طريقة مبتكرة لإزالة أكاسيد النيتروجين المسببة للأمطار الحمضية

تسهم في القضاء على انبعاثاتها نتيجة احتراق الفحم

رسم يوضح الخطوات التي استخدمها الباحث أحمد إبراهيم
رسم يوضح الخطوات التي استخدمها الباحث أحمد إبراهيم
TT

طريقة مبتكرة لإزالة أكاسيد النيتروجين المسببة للأمطار الحمضية

رسم يوضح الخطوات التي استخدمها الباحث أحمد إبراهيم
رسم يوضح الخطوات التي استخدمها الباحث أحمد إبراهيم

في المصانع التي تستخدم الفحم كأحد مصادر الطاقة تتم معالجة أكاسيد النيتروجين، كأحد نواتج الاحتراق الثانوية غير المرغوب فيها، بتوظيف الأنظمة التي تُعرف باسم التخفيض التحفيزي الانتقائي (Selective Catalytic Reduction). إلا أن القلويات الموجود في محاصيل الكتلة الحيوية تعمل على إلغاء تنشيط المحفز المستخدم في تلك الأنظمة بعد فترة وجيزة، الأمر الذي ينبغي معه البحث عن محفز أكثر مقاومة للقلويات.
وتشير «الكتلة الحيوية» في صناعة الطاقة إلى المواد التي كانت حية إلى وقت قريب، والتي يمكن استخدامها كوقود، وتأتي في مقدمتها البقايا الزراعية، وكان يُعتقد أن أكاسيد النيتروجين، تمثل أحد نواتج احتراقها الثانوية، وأن ثاني أكسيد الكربون يأتي في المقدمة، لكن دراسة جديدة نُشرت في يونيو (حزيران) الماضي بدورية «رينيوابل إنيرجي - Renewable Energy» لباحث مصري بكلية الكيمياء والهندسة الكيميائية بجامعة كوينز ببلفاست بآيرلندا الشمالية، أثبتت أن أكاسيد النيتروجين تأتي في المقدمة، الأمر الذي يعطي زخماً للجهود الرامية للتوصل لحلول تقضي على انبعاثاتها في أثناء حرق الكتلة الحيوية، وهو ما شارك فيه الباحث أيضاً خلال الدراسة، بطرح أحد الحلول.
واستخدم الباحث جهاز مطياف الكتلة «Mass spectrometry» وهو وسيلة تحليلية لتحديد العناصر المكونة لمادة أو جزيء ما لاستكشاف نواتج حرق ثلاثة مخلفات ركزت عليها الدراسة هي: قشور البطاطا وقشور البرتقال وحشيشة الفيل، وكانت أكاسيد النيتروجين في المقدمة بنسبة 200 جزء من المليون (ppm) يليها ثاني أكسيد الكربون (187 ppm).

محفز دينوكس
وعملت عده مشروعات بحثية منها مشروع لقسم الهندسة الكيميائية بالجامعة التقنية في الدنمارك عام 2013 على تجربة استخدام محفز «دينوكس – DeNOx» المشكّل من البلاتنيوم وأكسيد التيتانيوم، ليعمل على اختزال أكاسيد النيتروجين عند حرق الكتلة الحيوية، لكن كان يعيب هذا البحث وغيره من الأبحاث التي عملت على تجربة محفزات تختزل أكاسيد النيتروجين، أنها استخدمت أكاسيد النيتروجين في صورته النقية، لاختبار كفاءة العامل المحفز في اختزاله.
ولكن ما يميز البحث الحالي هو تنفيذ تجربة حقيقية للحرق، تم خلالها اختبار كفاءة العامل المحفز في اختزال أكسيد النيتروجين عند وجوده وسط عناصر أخرى، كما تم الحصول على الأمونيا المستخدمة مع العامل المحفز بشكل غير مباشر، وليس بصورة مباشرة كما في البحث السابق.
يقول أحمد إبراهيم عثمان، الباحث في «جامعة كوينز» في بلفاسات لـ«الشرق الأوسط»: «في التجربة التي تم تنفيذها بالبحث يتم حرق المخلفات لتمر أكاسيد النيتروجين على مركب اليوريا، ومع درجات الحرارة العالية يحدث تفاعل تنتج عنه الأمونيا من اليوريا، ومن ثم تعمل الأمونيا في وجود العامل المحفز (دينوكس) على اختزال أكاسيد النيتروجين وتحويلها إلى نيتروجين وأكسجين».
واستُخدمت الأمونيا بمفردها في طريقة تُعرف باسم الاختزال الانتقائي غير الحفزي (SNCR) وفيها يتم حقن الأمونيا أو اليوريا مباشرةً في أفران الحرق وتُخلط مع غازات المداخن الساخنة، لتتفاعل الأمونيا مع أكاسيد النيتروجين لإنتاج الماء والنيتروجين، وتسهم تلك الطريقة في الحد من انبعاثات 90% من أكاسيد النيتروجين، غير أن الطريقة التي وصفها عثمان استطاعت اختزال كمية كبيرة من أكاسيد النيتروجين الناتجة عن حرق قشور البرتقال والبطاطس وحشيشة الفيل من 200 جزء من المليون (ppm) إلى 5 - 6 (ppm)، وهي نسبة ضئيلة جداً لا تسبب الأخطار التي يُخشى من أن تسبب أكاسيد النيتروجين في حدوثها.
وتؤدي أكاسيد النيتروجين إلى حدوث ظاهرة الأمطار الحمضية التي تسبب تأثيرات سلبية كبيرة على البيئة، كما يمكن أن تتسبب في حدوث ثقب بطبقة الأوزون، وتعوق هذه الأضرار التوسع في استخدام الكتلة الحيوية كأحد مصادر الطاقة المهمة.
واختار عثمان إجراء بحثه على مخلفات قشر البرتقال وقشر البطاطا باعتبارهما بقايا لأكثر المحاصيل استهلاكاً على مستوى العالم، واستُخدمت حشيشة الفيل كمصدر ثالث للمقارنة بين النتائج.
ويقول عثمان: «النتائج التي تحققت مع هذه المصادر الثلاثة تصلح للتطبيق مع أي بقايا زراعية، لأن أغلبها يشترك في احتوائه على عناصر الكربون (40%)، والهيدروجين (5.7%)، والنيتروجين (2%)، والكبريت (0.25%)».
ورغم أن الاستفادة من نواتج الحرق لم تكن ضمن أهداف البحث، فإن الباحث وجد قيمة مضافة لنواتج حرق قشر البطاطا. ويضيف: «وجدت أن رماد الحرق الخاص بقشر البطاطا يحتوي على نسبة 23.8% بوتاسيوم، وهو مخصب زراعي مهم».

