إيلي كوهين بصبغة وطنية وضحالة فنية

ملفات الموساد ما زالت مفتوحة

لقطة من مسلسل {الجاسوس} تظهر بطله في سوق دمشقي
لقطة من مسلسل {الجاسوس} تظهر بطله في سوق دمشقي
TT

إيلي كوهين بصبغة وطنية وضحالة فنية

لقطة من مسلسل {الجاسوس} تظهر بطله في سوق دمشقي
لقطة من مسلسل {الجاسوس} تظهر بطله في سوق دمشقي

على مدى ست حلقات من مسلسل «الجاسوس» (ذا سباي)، وفّرت «نتفليكس» لمتابعيها وجهة النظر الإسرائيلية فيما يتعلق بقضية الجاسوس إيلي كوهين وكيفية تسلله للداخل السوري ومخالطته بعض أهم رجال الدولة في الستينات قبل افتضاح أمره وإلقاء القبض عليه وإعدامه.
المسلسل من إنتاج شركة فرنسية (لوجاند) واشترته الشركة الأميركية نتفليكس ومن كتابة وإخراج جيديون راف الذي سبق له وأن حقق سابقاً (ولصالح محطة «شوتايم» الأميركية) مسلسلاً جاسوسياً مشابهاً بعنوان «هوملاند» حول إرهابي من «القاعدة» يسعى للقيام بعملية في الولايات المتحدة لكنه يثير ريبة أحد رجال المخابرات.
المفاد في «هوملاند» كان مختلفاً. هناك التحذير من أي جسم عربي لأن العربي غالباً ما يتلازم وكره أميركا والسعي لقتل مدنييها. هنا، في «الجاسوس» الحكاية وطنية الشأن بالطبع حول موظف عادي تم اختياره لمهمة بدت، سنة 1961. مستحيلة. تم تدريبه وإرساله إلى بوينس آيرس وإدخاله وسط الجالية العربية هناك قبل أن يتم زرعه في وسط النخبة السياسية والعسكرية في سوريا ذلك الحين.
- ثبات وثقة
وطنية «الجاسوس» ليست مدعاة غرابة. العمل بأسره إنتاج إسرائيلي المصدر وضعه مؤمنون ببقاء إسرائيل استيحاء من أحداث حقيقية مثبّتة في أرشيفات سوريا وإسرائيل معاً بصرف النظر عن التلوين الدرامي الذي تدخل لتحويل الأحداث لسلسلة من المخاطر ومحافل الترقب لضمان جذب المشاهدين.
على نحو تلقائي، إذن، ليس غريباً أن يصدح المسلسل بنجاح المخابرات الإسرائيلية في اختراق دفاعات النظام السوري آنذاك فهو مسلسل إسرائيلي في نهاية الأمر من بين أدواره تجميل شخصية الجاسوس كوهين فيقدمه رجلاً متزوّجاً ممن يحب ومنتظم العمل ومخلصاً في حياته. اختياره للمهمة تم بترشيح الضابط المسؤول عن التجنيد دان (نواه إميريتش) لهذه العناصر مجتمعة وفوقها إنه خدم إسرائيل مجنّداً ومستعد لخدمتها مجدداً.
يسأله رئيس في الموساد إذا كان مستعداً للتضحية من أجل إسرائيل بما ينضوي عليه ذلك من هجران زوجته وكتم سره والسفر بعيداً عن وطنه. يجيب كوهين إنه مستعد ويدخل سلسلة من التدريبات تخوّله الانتقال إلى المراحل الأخرى بثبات وثقة.
هذا الثبات وتلك الثقة جعلت عدداً من النقاد الأميركيين يرون أن أداء البريطاني ساشا بارون كوهين للدور مثل «طنجرة ووجدت غطاءها»، وهو بالفعل يطرح أداءً مختلفاً عن شخصيته الكاريكاتيرية في برامجه وأفلامه. على بعض النقيض من معظمها، خصوصاً في «الديكتاتور» (الذي لعب فيه شخصية تذكر بالراحل معمر القذافي) و«بورات» (الذي سخر عبره من تقاليد اجتماعية أميركية). لكنه نقيض مستخدم كوضع منفصل، فالدور هنا لا يتطلب منه جنون أداءات سابقة بل لعب الشخصية المحورية المسندة إليه. فنياً، النجاح محدود جداً لكن كعملية أداء لشخصية لا نعرف تماماً كيف كانت تصرفاتها ومسالكها وعاداتها البشرية، فإن ساشا كوهين يوفر المطلوب.
عندما تتبدل شخصية الجاسوس مستفيداً من إتقانه العربية ومن الأبحاث والوثائق التي زُود بها بما في ذلك مكان قبر أبيه في سوريا. موهماً الجميع بأنه كامل أمين ثابت وإنه متيم بحب وطنه السوري الذي عاد إليه بعد سنوات الغربة، يرتفع النبض أعلى مما بدأ. بطبيعة الحال سيميل المسلسل إلى تشغيل ما يستطيع من إشارات الخطر، فغطاء إيلي- كامل قد يُنسف في أي وقت لأن السُلطة السورية قد تُخدع به لبعض الوقت لكن ليس كل الوقت كما حدث بالفعل عندما كُشف أمره.
ما قبل ذلك، هناك العديد من المواقف المُساقة لإثارة ذلك النوع من التقليد السائد. لا بد من رسم حياته الزوجية نشطة عاطفياً وجسدياً ولا بد من موقف تعكس فيه زوجته (هادار راتزون روتم) غيرتها على زوجها بعدما اكتشفت أنه استقال من عمله من دون إخبارها بذلك. عملية تدريبه تتعرض لمونتاج غير موفق يختزل الوقت ويتضمن مواقف تفضي لنتائجها المتوقعة.
