بعد منح مساجين فنلندا مفاتيح الزنزانة... ما هي نتيجة سياسة «السجون المفتوحة»؟

أحد المساجين برفقة حارسة في سجن سوومنلينا
أحد المساجين برفقة حارسة في سجن سوومنلينا
TT

بعد منح مساجين فنلندا مفاتيح الزنزانة... ما هي نتيجة سياسة «السجون المفتوحة»؟

أحد المساجين برفقة حارسة في سجن سوومنلينا
أحد المساجين برفقة حارسة في سجن سوومنلينا

ربما لا تسمع اسم فنلندا كثيراً في ساحات السياسة وأزمات المنطقة في الشرق الأوسط، ولكن تلك الدولة الإسكندنافية الصغيرة ركَّزت اهتماماتها بشكل كبير على سياسة جديدة، تتبعها داخلياً، لتنظيم السجون والسجناء، تُعرف بسياسة «السجون المفتوحة».
ففي ذلك البلد الإسكندنافي يمضي واحد من أصل ثلاثة سجناء عقوبتهم في «سجن مفتوح» في جزيرة سوومنلينا إحدى الجزر التابعة للعاصمة هلسنكي (جنوب غربي المدينة). هذا المبدأ يُعرف بـ«إعادة التأهيل الذاتي». وهو فعّال. فثمة قناعة لدى الحكومة الفنلندية بأن اتّباع هذه السياسة قد يسهم في خفض نسبة الجريمة.
كل سجين لديه مفتاح غرفته (المصممة من الخشب) وليس «زنزانته». وتوجد الغرفة في منطقة خضراء يفصلها عن الطريق العام أشجار وممرات خشبية لا أكثر. ويخلو المكان من عوائق حديدية وأبراج مراقبة. ويحق للسجناء الدخول والخروج من المجمع - السجن للعمل أو الدراسة في المدينة خلال النهار. وعلى رغم من هذه الحرية المطلقة لم يحاول أحد الهروب منذ إنشاء هذا المشروع، وفق تقرير نشرته مؤخرا لصحيفة «ليكسبرس» الفرنسية.
يرى القيّمون على بناء هذا السجن في هذه الجزيرة «أي مقارنة مع غيرها من الجزر في دول أخرى حيث قضى سجناء مدة عقوبتهم، لن تكون مفيدة، إذ ارتبط سجن جزيرة روبن - الذي كان أكثر سجون جنوب أفريقيا إثارة للرعب ارتباطاً لا ينفصم بالرئيس نيلسون مانديلا».
وسجن جزيرة سوومنليا هو واحد من «السجون المفتوحة» الـ15 في فنلندا، حيث إن مبدأ «التأهيل الذاتي» هو الأساس ويحل مكان القمع، وفق تقرير لصحيفة «ليكسبرس» الفرنسية.
وتعتبر سوومنلينا التي يعيش فيها نحو 750 نسمة (دون احتساب 100 سجين) وجهة ترفيهية. تتوفّر فيها محلات لبيع التذكارات، ومكاتب سياحية، ومطاعم وغيرها.
للوصول إلى تلك الجزيرة، على السائح ركوب العبارة التي تغادر من ساحة سوق هيلسنكي ثلاث مرات في الساعة. وتستغرق مدة الوصول إلى الجزيرة السياحية ربع ساعة.
ويقدَّر عدد السياح بحسب صحيفة «ليكسبرس» الفرنسية الوافدين إلى تلك الجزيرة بمليون شخص سنوياً.

