطالب المشاركون «بضرورة احتواء ثقافة الاختلاف والتعدد، والاجتهاد الجماعي في القضايا التي تهم الأمة لضبط مقاصدها، وتعزيز التعدد».
وانطلقت، أمس، بالقاهرة فعاليات المؤتمر العالمي لدار الإفتاء المصرية، عبر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بعنوان «الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي» تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي... وشهد المؤتمر الذي يعقد على مدار يومين أمس، جلستين، الأولى عن «الإطار التنظيري للإدارة الحضارية للخلاف الفقهي»، والأخرى عن «تاريخ إدارة الخلاف الفقهي»، أعقبهما ورشة عمل بعنوان «الفتوى وتكنولوجيا المعلومات».
وأكد المشاركون أن «الجماعات الإرهابية تحاول أن تختطف الدين بأفكار لوثت عقول الناشئة وبأفكار ما أنزل بها من سلطان»، موضحين أن «التسامح الفقهي لن يتحقق إلا إذا وجد سلاماً نفسياً وتسامحاً داخلياً يعزز هذا التسامح الفقهي ويعد ركيزة من أهم ركائزه، فضلاً عن ضرورة نبذ التعصب والتقليد الأعمى المذموم حال التعامل مع القضايا والمسائل الفقهية القديمة منها والمستحدثة»، مشيرين إلى «حتمية الاستمرار في تجديد الفقه الإسلامي، وضرورة النظر في قضاياه في ضوء المعطيات المتسارعة لعالمنا المعاصر، والوصول إلى رؤية جديدة تتوافق مع مقاصد الشرع والواقع المعاصر والتجديد الذي نسعي إليه».
وقال الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، خلال كلمته في افتتاح المؤتمر، إن «موضوع مؤتمر هذا العام ينبع من إرادة حقيقية لا تقف عند معالجة المشكلات الفكرية والأخلاقية في تناول الخلاف الفقهي، وإنما تمتد إلى نية صادقة لاستثمار هذا الخلاف وإدارته بأسلوب رشيد، ليكون أداة فاعلة في دعم منظومة المشاركة الفقهية والإفتائية في الحضارة المعاصرة»، مشيراً إلى أن «الخلاف الفقهي في حقيقته لدى علماء المسلمين المعتمدين ظاهرة صحية، تعكس مدى مرونة وحيوية الفقه الإسلامي الوسيع وملاءمته لكل زمان ومكان، ويوضح بجلاء أن هذا الخلاف الصحي كان سبباً فاعلاً في تكوين ثروة فقهية وتشريعية قلما توجد في أمة من الأمم».
كما ألقى الدكتور نظير محمد عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، كلمة نيابة عن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أكد فيها «أهمية ترسيخ ثقافة التسامح الفقهي وتعزيز وجودها في المجتمعات، وهي ثقافة لم تكن غريبة أو شاذة في المجتمعات المسلمة في يوم من الأيام، بل كانت أصلاً أصيلاً قامت عليه العلاقة بين الفقهاء المسلمين على مر التاريخ»، مشيراً إلى أننا «لم نر التعصب المقيت، والخلاف المذموم؛ إلا بعد ظهور الجماعات الإرهابية، وهي الجماعات التي طعمت من خيرات هذه الأوطان وسقيت من مائها»، مضيفاً: «لا شك أن هذه الجماعات قد أوقدت نار الفتن والاحتراب بين المسلمين بعضهم بعضاً بفهومها الغريبة وآرائها الشاذة – على حد وصفه -، حتى بات العالم يعيش حالة من الصراع اللامبرر انعكست آثاره المدمرة على الأفراد والمجتمعات».
في حين طالب الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، في كلمته نيابة عن رئيس الوزراء المصري، «بالتخلص من نظريات فقه الجماعات المتطرفة بآيدولوجياتها النفعية الضيقة... فتلك الجماعات ترى أن مصلحة الجماعة فوق كل اعتبار، وهو ما يتطلب منا جميعاً العمل الجاد للتخلص من فقه تلك الجماعات المعادية للإسلام بتفنيد تلك الشبه التي تبني عليها».
وقال المستشار حسام عبد الرحيم، وزير العدل المصري، إن «ممارسات الجماعات المتطرفة ترتب عليها كثير من المفاسد التي وصلت إلى حد تكفير المجتمعات الإسلامية، ثم تطور الأمر إلى ممارسة العنف الفردي والجماعي، ثم إلى الحروب الأهلية وحروب الجيلين الرابع والخامس».
من جهته، أكد الدكتور محمد الخلايلة، المفتي العام بالأردن، أن «الاختلاف واقع لا محالة لعوامل متنوعة، في مسائل تختلف فيها المدارك والأفهام؛ ولهذا لم يقصد سلفنا الصالح الاختلاف لذاته؛ بل كان الهدف عند الجميع هو القصد إلى موافقة الشارع فيما قصد؛ لذا فإن المختلفين وإن اختلفوا في مسألة معينة فهم متفقون من جهة القصد إلى موافقة الشارع والوصول إلى مراده».
في حين قال الدكتور محمود الهباش، قاضي قضاة فلسطين: «من التحديات الكبرى التي تواجه الأمة قضية فلسطين، والتي شغلت الأمة منذ عقود، وأكل عليها الزمن وشرب ولن تضيع بإذن الله طالما تتلو سورة الإسراء في المساجد وتُحفظ في الصدور».
وأكد منصور نياس، مستشار الرئيس السنغالي، أن «الخلاف سُنّة كونية وضرورة شرعية، وهو أمر أقرّه وضبطه النبي في تعامله مع الصحابة الكرام، وعلى الأمة من إدارة خلافاتها واجتهاداتها لتكون عامل رفع ورفعة للأمة».


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».