بداية المسلسل «كولاج» من المشاهد المتعددة لشخصيات سياسية مثل جون ف. كندي ومحمد علي وفيدل كاسترو ونيكيتا خروشيف وشارل دي غول ونيلسون مانديلا وحتى ألفريد هيتشكوك وإلفيس برسلي. هذه البداية تشبه بداية مسلسل جيدون راف السابق «هوملاند» كثيراً. لكن ما يُلاحظ عليه هذا المسلسل على صعيد التصميم هو أن لديه ميزانية محدودة لخلق أجواء الستينات في كل من تل أبيب ودمشق و- إلى حد - بوينس آيرس ويستخدم ذلك في شكل صحيح مبتعداً عن لقطات ومشاهد لتأكيد الأمكنة والأزمنة لأن ذلك ليس في وسعه.
بعض التصاميم هنا غير موقفة. نلاحظ مثلاً أن طرابيش السوريين أكبر مما كان يرتديها الناس، كذلك تلك الطرابيش كانت أكثر انتشاراً في دمشق خلال الأربعينات والخمسينات مما أصبحت عليه في الستينات.
- مبررات غائبة
هذا جانباً، لا بد من الإشارة كذلك إلى أن نتفليكس بالطبع أنتجت في العام الماضي «الملاك» الذي حكى قصّة جاسوسية مختلفة تتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي أيضاً. صانعو الفيلم كان فريقاً إسرائيلياً بدءاً من المخرج أرييل فرومن وامتداداً للكتاب والمنتجين والفريق الواقف خلف الكاميرا.
ما طرحه «الملاك» هي حكاية تحوّل شخصية سياسية عربية لجاسوس إسرائيلي. الشخصية هي أشرف مروان والممثل الذي قام بدوره هو مروان كنزاري والعمل كان فيلماً من أقل من ساعتين جلّه عن كيف انساق المسؤول المصري، لدوافع متعددة يخفق السيناريو في تحديد مبرراتها الفعلية، للعمل لصالح الموساد ومحاولته تحذيرهم من حرب أكتوبر (تشرين الأول) المقبلة (1973) في الوقت التي تهتز فيه ثقة زوجته (ميساء عبد الهادي) به ويشرف على تعريض حياته للاغتيال على أيدي الموساد في بعض أنحاء لندن.
لم يكن الفيلم برداءة السيناريو الذي كُـتب له. هو في صلبه تشويق جاسوسي يستفيد من إحدى المراحل الرئيسية في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي ويحاول البقاء في منطقة لا يتعرض فيها لأحد ولو أن الموساد يبدون هنا كما لو كانوا لا يستحقون تلك الخدمات الجليلة التي قدّمها أشرف مروان لهم حالما قرر التحوّل إلى جاسوس يستقي معلوماته من قصر الرئاسة المصري نفسه.
ليس في الفيلم دافعاً واحداً للخيانة بل عدّة دوافع لكن ليس منها ما هو واضح. هل هو انزعاج مروان من معاملة جمال عبد الناصر (أداه وليد زعيتر الذي يؤدي دور الكولونيل أمين الحافظ في «الجاسوس») له أم نتيجة إعجابه بجاسوس عمل لصالح المخابرات البريطانية والنازية معاً. أو لعل حبه للقمار الذي كاد أن يفلسه دفعه لمثل هذا التوجه؟
ما تمتع به «الملاك» ولم يتمتع به مسلسل «الجاسوس» هنا، إخراج توظيفي جيد للحكاية وتمثيل أفضل قدمه التونسي مروان كنزاري.‫ في المقابل هناك ضعف في كل المشاهد التي تجمعه مع زوجته واستسهالاً في التفاصيل (أمر لا ينجو منه «الجاسوس») واستخدام الحوار لتفسير ما يمكن للصورة التكفل به. تظهر ‬الموساد هنا كقوة طاغية وذات قرارات خاطئة. أما أشرف مروان فيبقى شخصية غامضة والأجدى كان منحه بطانة نفسية وسياسية عميقة لكي يُـفهم.
بعض الأسئلة التي تتوارد بمناسبة هذين الفيلمين، أو بسبب من طرح حكاية إيلي كوهين، تتمحور حول ما إذا كان الهدف من وراء مثل هذه الأفلام تلميع صورة إسرائيل غير المستقرة في الوقت الراهن.
لكن ليس علينا أن نأخذ المسلسل (أو الفيلم السابق) كجزء من مخطط لأن الرأي العام اليوم لم يعد يُساق جمعياً كما كان حاله في الخمسينات مثلاً. تأثير السينما عليه لم يعد كما كان في السابق. قبل خمسين سنة كان من السهل «تجييش» الرأي العام بطرح أفلام بروباغاندا، فإذا بغالبية الناس تتبنى ما يرد في الفيلم من رسائل وأبعاد. لكن الوضع اليوم مختلف. معظم الناس بات لديها قناعة بأن الظاهر لا يعكس الباطن وأن لكل نتاج أدبي أو سينمائي مصدره الذي يستدعي التحقيق. الأمور بالتالي لم تعد سهلة لإقناع أحد بصواب طروحات فيلم ما من دون نقاش. هذا يمتد على طول القطاع الداخلي أو الخارجي.
كذلك ليس «الجاسوس» على علاقة بتوقيت معيّن يستفيد منه. نعم هو تلميع دولة واصطياد عكر في باطن دولة أخرى، لكنه فيلم كان يمكن إنتاجه قبل عشر سنوات أو بعد عشر سنوات من دون تغيير يذكر. ما يتمثل في هذا المسلسل هو رغبة «وطنية» من صانعيه لتقديم عمل يفتخر بما حققه إيلي كوهين لوطنه في فترة سابقة.
طبعاً في علم صانعي المسلسل أن الأوضاع بين سوريا وإسرائيل (وأوضاع الشرق الأوسط بأسره) ما زالت صالحة لإطلاق هذا الفيلم. بالتالي، المصلحة الوطنية مرتبطة كذلك بمصلحة تجارية. المسلسل يمثل إنتاجاً معلّباً بطبيعته ليغزو البيوت كعمل ترفيهي لا يطرح حقائق عامّة حول الصراع ولا يتحدث في السياسة رغم أفكاره ونواياه.


مقالات ذات صلة

نسمة محجوب: أطمح لتقديم سيرة ماجدة الرومي درامياً

الوتر السادس تركز الفنانة نسمة محجوب على الحضور الفني بشكل دائم (صفحتها على {فيسبوك})

نسمة محجوب: أطمح لتقديم سيرة ماجدة الرومي درامياً

طرحت الفنانة المصرية نسمة محجوب، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أحدث أعمالها الغنائية بعنوان «الناس حواديت»، والتي حظيت بتفاعل من المتابعين عبر مواقع التواصل

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده، «إذا أراده السوريون»، ردوداً متباينة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من البرومو الترويجي لمسلسل «ساعته وتاريخه» الذي يعرَض حالياً (برومو المسلسل)

مسلسلات مستوحاة من جرائم حقيقية تفرض نفسها على الشاشة المصرية       

في توقيتات متقاربة، أعلن عدد من صُنَّاع الدراما بمصر تقديم مسلسلات درامية مستوحاة من جرائم حقيقية للعرض على الشاشة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق من وجهة نظر العلاج بالفنّ (غيتي)

علاج القلق والكآبة... بالمسلسلات الكورية الجنوبية

رأى خبراء أنّ المسلسلات الكورية الجنوبية الزاخرة بالمشاعر والتجارب الحياتية، قد تكون «مفيدة» للصحة النفسية؛ إذ يمكنها أن تقدّم «حلولاً للمشاهدين».

«الشرق الأوسط» (سيول)
يوميات الشرق الفنانة مايان السيد في لقطة من البرومو الترويجي للمسلسل (الشركة المنتجة)

«ساعته وتاريخه»... مسلسل ينكأ جراح أسرة مصرية فقدت ابنتها

أثار مسلسل «ساعته وتاريخه» التي عرضت أولى حلقاته، الخميس، جدلاً واسعاً وتصدر ترند موقع «غوغل» في مصر، خصوصاً أن محتوى الحلقة تناول قضية تذكّر بحادث واقعي.

داليا ماهر (القاهرة )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».