ألمانيا: منفذ الاعتداء على معبد يهودي حاول نسخ عملية {كرايستشيرش}

صوّر العملية وبثها مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي

ضابطان من الشرطة الألمانية أمام مركز العبادة اليهودي في مدينة هاله بولاية ساكسونيا أمس (رويترز)
ضابطان من الشرطة الألمانية أمام مركز العبادة اليهودي في مدينة هاله بولاية ساكسونيا أمس (رويترز)
TT

ألمانيا: منفذ الاعتداء على معبد يهودي حاول نسخ عملية {كرايستشيرش}

ضابطان من الشرطة الألمانية أمام مركز العبادة اليهودي في مدينة هاله بولاية ساكسونيا أمس (رويترز)
ضابطان من الشرطة الألمانية أمام مركز العبادة اليهودي في مدينة هاله بولاية ساكسونيا أمس (رويترز)

فيما بدت أنها محاولة لـ«نسخ» عملية كرايستشيرش التي استهدفت مسجداً في نيوزيلندا، تبين أن منفذ العملية أمام مركز العبادة اليهودي في مدينة هاله بولاية ساكسونيا الألمانية كان يبث عمليته بشكل مباشر على موقع «تويتش» الذي يبث بيانات اليمين المتطرف على الإنترنت.
الشريط الذي تمت إزالته لاحقاً، ومدته نحو نصف ساعة، يظهر الشاب البالغ 27 عاماً ويدعى، بحسب مجلة «دير شبيغل»، «شتيفان.ب»، وهو يتحدث بالإنجليزية بلكنة ألمانية ظاهرة، ويوجه السباب والشتائم لليهود، وينكر وقوع المحرقة (الهولوكوست). ثم يتجه نحو المعبد، وصوت موسيقى الراب يندلع من مسجل بحوزته واضح، ويحاول فتح الباب عنوة بإطلاق الرصاص عليه وهو يصرخ: «افتح…». وبعد فشله في ذلك، يطلق رصاصة على سيدة مارة ويرديها قتيلة، ثم يتوجه نحو المقبرة القريبة ويرمي قنبلة يدوية محاولاً فتح الباب، ولكنه يفشل في ذلك أيضاً.
وقال المصلون داخل دار العبادة إنهم أوقفوا الصلاة لدى سماعهم صوت إطلاق النار وراحوا يراقبون عبر الكاميرا ما الذي يحدث. فوضعوا حواجز خلف الباب لمنعه من الدخول. كذلك ألقى المتهم قنبلة يدوية على مطعم تركي قريب ما أدى إلى مقتل رجل كان موجوداً في الداخل.
وما لبثت الشرطة أن اعتقلته بعد بضع ساعات على الطريق العام وهو يحاول الهرب في سيارة تاكسي. وبحسب «شبيغل»، فإن المتهم استخدم سيارة «غولف» استأجرها وحملها بالمتفجرات والأسلحة بهدف «قتل يهود» في يوم الغفران يوم تنفيذه العملية، مما يعني أن دور العبادة كانت مليئة. كما ظهر كذلك على الإنترنت، بحسب «شبيغل»، بيان يفصل «أهداف العملية» التي كان يتم التحضير لها، ونشر على أحد المواقع التي تنشر أفكار اليمين المتطرف. وقالت «شبيغل» إنه تم التأكد من صحة «البيان» من قبل الدوائر الأمنية، وهو يعتمد في التحقيق الجاري لدى المدعي العام. ويحدد البيان، بحسب المجلة، أهدافاً من اليهود والمسلمين والسياسيين اليساريين. ويبدو أن المتهم لم يكن معروفاً لدى الشرطة ولم تكن لديه سوابق إجرامية. وبحسب ما نقلت «دير شبيغل» عن جيرانه، فقد كان «يعيش حياة منعزلة ولا يتحدث مع أحد».
وتسبب الاعتداء في صدمة كبيرة بأنحاء ألمانيا، وانتقادات لغياب الأمن أمام دار العبادة، خصوصاً أن الشرطة الألمانية تنتشر أمام دور عبادة اليهود لحمايتهم من أي اعتداء محتمل. وفور الاعتداء تم تشديد الحماية على دور عبادة اليهود في المدن الكبرى. وتم تنظيم وقفات تضامنية أمس في أنحاء البلاد مع اليهود رفضاً لعنف اليمين المتطرف.
ويزداد عنف اليمين في ألمانيا، ويتجه مؤيدون نحو حمل السلاح، بحسب تقرير للمخابرات الألمانية، التي كشفت عن العثور على أكثر من ألف قطعة سلاح في مداهمات نفذتها طالت عناصر من جماعات مرتبطة باليمين المتطرف. وقبل بضعة أشهر، اغتيل السياسي فالتر لوبكه عمدة مدينة هسن، بسبب تأييده سياسية اللجوء، على يد يميني متطرف، مما شكل صدمة حينها في ألمانيا. في غضون ذلك، اشتكى رئيس الجالية اليهودية بمدينة هاله الألمانية من نقص الحماية التي توفرها الشرطة للجالية ومؤسساتها.
يأتي ذلك في رد فعل على الهجوم المسلح الذي استهدف معبداً يهودياً بالمدينة أول من أمس وأودى بحياة شخصين وأدى إلى إصابة اثنين آخرين. وقال رئيس الجالية، ماكس بريفوروتسكي، أمس الخميس في هاله: «لا تتم مراجعة الإجراءات الأمنية لدينا مطلقاً». وأضاف بريفوروتسكي: «لا توجد شرطة، حتى في عيد الأنوار الذي يشارك فيه مئات عدة من الناس، رغم أني أطلب أن يأتوا». وأشار رئيس الجالية إلى أنه «لا وجود للشرطة أمام المعبد اليهودي في مدينة هاله، وذلك خلافاً لما هي عليه الحال في مدينتي برلين وميونيخ، على سبيل المثال».
وكان مسلح قد حاول، أول من أمس، تنفيذ مذبحة بين عشرات المتدينين في معبد مدينة هاله بولاية ساكسونيا أنهالت. وقالت دوائر أمنية إن الرجل، واسمه «شتيفان.ب»، أراد اقتحام المعبد لتنفيذ هذا الهدف، ولكنه فشل في ذلك. ويتهم الشاب الألماني بقتل شخصين أمام المعبد ومطعم شاورمة صغير قريب منه وإصابة شخصين آخرين على الأقل.
إلى ذلك، تحدثت رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، أمس، عن الدروس التي تعلمتها بلادها من الهجوم الذي وقع في 15 مارس (آذار) الماضي، والذي استهدف مسجدين في كرايستشيرش، في رد فعل من جانبها على تعرض معبد يهودي في ألمانيا لهجوم أول من أمس. وقالت أرديرن عبر الإذاعة النيوزيلندية الرسمية: «بعد هجوم 15 مارس في كرايستشيرش، ندرك تماماً أن كل الفرص متاحة لحدوث مثل هذا النوع من الأحداث المروعة مجدداً، ولهذا السبب نطبق حملة (نداء كرايستشيرش للعمل)».
يذكر أن حملة «نداء كرايستشيرش للعمل» هي التزام من جانب الحكومات وشركات التكنولوجيا، للقضاء على المواد ذات الصلة بالمحتوى الإرهابي والعنيف على الإنترنت. وأشارت أرديرن مباشرة إلى محاولة فاشلة لاقتحام معبد يهودي، أدت، أول من أمس، إلى مقتل شخصين وإصابة اثنين آخرين، في مدينة هاله بشرق ألمانيا، أثناء الاحتفال بيوم عيد الغفران المقدس لدى اليهود. وقام المهاجم ببث محاولة الاقتحام بصورة حية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتش» وهو منصة للفيديو تملكها شركة «أمازون».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