وكانت سوومنلينا تعرف بفيابوري (Viapori) حتى عام 1918. وهي قلعة بحرية مأهولة بنيت على ستة جزر وهي تشكل الآن جزءاً من العاصمة الفنلندية هلسنكي.
ويضم سجن هذه الجزيرة الذي افتتح عام 1971. العديد من القتلة، وعشرات المدانين مدى الحياة، وواحداً أو اثنين من المتحرشين بالأطفال، وهو ليس بعيداً عن الجامعات.
توضح الصحيفة أن المكان يشبه وجهات التخييم الصيفية، ويضم ملعباً لكرة السلّة، وصالة لممارسة الرياضة البدنية، ومساحات واسعة يقيم فيها السجناء حفل شواء بالقرب من بحيرة البط.
سوار إلكتروني يحدد مكان وجود السجناء
ونقلت الصحيفة عن المسؤولة الميدانية عن المجمع سينيكا سرليلا قولها: «رغم أنه مكان ينعم فيه السجناء بالحرية فإن السجناء يلبسون سواراً إلكترونياً يُعلِمنا بمكانهم في أي وقت. وإذا تخلَّص منه السجين يتم تشغيل جهاز الإنذار على الفور». وشددت على أن «السجن يعتمد نظاماً تدرجياً نحو الحرية الكاملة».
وأكدت أن «السجناء يخضعون لفحص يقيس مستوى الكحول في الدم واختبارات البول لأن 90 في المائة من السجناء يعانون من إدمان على الكحول، وفي حال كان الاختبار إيجابياً يتلقون إنذاراً وفي حال تكرار الخطأ ذاته يتم نقلهم إلى سجن مغلق حيث بدأوا عقوبتهم»، ففي في هذا السجن ليس هناك أبواب ولا حواجز ولا حتى زي مخصص للسجناء.
وتشرح أن «لدى سجناء تلك الجزيرة مزرعة تضم خرافاً وأرانب، يستطيعون العمل فيها والاهتمام بالحيوانات خلال النهار، كما يمكنهم الاهتمام بالأرض من خلال زراعة الأشجار والزهور».
يحصل السجناء مقابل عملهم على 7.40 يورو في الساعة، ولديهم هواتف محمولة، ويذهبون للتسوق في المدينة، ويحصلون على ثلاثة أيام عطلة كل شهرين، يدفعون الإيجار للمؤسسة السجنية، وإذا أراد أحدهم الدراسة في جامعة بالمدينة بدل العمل في المزرعة فإنه يحصل على منحة، كما أنهم أحياناً يذهبون في رحلة صيد أو تخييم تحت إشراف فريق المراقبة، وفق صحيفة «فنلندا بالعربي» الإلكترونية.
عمل ودراسة
وقال السجين المحكوم لأربعة أعوام بتهم تتعلق بتجارة المخدرات، ماركو كاريالاينن، والذي يحلم بأن يصبح مدرّباً رياضياً لقناة «يورونيوز» الإخبارية: «هنا الأمور تختلف بشكل كلي عن السجن المغلق العادي، حيث تجلس فقط وتنتظر إنهاء حكمك. في سجن مفتوح يمكنك القيام بأشياء كثيرة. أدرس وأعمل كلّ يوم».
هؤلاء السجناء يعلمون أن الفرار ليس بالأمر الصعب. ولفت أحد السجناء إلى أنه «نستطيع أن نهرب إذا أردنا لكننا سنعود إلى زنزانة مغلقة، وهذا ما لا نريده فالمكان في المشتل هنا أفضل».
وقال رئيس قسم علم الإجرام في جامعة هلسنكي بفنلندا تابيو أبيسابلا: «ليس لدينا فكرة حبس الناس بقية حياتهم، بقدر ما نطمح للاستثمار فيهم وطمأنتهم بأن هناك إمكانية لإعادة تأهيلهم».
وأضاف: «لم يكن هكذا الحال دائماً، فقبل عقود كانت فنلندا تتصدر أوروبا في أعداد الطلاب المسجونين خلال ستينات القرن الماضي، في تلك الفترة أجرى باحثون إسكندنافيون دراسات حول مدى فعالية العقاب في تخفيض الجرائم، كانت النتائج سلبية جداً».
وتابع أبيسابلا: «كان ذلك أول مرة تستطيع دراسة أن تثبت أن الحبس كآلية عقاب لا تقدم شيئاً ذا جدوى إطلاقاً»، مؤكداً أن «فنلندا اليوم لديها أقل معدل سجناء في العالم».
في المقابل لفت أبيسابلا إلى أنه «لا يتمتع بمثل هذا السجن المرفه المفتوح إلا من يظهر تحسناً في عودته للحياة الطبيعية، ونحو ثلث سجناء فنلندا يعيشون اليوم في سجون الفضاءات المفتوحة، وحسب مركز العقوبات الجنائية في فنلندا، فإن السجناء الفنلنديين هم الأقل عرضة لإعادة تجربة السجن مقارنة بسجناء بلدان العالم، حيث 20 في المائة منهم فقط من يعاد اعتقالهم».
وتعتبر المسؤولة عن مركز العقوبات الجنائية إيزا فستريبيكا لصحيفة «فنلندا بالعربي» أن «السجون المفتوحة هي أيضاً أقل تكلفة».


مقالات ذات صلة

القضاء البريطاني يدين بالقتل والدَي طفلة توفيت جرّاء الضرب

أوروبا الطفلة البريطانية الباكستانية الأصل سارة شريف التي قضت بفعل الضرب في أغسطس 2023 (متداولة)

القضاء البريطاني يدين بالقتل والدَي طفلة توفيت جرّاء الضرب

أدان القضاء البريطاني والدَي الطفلة الإنجليزية الباكستانية الأصل سارة شريف التي قضت بفعل الضرب في أغسطس 2023 بعد تعرضها لسوء المعاملة على مدى سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا نساء أيزيديات يرفعن لافتات خلال مظاهرة تطالب بحقوقهن والإفراج عن المختطفين لدى تنظيم «داعش» المتطرف في الموصل بالعراق... 3 يونيو 2024 (رويترز)

السجن 10 سنوات لهولندية استعبدت امرأة أيزيدية في سوريا

قضت محكمة هولندية بالسجن عشر سنوات بحق امرأة هولندية أدينت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بإبقائها امرأة أيزيدية عبدة في سوريا.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
الولايات المتحدة​ مقر وزارة العدل الأميركية في واشنطن (أرشيفية - رويترز)

السلطات الأميركية بصدد إغلاق «نادي الاغتصاب» لقلة الموارد المالية

ذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن المكتب الفيدرالي للسجون بصدد إغلاق سجن النساء التابع له، المعروف بـ«نادي الاغتصاب»، في كاليفورنيا بشكل دائم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة مقتبسة من الفيديو الذي يظهر الهجوم (رويترز)

مقتل الرئيس التنفيذي لإحدى أكبر شركات التأمين الصحي في أميركا بالرصاص

أعلنت الشرطة مقتل الرئيس التنفيذي لشركة «يونايتد هيلث كير»، إحدى أكبر شركات التأمين الصحي في الولايات المتحدة، بالرصاص خارج فندق في مانهاتن.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)

طباخ بريطاني يحثّ سارقيه على التبرّع بالطعام المسروق للمحتاجين

ناشد طاهٍ بريطاني سُرقت شاحنته المحمّلة بالطعام سارقيه أن يقدّموا الطعام الموجود بالشاحنة للمحتاجين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
TT

احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)

احتفت مصر بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ، عبر فعاليات متنوعة في متحفه وسط القاهرة التاريخية، تضمّنت ندوات وقراءات في أعماله وسيرتيه الأدبية والذاتية، واستعادة لأعماله الروائية وأصدائها في السينما والدراما.

وأعلن «متحف نجيب محفوظ» التابع لصندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة، أن الاحتفال بـ«أديب نوبل» يتضمّن ندوة عن إبداعاته ومسيرته، يُشارك فيها النّقاد، إبراهيم عبد العزيز، ومحمد الشاذلي، والدكتور محمود الشنواني، والدكتور تامر فايز، ويديرها الدكتور مصطفى القزاز. بالإضافة إلى افتتاح معرض كاريكاتير عن نجيب محفوظ، وشاعر الهند الشهير رابندراناث طاغور، ومعرض لبيع كتب نجيب محفوظ.

وأوضح الكاتب الصحافي والناقد محمد الشاذلي أن «الاحتفالية التي أقامها (متحف نجيب محفوظ) في ذكرى ميلاده الـ113 كانت ممتازة، وحضرها عددٌ كبير من المهتمين بأدبه، وضمّت كثيراً من المحاور المهمة، وكان التركيز فيها على السيرة الذاتية لنجيب محفوظ».

