عندما جلس إيساي بريكيت في صالة البيت مع والدته، ووالده، وإخوانه الأربعة، كان الوحيد الذي يرتدي نظارة غوغل. وخلال تحديق إيساي، الذي كان يبلغ 10 سنوات من العمر في ذلك الوقت، عبر النظارات الرقمية، كان أفراد عائلته يرسمون على وجوههم ملامح مختلفة كالفرح والحزن والمفاجأة والغضب والملل، فحاول أنّ يحدّد كلّ شعور منها. وفي إحدى المرّات، أبلغته النظارة ما إذا كان تعريفه صحيحا أم خاطئا عبر عرض رموز رقمية صغيرة، وحده يستطيع رؤيتها. كان إيساي في عامه السادس عندما عرفت عائلته أنّه يعاني من التوحّد. ويهدف تصميم التقنية التي استخدمها الصبي في صالة البيت إلى مساعدته في تعلّم كيفية التعرّف على العواطف والتواصل بصريّاً مع من حوله. ولكنّ النظارة لن تتحقّق من صحّة خياراته ما لم ينظر مباشرة إلى وجه الشخص الموجود.
- تقنيات التوحد
اختبر إيساي وعائلته هذه التقنية في تجربة عيادية استمرّت لعدّة أسابيع تحت إشراف باحثين من جامعة ستانفورد في منطقة «باي إيريا» ومحيطها في سان فرنسيسكو. وتأتي هذه الدراسة التي نُشرت أخيراً في دورية «بدياتريكس» الصادرة عن الجمعية الطبية الأميركية، في إطار جهود متنامية لتطوير تقنيات تستهدف الأطفال الذين يعانون من التوحّد، تشمل الروبوتات التفاعلية والنظارات الرقمية.
أظهرت نتائج دراسة جامعة ستانفورد أنّ هذه الوسائل واعدة، وأكدت على إمكانية مساهمتها في مساعدة الأطفال كإيساي على فهم المشاعر والانخراط مباشرة مع الأشخاص من حولهم، لا سيّما أنّ هذه التقنيات قادرة على أداء مهمّة لطالما كانت صعبة وهي قياس تغييرات السلوك.
يعتقد الخبراء أنّ تقنيات جديدة أخرى قد تساعد بطرق مشابهة أيضاً، إذ قد يساعد التواصل مع مساعدين رقميين مثل أليكسا من أمازون مثلاً، الأطفال الذين يخطئون في استخدام أسمائهم الأولى. ولكن حتى مع انتشار هذه الأفكار، يشدّد الباحثون على أهميّة إخضاعها لاختبارات دقيقة لفهم تأثيراتها بشكل كامل قبل استخدامها. بدأ كاتالين فوس بتطوير برنامج لنظارة غوغل عام 2013 بعد وقت قصير من كشف غوغل النقاب عن نظارتها الرقمية وسط ضجّة كبيرة في وسائل الإعلام المحليّة. في ذلك الوقت، بدأ فوس (18 عاماً) الذي كان طالباً في السنة الأولى في جامعة ستانفورد، بتطوير تطبيق قادر على التعرّف على الصور بشكل أوتوماتيكي. عندها، فكّر الطالب في أحد أقربائه الذي يعاني من التوحّد. مع تقدّمه في السنّ، كبر قريب فوس ذاك وهو يتمرّن على التعرّف على تعابير وجهه من خلال النظر إلى مرآة الحمّام. من جهته، رأى فوس أنّ نظارة غوغل قد تحسّن هذا التمرين الشائع، لأنّ برنامجه الذي يعتمد على آخر التطوّرات في عالم الرؤية الكومبيوترية، يستطيع أن يقرأ تعابير الوجه أوتوماتيكياً وأن يرصد عن كثب تعرّف أو عدم تعرّف أحدهم على المشاعر التي يراها. قال فوس: «كنت أحاول بناء برنامج يستطيع التعرّف على الوجوه، وكنت أعلم أن بعض الناس يعانون من صعوبة في هذا الأمر».
- نظارة «غوغل»
في ذلك الوقت، كانت الفترة القصيرة التي احتلّت فيها نظارة غوغل Google Glass الأضواء قد اقتربت من نهايتها، فتوقّفت الشركة عن بيع الأداة للمستهلكين وسط مخاوف من اختراق الكاميرا التي تضمّها النظارة لخصوصية المستخدمين.
ولكنّ نظارة غوغل استمرّت على شكل أداة يستخدمها الباحثون والشركات. أمضى فوس، الذي يتحضّر اليوم للحصول على شهادة الدكتوراه، السنوات التالية في تطوير تطبيقه بالتعاون مع دنيس وول، أستاذ متخصص في بحوث التوحّد في جامعة ستانفورد وآخرين.
