معاناة ناجية من هجمات سبتمبر

هربت من الطابق الـ68 وما زالت تصارع اضطرابات «ما بعد الصدمة»

بيرغيرون (وسط) تغطي وجهها بسترة خلال هروبها من الطابق الثامن والستين بمركز التجارة العالمي (نيويورك تايمز) -  بيرغيرون بعد 18 عاماً من نجاتها (نيويورك تايمز)
بيرغيرون (وسط) تغطي وجهها بسترة خلال هروبها من الطابق الثامن والستين بمركز التجارة العالمي (نيويورك تايمز) - بيرغيرون بعد 18 عاماً من نجاتها (نيويورك تايمز)
TT

معاناة ناجية من هجمات سبتمبر

بيرغيرون (وسط) تغطي وجهها بسترة خلال هروبها من الطابق الثامن والستين بمركز التجارة العالمي (نيويورك تايمز) -  بيرغيرون بعد 18 عاماً من نجاتها (نيويورك تايمز)
بيرغيرون (وسط) تغطي وجهها بسترة خلال هروبها من الطابق الثامن والستين بمركز التجارة العالمي (نيويورك تايمز) - بيرغيرون بعد 18 عاماً من نجاتها (نيويورك تايمز)

لا تزال السيدة كايلا بيرغيرون قادرة على توصيف مشاهد ذلك الصباح المؤسف بتفاصيله الواقعية، كانت تتابع أعمالها في مكتبها في الطابق الثامن والستين عندما بدأ المبنى بأسره في الاهتزاز الشديد المفاجئ. ثم اندفع شخص إلى المكتب وصرخ أن طائرة قد اصطدمت في المبنى، وظنت السيدة بيرغيرون أنها ربما تكون طائرة صغيرة. ثم سرعان ما أدركت أنها لا ينبغي أن تكون مجرد طائرة شراعية صغيرة.
ثم وقع اندفاع مروع عبر درجات المبنى المظلمة والرطبة للغاية ذلك لأن الأنابيب قد انفجرت إثر تداعي ثم انهيار البرجين التوأمين.
كما يمكن للسيدة بيرغيرون وصف حياتها منذ ذلك اليوم العصيب، بما في ذلك فقدانها لوظيفتها ومصدر دخلها الوحيد، مع الإغلاق العقاري للشقة السكنية التي كانت تعيش فيها لعدم سداد الرهن المستحق، إضافة إلى إدانتها مرتين بتهمة القيادة في حالة سُكر بين، حتى العام الماضي فقط عندما جاء التشخيص من برنامج التأهيل من إدمان الكحوليات بأمر المحكمة بأنه حالة اضطراب ما بعد الصدمة الناجمة عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
تقول السيدة بيرغيرون، والتي كانت مسؤولة رفيعة المستوى في هيئة ميناء نيويورك ونيوجيرسي في عام 2001 وكانت مكاتب الهيئة تقع في البرج الشمالي من برجي التجارة: «لم أعان في حياتي من أعراض ما بعد الصدمة قط، ولم نكن من أولى المستجيبين للكارثة، ولم نكن من ضباط الشرطة، ولا من رجال الإطفاء الذين كانت مهمتهم الانطلاق إلى المبنى فور وقوع الكارثة. وقال الناس لنا كونوا سعداء لأنكم على قيد الحياة. لقد قللنا من نظرتنا إلى أنفسنا بعد تلك الحادثة المريعة، ثم تراكمت كافة الذكريات في قلوبنا على مر السنين».
خلال الـ18 عاما الماضية منذ وقوع تلك الهجمات الإرهابية، جرى تكريم ضباط الشرطة ورجال الإطفاء الذين هرعوا إلى الأبراج المشتعلة من خلال نصب تذكاري في موقع البرجين المنهارين.
وأول من أمس، تمت تلاوة أسماء الضحايا الذين لقوا حتفهم في الحادثة المريعة، كما كان معتادا في كل ذكرى سنوية تمر لهذه الكارثة الوطنية الكبيرة. حتى مع ارتفاع أعداد الأشخاص الذين يأتون لحضور تلك الذكرى السنوية من الذين أبلغوا عن إجازة مرضية من أعمالهم في ذلك اليوم المشؤوم. وكان الكونغرس الأميركي قد صوّت في يوليو (تموز) الماضي، بعد معركة عنيفة جرت الصيف الماضي تصدرها الممثل الكوميدي الأميركي جون ستيوارت، على تجديد الصندوق الذي يغطي تكاليف الرعاية الطبية للأحياء من ضحايا الهجمات.
لكن هناك الآلاف من المدنيين أمثال السيدة بيرغيرون - من الأشخاص الذين كانوا يعملون في مركز التجارة العالمي أو كانوا موجودين في المنطقة المجاورة أو المحيطة أثناء انهيار البرجين التوأمين - قد تمكنوا من النجاة أيضا. وبعض منهم نالته بعض الأعراض البدنية. والبعض الآخر لم يصبهم شيء. ولكنهم صاروا سويا جزءا مهملا للغاية من مجتمع مركز التجارة العالمي المنكوب.
ويساور الكثير منهم اليوم الشعور بقلق بالغ بأن العناية والاهتمام الوطني بات متركزا في مجالات أخرى وأن الناس سوف يتغافلون بمرور الزمن عن أولئك الذين عاينوا أحداث كارثة الحادي عشر من سبتمبر بأنفسهم، وأنهم لا يزالون عرضة للإصابة بأمراض مثل اضطراب ما بعد الصدمة.