دراسة جديدة
ويثني تامر إسماعيل، أستاذ مساعد الهندسة الكيميائية بكلية الهندسة جامعة قناة السويس، على كون الطريقة التي استخدمها الباحث قدمت تجربة حقيقية في أثناء الاحتراق، وتختزل أكاسيد النيتروجين بنسبة أكبر من طريقة الاختزال الانتقائي غير الحفزي (SNCR)، لكن يرى في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن مشكلة هذه الطريقة هي في ارتفاع التكلفة.
وتتفق جيهان قطب، المدرس بقسم الهندسة الكيميائية في كلية الهندسة بجامعة المنيا، مع الرأي السابق، وتتساءل في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، عن أسباب اختيار العامل المحفز «دينوكس» المشكل من البلاتنيوم وأكسيد التيتانيوم، وهو ذو سعر مرتفع جداً.
وتحمل دراسة جديدة للباحث أحمد إبراهيم عثمان سيتم نشرها قريباً، وتعد استكمالاً لهذه الدراسة، إجابة عن كثير من هذه الأسئلة. ويقول عثمان: «بالنسبة إلى ارتفاع تكلفة العامل المحفز، فإننا توصلنا إلى عامل محفز تم تحضيره من البقايا الزراعية، ليكون بديلاً للعامل المحفز دينوكس، وسيفيد ذلك بشكل كبير في تقليل التكلفة إلى حد كبير». ويهدف هذا العمل الجديد إلى تقليل التكلفة والوصول إلى نفس مواصفات العامل المحفز دينوكس.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«حركة تحرر عالمية» لحماية وسائل التواصل الاجتماعي من المليارديرات

حواجز لمنع تحكم المليارديرات في وسائل التواصل الاجتماعي
حواجز لمنع تحكم المليارديرات في وسائل التواصل الاجتماعي
TT

«حركة تحرر عالمية» لحماية وسائل التواصل الاجتماعي من المليارديرات

حواجز لمنع تحكم المليارديرات في وسائل التواصل الاجتماعي
حواجز لمنع تحكم المليارديرات في وسائل التواصل الاجتماعي

على مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحت المخاوف بشأن استخدام المليارديرات المنافذ الإعلامية التي يمتلكونها لتعزيز معتقداتهم، مصدر قلق متزايد.

مليارديرات التواصل الاجتماعي

مثلاً، يمتلك جيف بيزوس صحيفة «واشنطن بوست»، بينما يمتلك إيلون ماسك منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، وقد يكون من المتسابقين لشراء «تيك توك»، إن صح تقرير «بلومبرغ».

ودونالد ترمب –بالطبع- يمتلك حصة الأغلبية في «تروث سوشيال» Truth Social، بينما أعلن مارك زوكربيرغ الذي يمتلك حصة مسيطرة في «ميتا» أخيراً إلغاء تقنيات التحقق في «فيسبوك» و«ثريد» و«إنستغرام».

انتزاع الوسائط من أغنياء العالم

والآن، هناك جهد جارٍ يأمل في انتزاع جزء على الأقل من عالم وسائل التواصل الاجتماعي، بعيداً عن أغنى أغنياء العالم.

وقد طُرحت مبادرة تسمى «حرروا محتوياتنا المبثوثة»Free Our Feeds ، وهي تدفع نحو توجهات لدعم التكنولوجيا الحمائية التي تحمي وتدعم منصة «بليوسكي» Bluesky، التي تسمى «بروتوكول AT»، وذلك بهدف استخدامها لإنشاء نظام بيئي مفتوح لوسائل التواصل الاجتماعي. (وفقاً لـ«الويكيبيديا الإنجليزية»، فإن Authenticated Transfer Protocol أي «بروتوكول النقل المعتمد»، هو معيار مفتوح لخدمات الشبكات الاجتماعية اللامركزية. وهو قيد التطوير بواسطة منصة «بليوسكي»، وهي شركة ذات منفعة عامة تم إنشاؤها في الأصل بوصفها مجموعة بحثية مستقلة داخل «تويتر» للتحقيق في إمكانية لا مركزية الخدمة- المحرر).

تقنية تمنع تحكم الأشخاص بها

فكِّر في الأمر على أنه تشفير لوسائل التواصل الاجتماعي، وهي تقنية مصممة بطريقة يقول الداعمون لها إنه لا يمكن لأي شخص التحكم فيها.

تم تنظيم حركة تحرير المحتويات المبثوثة بشكل مستقل عن «بليوسكي»، من قبل مجموعة من رواد الأعمال والمدافعين عن التكنولوجيا، من مؤسسة «موزيلا» Mozilla و«نومينو إيه آي» Numeno AI، وجهات أخرى. وهي حركة صغيرة حتى الآن، وتواجه صعوبات هائلة؛ لكنها تحظى بدعم بعض الأسماء البارزة، بمن في ذلك: جيمي ويلز، مؤسس «ويكيبيديا»، والممثل مارك روفالو، والداعم المبكر لـ«فيسبوك» روغر ماكنامي، والموسيقي برايان إينو.

وقف تركيز السلطة واستقطاب النشر

وكتبت المجموعة في منشور على مدونة: «الساحة العمومية اليوم تقع على (أرضية) ملكية خاصة... إن العواقب الضارة التي تترتب على هذا الوضع الراهن على المجتمع متنوعة وموثقة جيداً: تركيز الأرباح والسلطة، وتدهور المعلومات والجوانب الإعلامية، وظهور المحتوى الاستقطابي، والتضليل والمضايقات عبر الإنترنت، وتدهور الصحة العقلية، والمزيد».

تأمَل الحملة في جمع 4 ملايين دولار في البداية، لتحقيق هدف مدته 3 سنوات، بقيمة 30 مليون دولار. سيتم استخدام هذه الأموال لإنشاء مؤسسة تدعم بروتوكول AT وبناء البنية الأساسية التي تتضمن نظام تتابع آخر، وهو في الأساس نسخة احتياطية لجميع المحتوى على الشبكة، ما يسمح للمستخدمين بالوصول إلى المنشورات، حتى لو قامت «بليوسكي» بتقييد الوصول إلى البيانات. كما تخطط لتمويل المطورين لإنشاء نظام بيئي للتطبيقات الاجتماعية المبنية على بروتوكولات مفتوحة.

حتى الآن، جمعت المجموعة ما يزيد قليلاً عن 33 ألف دولار في يوم واحد، عبر GoFundMe، وتقول إنها تتوقع أن تكون المؤسسة المستقلة التي تشرف على بروتوكول AT جاهزة للعمل بحلول نهاية العام.

تحصينات وتأهب للمجابهة

في هذه الأثناء، أعلن موقع التواصل الاجتماعي «ماستودون» Mastodon الذي شهد زيادة في التسجيلات بعد استحواذ ماسك على «تويتر»، يوم الاثنين الماضي، أنه ينقل ملكية نظامه البيئي ومكونات المنصة إلى منظمة غير ربحية، لضمان عدم امتلاكه أو التحكم فيه من قبل فرد واحد.

وكتب الموقع في منشور على مدونته: «عندما بدأ المؤسس يوجين روشكو العمل على (ماستودون) كان تركيزه على إنشاء الرموز الكومبيوترية والشروط لنوع الوسائط الاجتماعية التي تصورها... كان الإعداد القانوني وسيلة لتحقيق غاية، وإصلاح سريع للسماح له بمواصلة العمليات. منذ البداية، أعلن أنه لن يكون للبيع وسيكون خالياً من سيطرة فرد ثري واحد».

وبينما تباطأ نمو «ماستودون» منذ الزيادة الأولية للمستخدمين له، ازداد الإقبال على «بليوسكي» الذي شهد زيادة في التسجيلات في الأشهر الأخيرة، وصلت إلى 26 مليون مستخدم في نهاية عام 2024، انضم ما يقرب من نصفهم بعد فوز دونالد ترمب في الانتخابات.

* «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».