في المصانع التي تستخدم الفحم كأحد مصادر الطاقة تتم معالجة أكاسيد النيتروجين، كأحد نواتج الاحتراق الثانوية غير المرغوب فيها، بتوظيف الأنظمة التي تُعرف باسم التخفيض التحفيزي الانتقائي (Selective Catalytic Reduction). إلا أن القلويات الموجود في محاصيل الكتلة الحيوية تعمل على إلغاء تنشيط المحفز المستخدم في تلك الأنظمة بعد فترة وجيزة، الأمر الذي ينبغي معه البحث عن محفز أكثر مقاومة للقلويات.
وتشير «الكتلة الحيوية» في صناعة الطاقة إلى المواد التي كانت حية إلى وقت قريب، والتي يمكن استخدامها كوقود، وتأتي في مقدمتها البقايا الزراعية، وكان يُعتقد أن أكاسيد النيتروجين، تمثل أحد نواتج احتراقها الثانوية، وأن ثاني أكسيد الكربون يأتي في المقدمة، لكن دراسة جديدة نُشرت في يونيو (حزيران) الماضي بدورية «رينيوابل إنيرجي - Renewable Energy» لباحث مصري بكلية الكيمياء والهندسة الكيميائية بجامعة كوينز ببلفاست بآيرلندا الشمالية، أثبتت أن أكاسيد النيتروجين تأتي في المقدمة، الأمر الذي يعطي زخماً للجهود الرامية للتوصل لحلول تقضي على انبعاثاتها في أثناء حرق الكتلة الحيوية، وهو ما شارك فيه الباحث أيضاً خلال الدراسة، بطرح أحد الحلول.
واستخدم الباحث جهاز مطياف الكتلة «Mass spectrometry» وهو وسيلة تحليلية لتحديد العناصر المكونة لمادة أو جزيء ما لاستكشاف نواتج حرق ثلاثة مخلفات ركزت عليها الدراسة هي: قشور البطاطا وقشور البرتقال وحشيشة الفيل، وكانت أكاسيد النيتروجين في المقدمة بنسبة 200 جزء من المليون (ppm) يليها ثاني أكسيد الكربون (187 ppm).
محفز دينوكس
وعملت عده مشروعات بحثية منها مشروع لقسم الهندسة الكيميائية بالجامعة التقنية في الدنمارك عام 2013 على تجربة استخدام محفز «دينوكس – DeNOx» المشكّل من البلاتنيوم وأكسيد التيتانيوم، ليعمل على اختزال أكاسيد النيتروجين عند حرق الكتلة الحيوية، لكن كان يعيب هذا البحث وغيره من الأبحاث التي عملت على تجربة محفزات تختزل أكاسيد النيتروجين، أنها استخدمت أكاسيد النيتروجين في صورته النقية، لاختبار كفاءة العامل المحفز في اختزاله.
ولكن ما يميز البحث الحالي هو تنفيذ تجربة حقيقية للحرق، تم خلالها اختبار كفاءة العامل المحفز في اختزال أكسيد النيتروجين عند وجوده وسط عناصر أخرى، كما تم الحصول على الأمونيا المستخدمة مع العامل المحفز بشكل غير مباشر، وليس بصورة مباشرة كما في البحث السابق.
يقول أحمد إبراهيم عثمان، الباحث في «جامعة كوينز» في بلفاسات لـ«الشرق الأوسط»: «في التجربة التي تم تنفيذها بالبحث يتم حرق المخلفات لتمر أكاسيد النيتروجين على مركب اليوريا، ومع درجات الحرارة العالية يحدث تفاعل تنتج عنه الأمونيا من اليوريا، ومن ثم تعمل الأمونيا في وجود العامل المحفز (دينوكس) على اختزال أكاسيد النيتروجين وتحويلها إلى نيتروجين وأكسجين».
واستُخدمت الأمونيا بمفردها في طريقة تُعرف باسم الاختزال الانتقائي غير الحفزي (SNCR) وفيها يتم حقن الأمونيا أو اليوريا مباشرةً في أفران الحرق وتُخلط مع غازات المداخن الساخنة، لتتفاعل الأمونيا مع أكاسيد النيتروجين لإنتاج الماء والنيتروجين، وتسهم تلك الطريقة في الحد من انبعاثات 90% من أكاسيد النيتروجين، غير أن الطريقة التي وصفها عثمان استطاعت اختزال كمية كبيرة من أكاسيد النيتروجين الناتجة عن حرق قشور البرتقال والبطاطس وحشيشة الفيل من 200 جزء من المليون (ppm) إلى 5 - 6 (ppm)، وهي نسبة ضئيلة جداً لا تسبب الأخطار التي يُخشى من أن تسبب أكاسيد النيتروجين في حدوثها.
وتؤدي أكاسيد النيتروجين إلى حدوث ظاهرة الأمطار الحمضية التي تسبب تأثيرات سلبية كبيرة على البيئة، كما يمكن أن تتسبب في حدوث ثقب بطبقة الأوزون، وتعوق هذه الأضرار التوسع في استخدام الكتلة الحيوية كأحد مصادر الطاقة المهمة.
واختار عثمان إجراء بحثه على مخلفات قشر البرتقال وقشر البطاطا باعتبارهما بقايا لأكثر المحاصيل استهلاكاً على مستوى العالم، واستُخدمت حشيشة الفيل كمصدر ثالث للمقارنة بين النتائج.
ويقول عثمان: «النتائج التي تحققت مع هذه المصادر الثلاثة تصلح للتطبيق مع أي بقايا زراعية، لأن أغلبها يشترك في احتوائه على عناصر الكربون (40%)، والهيدروجين (5.7%)، والنيتروجين (2%)، والكبريت (0.25%)».
ورغم أن الاستفادة من نواتج الحرق لم تكن ضمن أهداف البحث، فإن الباحث وجد قيمة مضافة لنواتج حرق قشر البطاطا. ويضيف: «وجدت أن رماد الحرق الخاص بقشر البطاطا يحتوي على نسبة 23.8% بوتاسيوم، وهو مخصب زراعي مهم».
دراسة جديدة
ويثني تامر إسماعيل، أستاذ مساعد الهندسة الكيميائية بكلية الهندسة جامعة قناة السويس، على كون الطريقة التي استخدمها الباحث قدمت تجربة حقيقية في أثناء الاحتراق، وتختزل أكاسيد النيتروجين بنسبة أكبر من طريقة الاختزال الانتقائي غير الحفزي (SNCR)، لكن يرى في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن مشكلة هذه الطريقة هي في ارتفاع التكلفة.
وتتفق جيهان قطب، المدرس بقسم الهندسة الكيميائية في كلية الهندسة بجامعة المنيا، مع الرأي السابق، وتتساءل في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، عن أسباب اختيار العامل المحفز «دينوكس» المشكل من البلاتنيوم وأكسيد التيتانيوم، وهو ذو سعر مرتفع جداً.
وتحمل دراسة جديدة للباحث أحمد إبراهيم عثمان سيتم نشرها قريباً، وتعد استكمالاً لهذه الدراسة، إجابة عن كثير من هذه الأسئلة. ويقول عثمان: «بالنسبة إلى ارتفاع تكلفة العامل المحفز، فإننا توصلنا إلى عامل محفز تم تحضيره من البقايا الزراعية، ليكون بديلاً للعامل المحفز دينوكس، وسيفيد ذلك بشكل كبير في تقليل التكلفة إلى حد كبير». ويهدف هذا العمل الجديد إلى تقليل التكلفة والوصول إلى نفس مواصفات العامل المحفز دينوكس.