تقول الدكتورة جاكلين مولين، مديرة البرنامج الصحي لمركز التجارة العالمي في نورثويل، والذي يوفر الرصد والعلاج لعشرات الأمراض ذات الصلة: «ليس هناك إطار زمني محدد لاضطرابات ما بعد الصدمة. ويمكن للناس الإصابة بها جراء حادثة ما وقعت منذ سنوات طويلة. وليس من الواضح في أغلب الأحيان السبب الرئيسي للإصابة بتلك الاضطرابات بعد مرور الزمن».
ومن بين 24 ألفا و550 شخصا من المستجيبين لحالات الطوارئ في البرنامج الصحي المذكور، هناك 7425 شخصا، أو نسبة 30.25 في المائة منهم، يعانون بالفعل من أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة.
ويعاني نحو 2625 شخصا ممن تمكنوا من الفرار من البرجين أو من الدمار الناجم عن الانهيار، أو نسبة 12.3 في المائة من كافة الناجين المسجلين في البرنامج الصحي، من أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة، وذلك وفقا للبيانات الصادرة عن مركز نورثويل الصحي. وهناك 675 حالة أخرى من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق الشديد، و661 شخصا آخرين يعانون مما صنفه البرنامج بأنه اضطرابات الاكتئاب الشديد.
يقول جون فيل، الذي كان مشرفا على عمليات الهدم الأخيرة في موقع البرجين المنهارين وأصبح أحد أبرز المدافعين عن صندوق حقوق التعويض الدائم لضحايا الهجمات: «تعتبر أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة من أكثر الأمراض شيوعا بين أفراد مجتمع الناجين من هجمات سبتمبر 2001».
وحتى الوقت الحاضر، لا تزال ذكرى الهجمات المريعة حية بكل تفاصيلها المؤلمة في أذهان ومخيلة الناجين منها. وتهاجمهم الكوابيس المفزعة بشأنها. ويقفزون في فزع كبير عند الاستماع إلى أصوات عالية من ارتطام أو انفجار. كما أنهم يتجنبون تماما التعرض لأي شيء يعيد على ذكراهم أحداث ذلك اليوم المشؤوم.
تقول الدكتورة راشيل يهودا، أستاذة ونائبة رئيسة قسم الطب النفسي لدى كلية إيشان للطب الملحقة بمستشفى ماونت سيناي، أن الأبحاث أظهرت أن الناس الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من الصدمة ولا يعانون حتى الآن من أعراضها ربما تهاجمهم تلك الأعراض في أوقات لاحقة. وأضافت أنه من المعتاد أن تظهر تلك الأعراض من خلال محفزات مجهولة المصدر في معرض حياتهم من هنا أو هناك.
ومن شأن تلك المحفزات أن تتضمن عناصر عادية من الحياة اليومية. على سبيل المثال، صباح مشرق ورائق في أواخر الصيف الذين يذكرهم بصباح الهجمات المشؤومة في الحادي عشر من سبتمبر مع تلامس ذكريات الطائرات المدنية التي اصطدمت بالبرجين التوأمين ذلك اليوم مما يعيد على أذهانهم الذكريات المماثلة.
تقول ليلى نوردستورم، التي كانت طالبة في السنة النهائية في مدرسة ستويفيسانت الثانوية في منهاتن السفلى عام 2001 وتعيش اليوم في مدينة لوس أنجليس: «منذ أن كنت أبلغ 17 عاما من عمري، لم أعد أتحمل الاستماع إلى صوت الطائرات المدنية أو حتى المروحيات التي تحلق في جو السماء. وإن كنت في المرور وانطلق بوق إحدى السيارات عاليا فإنني أصاب بنوبة ذعر شديدة وطويلة الأمد. ولقد استغرق الأمر مني وقتا كبيرا حتى أدركت ما كان يحدث وأنه يتصل فعلا بما حدث في الحادي عشر من سبتمبر».
وأضافت تقول إنها حصلت على شهادة طبية تفيد وتؤكد إصابتها بأعراض اضطرابات ما بعد الصدمة ضمن إطار البرنامج الصحي لمركز التجارة العالمي في نورثويل في عام 2015.

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي خلفه الهجوم المزدوج في ريحانلي عام 2013 (أرشيفية)

تركيا: القبض على مطلوب متورط في هجوم إرهابي وقع عام 2013

أُلقي القبض على أحد المسؤولين عن التفجير الإرهابي المزدوج، بسيارتين ملغومتين، الذي وقع في بلدة ريحانلي (الريحانية)، التابعة لولاية هطاي جنوب تركيا، عام 2013

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

عزام أحمد (إسلام آباد - كابل)
أوروبا استنفار أمني ألماني في برلين (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: دراسة تكشف استمرار ارتباط كراهية اليهود باليمين المتطرف بشكل وثيق

انتهت نتائج دراسة في ألمانيا إلى أن كراهية اليهود لا تزال مرتبطة بشكل وثيق باليمين المتطرف.

«الشرق الأوسط» (بوتسدام )

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».