بوتين يواجه أدنى معدلات تأييد منذ 18 سنة

ما زال يتقدم على منافسيه بفارق كبير رغم تراجع شعبيته

جانب من مظاهرة نظّمتها المعارضة بموسكو في 10 أغسطس الماضي (أ.ب)
جانب من مظاهرة نظّمتها المعارضة بموسكو في 10 أغسطس الماضي (أ.ب)
TT

بوتين يواجه أدنى معدلات تأييد منذ 18 سنة

جانب من مظاهرة نظّمتها المعارضة بموسكو في 10 أغسطس الماضي (أ.ب)
جانب من مظاهرة نظّمتها المعارضة بموسكو في 10 أغسطس الماضي (أ.ب)

يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وضعاً لم يعتده على مدى عقدين تربع فيهما على رأس هرم السلطة في روسيا وتحول بلا منازع إلى «زعيم للأمة»، وفقاً للتسمية التي أُطلقت عليه في الفترة التي أعقبت تسلمه رئاسة الوزراء ثم عودته إلى الكرملين رئيساً للبلاد في عام 2012، إذ أظهرت نتائج دراسات حديثة للرأي العام تراجعاً واسعاً في نسب تأييد «سيد الكرملين»، رغم أنه ما زال يحافظ على مكانته، متقدماً بفارق كبير جداً على كل الشخصيات السياسية التي خاضت المنافسة على مقعد الرئاسة أمامه خلال انتخابات العام الماضي.
ووفقاً لدراسة أجراها مركز «دراسات الرأي العام» المرموق، فإن نسبة الروس الذين أبدوا استعداداً لمنح أصواتهم للرئيس الروسي حالياً لا تتجاوز 43%، وهذه نسبة لافتة بالنسبة إلى الرئيس الذي حصد في استحقاق الانتخابات الرئاسية العام الماضي أصوات نحو 80% من الروس. لكن الأهم من ذلك أن هذه النسبة تمثل تراجعاً غير مسبوق، إذ لم يسبق أن تدهورت نسب تأييد بوتين إلى هذا المستوى إلا في عام 2001، أي بعد عام واحد على تسلمه الرئاسة للمرة الأولى وكان في حينها يواجه تعقيدات داخلية وخارجية حادة، وحصل وفقاً لدراسة أجراها المركز ذاته على تأييد 42% من الروس فقط.
اللافت أن الدراسة الواسعة التي نُشر بعض نتائجها أول من أمس، دلّت على أن معدلات تراجع نسب التأييد للرئيس الروسي شهدت تسارعاً متزايداً خلال الشهور الأخيرة. وفي الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، خسر بوتين ثلاث نقاط على خلفية الهزات التي أحدثتها مظاهرات المعارضة في موسكو والكوارث المتلاحقة من حريق الغابات في سيبيريا إلى الانفجارات المتتالية التي وقعت في غواصة نووية شمال غربي البلاد، ثم في مستودع ضخم للسلاح قبل أن يقع حادث انفجار في قاعدة تجارب صاروخية قبل أسبوع.
وأظهرت الدراسة أن 36% من المستطلعين في أوساط الشرائح التي تعلن تقليدياً تأييدها سياسات الرئيس الروسي قالوا خلال الأسبوع الماضي إن ثقتهم ببوتين تراجعت، في مقابل 32% أعلنوا عن هذا الرأي الأسبوع الذي سبقه، ما يعكس وتيرة متسارعة لاتساع الفئات التي باتت تعلن عن موقف واضح في هذا الشأن بالمقارنة مع السنوات الماضية.
في المقابل، زادت نسب الفئات التي باتت تجد صعوبة أكبر في تحديد موقفها، إلى نحو 49% من الروس، وهذا أيضاً رقم غير مسبوق في الشارع الروسي.
لكن رغم ذلك، لا يمكن القول إن نتائج هذه الدراسات تعكس تغييراً في نظرة الروس إلى الطبقة السياسية ككل التي يبقى بوتين الزعيم الأبرز فيها من دون منازع، إذ دلت نتائج الدراسة على أن أقرب «منافسي» بوتين ما زال على مسافة بعيدة، وحصل مرشحا الرئاسة في العام الماضي من الحزب الشيوعي والحزب الليبرالي الديمقراطي على نسبة لا تتجاوز 10% لكل منهما، فيما لم يحصد أيٌّ من المنافسين الآخرين من الأحزاب الصغرى أكثر من 2%.
وقال خبراء إن النتائج تُظهر بجلاء تبدلاً في المزاج العام، لجهة أن الروس «لم يكونوا في السابق يحمّلون الرئيس شخصياً المسؤولية عن الكوارث الطبيعية أو الحوادث التقنية أو الأوضاع المعيشية»، وفقاً للخبير فيتالي كيرتمان، الذي أضاف أن الرموز السياسية القريبة من بوتين باتت تتحمل من وجهة نظر المواطنين مسؤولية مباشرة، و«هذا أمر مثير للقلق للغاية، يتم توجيه السخط إلى قيادة البلاد وبوتين شخصياً كضامن للاستقرار».
في حين رأى المحلل السياسي قسطنطين كالاتشيف، أن «بوتين في السلطة لفترة طويلة وأصبحت سياساته متوقعة ورتيبة إلى حد ما، لم يعد يدهش المواطنين، وأجندته الداخلية لم تعد مقنعة بما فيه الكفاية بسبب فشل خطط التنمية، في حين لم يعد موضوع السياسة الخارجية وعنصر الضغوط التي تتعرض لها روسيا كافية لحشد التأييد». وبرأي عالم السياسة عباس غلياموف، فإن «الناس باتوا يدركون أن شعار (السلطة القوية) الذي كان جذاباً للمواطنين في سنوات سابقة بات يخفي ملامح عادية لنموذج الاستبداد والفساد».
ووفقاً لدراسة سابقة، كان مركز «ليفادا» المستقل قد أجراها الشهر الماضي، فإن 38% من الروس أعلنوا أنهم لا يريدون أن يبقى بوتين رئيساً لروسيا بعد انتهاء ولايته الحالية عام 2024، في مقابل 54% من المستطلعين قالوا إنهم يريدون بقاء بوتين في الكرملين بعد 2024. وقال ليف غودكوف، مدير مركز «ليفادا»، إن اللافت في الدراسة أن أكثر الفئات انتقاداً لرئيس الدولة الحالي هم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و30 عاماً، والأفضل حالاً وأكثر تعليماً، لافتة إلى أن «هذه الفئات ستحدد النبرة العامة للمزاج العام في البلاد بعد فترة».
في هذه الأجواء، وبالتزامن مع تراجع معدلات الثقة بأداء الرئيس والنخبة السياسية القريبة منه، برزت مؤشرات تفسّر جانباً من أسباب تصاعد مزاج التذمر في البلاد خلال الفترة الأخيرة، إذ لفتت دراسة موازية أجراها مركز دراسات الرأي العام إلى أن أكثر من 60% من الروس ليسوا مستعدين لوضع خطط بعيدة للمستقبل بسبب شعورهم بعدم استقرار أوضاعهم المعيشية والاقتصادية.
ووفقاً للدراسة، فقد قال خُمس المشاركين في الاستطلاع إنهم «فقدوا الثقة باحتمال وقوع تطور إيجابي قريباً» مع انخفاض مستوى المعيشة، وانخفاض الرواتب والمعاشات التقاعدية. في المقابل، أعلن 41% أنهم يفضلون وضع خطط لفترة متوسطة حتى لو كانت لديهم نسبة معينة من المخاطرة بعدم نجاح خططهم، وأجاب 16% بأنهم قادرون على التخطيط لفترات طويلة لمستقبلهم.
ولا تعكس تلك الأرقام والنسب، وفقاً للخبراء، فقدان الثقة بوقوع تطورات إيجابية على الأوضاع المعيشية والاقتصادية، بل «مخاوف من أن استقرار الأوضاع وتحسن الأداء الاقتصادي يحتاج إلى فترة طويلة، ما يعرقل التفكير بوضع خطط مستقبلية».
وربطت الدراسة بين تنامي الشعور العام بالقلق وتراجع معدلات تأييد الرئيس بوتين، إذ أشار خبراء المركز إلى أن «إحدى علامات عدم الثقة بتحسن مقبل على الوضع المعيشي هي تراجع تصنيف الرئيس الحالي، وكثير من الروس يشعرون بالانزعاج وحتى بالدهشة من استمرار الدخول في الانخفاض رغم أنه تم الإعلان رسمياً أن المرحلة الحادة من الأزمة انقضت في عام 2016». وفقاً للخبراء، فقد «ترك ذلك آثاراً على آمال الروس في تحسين جودة التعليم والرعاية الصحية ومستوى المنافع الاجتماعية، وبات الروس مقتنعين بأنهم سيعملون لمدة أطول في مقابل الحصول على دخل أقل».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».