تعتبر التجربة السريرية التي أجراها وول وفوس على مدار سنتين وشملت 71 طفلاً، الأولى من نوعها في هذا المجال، وتناولت كلّ شيء من أنواع التوحّد الشديدة التي تنطوي على اضطرابات في الكلام وحساسيات لمسية، إلى الأنواع الأقلّ حدّة. كشف فوس أنّ الأطفال الذين استخدموا هذه النظارة في منازلهم أظهروا تقدّماً كبيراً على مقياس «فاينلاند أدابتيف بيهيفور»، وهو عبارة عن أداة معيارية لمراقبة سلوك الأشخاص الذين يعانون من الطيف التوحّدي.
من جهته، قال جيفري بريكيت والد إيساي، إنّه شارك في هذه الدراسة لأنّه عرف أنّها ستروق لابنه الذي يستمتع باستخدام تطبيقات الآيباد ومشاهدة الأفلام. وأضاف «أنه يتفاعل جيّداً مع الناس، ولكنّه يتفاعل بشكل أفضل مع التكنولوجيا». لم يتمكّن بريكيت من تحديد ما إذا كانت نظارة غوغل قد ساعدت ابنه فعلاً على التعرّف إلى المشاعر، ولكنّه لاحظ تحسّناً كبيراً في قدرة إيساي في مهارة التواصل البصري. وقالت هيذر كروهورست، التي تعيش في منطقة قريبة من سكرامنتو، كاليفورنيا، إنّها لاحظت نتيجة مشابهة على ابنها توماس (8 سنوات) الذي شارك أيضاً بالتجربة. ولكنّ الأخير لم ينجذب كليّاً إلى العلاج الرقمي واصفاً إيّاه بـ«المملّ نوعاً ما».
من جهتها، رأت كاثرين لورد، عالمة نفس عيادية في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، ومتخصصة في تشخيص وعلاج التوحّد أنّ الخوف في هذا النوع من الدراسات ينبع من كونها تعتمد على مراقبات الأهل الذين يساعدون أولادهم على استخدام التقنية. ولكنّ الأهل على دراية تامّة بالتدخّل التقني، ما يعني أنّ ملاحظاتهم قد لا تكون موثوقة.
ومع ذلك، ما زال فريق ستانفورد يرى في دراسته خطوة أولية باتجاه استخدام هذه التقنية وغيرها في عالم التوحّد. وأسند الفريق رخصة تطوير هذه التقنية إلى شركة «كوجنوا» الناشئة التي أسسها وول في سيليكون فالي. وتأمل الشركة أن تبدأ ببيع الوسيلة الرقمية فور حصولها على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية، التي تشرف على استخدام الأجهزة الطبية في البلاد. ولكنّ هذا الأمر لن يحدث قبل مرور سنوات من اليوم.
- أدوات تعليمية
تستخدم شركات أخرى شبيهة هذه التقنية ولكن في مقاربة مختلفة. فقد عمدت شركة «برين باور» في ماساشوستس، إلى تطوير برنامج مشابه لنظارة غوغل وهي اليوم تبيع تقنيتها في المدارس المحليّة. وتصنّف الشركة تقنيتها كأداة تعليمية لا كجهاز طبي.
يعمل باتريك دالي، المشرف المساعد على قطاع المدارس في منطقة «نورث ريدينغ»، على اختبار تقنية «برين باور» Brain Power بعد أن راقب تأثيرها على ابنه (تسع سنوات) الذي يعاني من التوحد أيضاً. ويعتزم القطاع اختبار التقنية خلال السنوات القليلة المقبلة.
وكان القطاع قد حاول في السابق تعليم مهارات مماثلة بواسطة أجهزة الآيباد، إلّا أنّ دالي يرى في تقنية نظارة غوغل تحسّناً كبيراً، معتبراً «أنّها قادرة فعلاً على تعزيز التواصل البصري، إذ إنّ الأطفال لا ينظرون إلى الأسفل أثناء تعلّمهم المشاعر من خلالها». وأخيراً، تطبّق شركة «روبو كايند» الناشئة في دالاس، الفلسفة نفسها على أدوات مختلفة. فقد أمضت الشركة السنوات القليلة الماضية في تصميم روبوت مهمّته تعليم الكثير من المهارات نفسها التي تركّز عليها النظارة. يقلّد الروبوت «ميلو» Milo الذي يبدو كالدمية ولا يتجاوز طوله 60 سنتمترا، المشاعر البشرية الأساسية ويحاول الحفاظ على التواصل البصري مع الطلاب. كما أنّه يطرح أسئلة ويحاول إشراك الطلاب في محادثات بسيطة.
باعت «روبو كايند» مئات من هذا الروبوت لمدارس من أجل اختباره. يبلغ سعر الجهاز الواحد 12000 دولار، بالإضافة إلى 3500 دولار مقابل أي برنامج إضافي.
- خدمة «نيويورك تايمز»
«نظارة غوغل»... لتعليم أطفال التوحّد
تساعد في تعلّم كيفية التعرّف على العواطف والتواصل بصريّاً مع الآخرين
«نظارة غوغل»... لتعليم أطفال التوحّد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة