موسكو ترى في سياسات واشنطن «التهديد الأكبر» لأمنها

حذرت من خطورة «الثقة الأميركية المفرطة بالتفوق»

بوتين ووزير الدفاع شويغو خلال توجههما لحضور تدريبات عسكرية في أورينبورغ الجمعة (أ.ب)
بوتين ووزير الدفاع شويغو خلال توجههما لحضور تدريبات عسكرية في أورينبورغ الجمعة (أ.ب)
TT

موسكو ترى في سياسات واشنطن «التهديد الأكبر» لأمنها

بوتين ووزير الدفاع شويغو خلال توجههما لحضور تدريبات عسكرية في أورينبورغ الجمعة (أ.ب)
بوتين ووزير الدفاع شويغو خلال توجههما لحضور تدريبات عسكرية في أورينبورغ الجمعة (أ.ب)

عكست تصريحات لافتة لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو تحولا واسعا في رؤية بلاده للعلاقة مع واشنطن، وحملت توقعات متشائمة حول مسار العلاقة بين البلدين. وخلافا لحرص المسؤولين الروس خلال السنوات الأخيرة على تكرار التأكيد أن الخلافات مع واشنطن لا يمكن مهما تفاقمت أن تنزلق نحو مواجهة بين الطرفين، وأن موسكو لا ترى أنها تواجه تهديدا بوقوع حرب كبرى، لمح الوزير الروسي الذي يعد الشخصية الأقرب إلى الرئيس فلاديمير بوتين إلى «مخاوف جدية» من تدهور الوضع نحو حرب كبرى، برغم أنه أعرب عن «أمل بألا يقع تطور من هذا النوع».
وكشف شويغو المعروف بأنه مقل في الإدلاء بتصريحات صحافية، تفاصيل عن تجربته في مواقع بارزة في قيادة البلاد على مدى العقدين الماضيين، وعرض في مقابلة نادرة نشرتها أول من أمس، صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» الروسية واسعة الانتشار، تفاصيل عن برامج تطوير القدرات العسكرية الروسية خلال السنوات التي تلت مرحلة الفوضى التي أعقبت تفكيك الدولة السوفياتية.
وحذّر الوزير الروسي من أن «إيمان الولايات المتحدة الأعمى بتفوق قوتها، يقود إلى اتخاذ خطوات غير معقولة»، ورأى أن هذا يشكل «التهديد الرئيسي لروسيا ولدول أخرى». وأوضح «يجب على أي دولة أن تكون مدركة لنقاط ضعفها، وأن تكون مهتمة بالحفاظ على التوازن والأمن العالمي المتكافئ، هذا يجعلك تفكر بعقلانية، أما عندما تؤمن كما تفعل أميركا، أن ميزان القوى يميل لصالحك يمكن أن تفكر بأي شيء وحتى بمسارات خارجة عن حدود المعقول».
وفي إشارة إلى أن تدهور الموقف قد ينجم عن أخطاء فادحة وليس عن إرادة بانزلاق الأمور نحو تفجير حروب، قال شويغو إن «احتمالات وقوع أخطاء في نظام إدارة الأسلحة في ظروف المستوى الحالي للاعتماد على نظم المعلوماتية والأتمتة، بات كبيرا. ولذلك تزداد حاليا، أهمية حل مشكلات الأمن المعلوماتي بالذات».
وأكد أن تطور العلوم والصناعة في روسيا يسمح لموسكو بمواجهة تحولات سياسة الولايات المتحدة بنجاح، لكنه حذر في الوقت ذاته، من أن احتمالات اندلاع حرب كبرى تتزايد، برغم أنّه عبّر عن أمله في ألا يقع تطور من هذا النوع. وحمل واشنطن مسؤولية ضعف أنظمة الرقابة على التسلح، ودفع العالم نحو سباق تسلح. ولفت شويغو إلى أن موسكو لا تحاول منافسة واشنطن «على جميع الجبهات».
وتابع «إذا قمتم بتحليل الميزانية العسكرية الأميركية، فستفهمون أن الولايات المتحدة تنفق أموالا هائلة على قواعدها العسكرية المنتشرة في جميع أنحاء العالم. ويبلغ عدد هذه القواعد حاليا 170». كما ذكر أن النفقات الأميركية على العملية العسكرية في أفغانستان وحدها تساوي تقريبا حجم الميزانية العسكرية السنوية لروسيا.
وقال إنه «إذا تحدثنا عن عدد التهديدات التي يتعرض لها بلدنا، فلن تصبح أقل. لقد انسحبت الولايات المتحدة بالفعل من معاهدتين مهمتين للحد من الأسلحة النووية. حتى الآن، تبقى معاهدة (ستارت)، والتي هي أيضاً قيد المناقشة في الولايات المتحدة الأميركية لتجديدها أو عدم تجديدها نتيجة لهذا النهج، أصبح العالم غير قابل للتنبؤ به وأقل أماناً».
في مواجهة هذه التطورات، قال شويغو إن مفهوم «الإصلاح العسكري» وتطوير قدرات روسيا سوف يبقى مطروحا على الطاولة دائما، مشيرا إلى أن «العالم من حولنا يتغيّر باستمرار. ويجب علينا التقاط هذه التغييرات بحساسية شديدة وتطوير قدراتنا».
وعرض شويغو مراجعة لتجربة بلاده في التعامل مع حلف الأطلسي والتهديدات التي أحاطت بها، مشيرا إلى أسباب تراجع قدرات الجيش الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وقال: «حتى وقت قريب كان الجيش الروسي في حالة تراجع. لماذا حدث هذا؟ هناك أسباب فورية يعرفها الجميع. الأزمة العميقة للمجتمع والدولة بأكملها في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. والسحب السريع للقوات والمعدات من أوروبا الشرقية إلى مواقع غير مجهزة بالكامل. والنقص الكبير في الأحوال المعيشية لأفراد القوات المسلحة، بما في ذلك عدم توفير مساكن لهم، والمعاناة والإهانة التي لحقت بأولئك الذين كانوا يستعدون للدفاع عن وطنهم طوال حياتهم وواجهوا فجأة الانهيار التام لخططهم وآفاقهم، مع انعدام الحماية من الدولة». لكنه ربط ذلك مع «الأسباب الخارجية» كذلك، مشيرا إلى أن ما حدث «كان له أسباب أخرى أعمق. لم نفهم في الوقت المحدد ولم نفهم لفترة طويلة جوهر ما كان يحدث من حولنا. سوف أسمح لنفسي بالقول إنه إذا بقينا واقفين ولم نتحرك لمواجهة ميل الغرب في التصرف بالطريقة التي تصرف بها خلال فترة (الرئيس السوفياتي ميخائيل) غورباتشوف، من خلال نكث كل التعهدات بعدم التوسع وعدم تحريك الناتو أكثر فأكثر من حدودنا، وعدم توسيع نفوذه في الدول المجاورة، وتصعيد التدخل في الشؤون الداخلية لبلدنا». واعتبر شويغو أن روسيا «كانت محظوظة لأنها نجحت في وقف التدهور في الوقت المحدد. وبدأت عملية العودة إلى المنطق السليم، منذ عام 1999 كان الوضع صعبا وقاسيا علينا، ومع ذلك فقد حققنا أن العالم اليوم لم يعد أحادي القطب. وهذا، بالطبع، أمر يكرهه الغرب بشدة، الذي يبذل قصارى جهده لاستعادة احتكاره للتأثير في العالم. قد يعتقد أحدهم أن معارضة الغرب المفتوحة على نطاق واسع لروسيا بدأت قبل خمس سنوات فقط - من أوكرانيا والقرم. لكن هذا خطأ. يمكننا أن نوصي بالعودة إلى ما حدث في العام 2008 (الحرب الروسية - الجورجية)، وما حدث قبل ذلك أيضا».
على صعيد آخر، وصف مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريشكين، التصريحات الأميركية بشأن استخدام المنازل الصيفية التابعة للسفارة الروسية في واشنطن بهدف التنصت على ممثلي مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» بأن «لا أساس لها».
وكان موقع «ياهوو نيوز» نقل عن مسؤولين أميركيين سابقين، أن إدارة الرئيس باراك أوباما أمرت بطرد أكثر من 30 دبلوماسيا روسياً من البلاد في عام 2016، بسبب مزاعم باستخدام المنازل الصيفية للدبلوماسيين الروس في عمليات روسية للتجسس.
ووفقا للمعطيات الأميركية، فإن نشاط «التجسس» الروسي استهدف اتصالات مكتب التحقيقات الفيدرالي بهدف منع المكتب من تعقب عملاء روس على الأراضي الأميركية، مما أجبر مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية على قطع الاتصال ببعض عملائهما الروس. وأدت العملية أيضا إلى زيادة التدابير الأمنية في مواقع الأمن القومي الرئيسية في منطقة واشنطن وأماكن أخرى.
لكن موسكو أكدت أن الاتهامات الأميركية لم يتم تقديم أي أدلة عليها. وأن خطوة أوباما كانت متعمدة لتعقيد الوضع على مستوى العلاقات بين موسكو وواشنطن قبل تسلم الرئيس المنتخب آنذاك دونالد ترمب مهامه رسميا.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».