«متحف نجيب محفوظ» احتفل بذكرى ميلاده (صفحة المتحف على فيسبوك)

ولد نجيب محفوظ في حيّ الجمالية بالقاهرة التاريخية في 11 ديسمبر (كانون الأول) عام 1911، وقدم عشرات الأعمال الروائية والقصصية، بالإضافة إلى سيناريوهات للسينما، وحصل على جوائز عدة أهمها جائزة «نوبل في الأدب» عام 1988، ورحل عن عالمنا عام 2006.

حضر الاحتفالية بعض ممن كتبوا عن سيرة نجيب محفوظ، من بينهم إبراهيم عبد العزيز، الذي له أكثر من كتاب عن «أديب نوبل»، بالإضافة إلى الطبيب الدكتور محمود الشنواني الذي رافق الأديب لمدة 30 سنة تقريباً، وفق الشاذلي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تَحدّث كلُّ شخص عن الكتاب الذي أصدره عن نجيب محفوظ. وإبراهيم عبد العزيز كان مرافقاً له في ندواته، وتحدّث عن كتاب (أنا نجيب محفوظ)، الذي تضمّن ما قاله محفوظ عن نفسه، بيد أني أرى أن كتابه الأهم هو (ليالي نجيب محفوظ في شيبرد) لأنه كان عبارة عن كناسة الدكان، فقد رصد السنوات الأخيرة لنجيب محفوظ».

وعن كتاب الشاذلي حول نجيب محفوظ يقول: «تعرّفت عليه بصفتي صحافياً منذ بداية الثمانينات، وقد تحدّثت عن موضوعين تناولتهما في كتابي عنه (أيام مع نجيب محفوظ ذكريات وحوارات)، وهو ما أُشيع عن هجومه على العهد الناصري، خصوصاً في روايته (الكرنك)، وهذا ليس صحيحاً، وفي الحقيقة كان محفوظ يُركّز على حقوق الإنسان والحريات أكثر من أي شيء آخر، وقد أنصف عبد الناصر في كثيرٍ من كتاباته، خصوصاً شهاداته عن هذا العصر، والنقطة الثانية ما أُشيع حول الاتهامات التي وجّهها بعضهم لنجيب محفوظ بحصوله على (نوبل) بدعم إسرائيل، وهذا ليس صحيحاً بالمرّة، وكانت تُهمة جاهزة لمن أراد إهانة الجائزة أو النّيل ممّن حصل عليها».

وأشار الشاذلي إلى أن محفوظ كان له رأيُّ مهم في السينما، وقد ترأس مؤسسة السينما في إحدى الفترات، وكان يرى أنه أصبح كاتباً شعبياً ليس بفضل القراءات ولكن بفضل السينما، فكان يحترم كلّ ما له علاقة بهذه المهنة، ويعدّها مجاورة للأدب.

محفوظ وطاغور في معرض كاريكاتير (منسق المعرض)

وتحوّلت روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينمائية ودرامية، من بينها أفلام «بداية ونهاية»، و«الكرنك»، و«ميرامار»، و«ثرثرة فوق النيل»، وثلاثية «بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و«السكرية»، وأيضاً «زقاق المدق»، و«اللص والكلاب»، بالإضافة إلى مسلسلات «الحرافيش - السيرة العاشورية»، و«أفراح القبة»، و«حديث الصباح والمساء».

وضمّ المعرض الذي أقيم بالتعاون بين سفارة الهند في القاهرة، ومتحف الكاريكاتير بالفيوم، ومنصة «إيجيبت كارتون»، 38 لوحة لفنانين من 12 دولة من بينها مصر والهند والسعودية وصربيا والصين ورومانيا وروسيا وفنزويلا.

وأشار الفنان فوزي مرسي، أمين عام «الجمعية المصرية للكاريكاتير» ومنسِّق المعرض إلى أن هذا المعرض اقتُرح ليُعرض في الاحتفال بذكرى طاغور في مايو (أيار) الماضي، إذ عُرض في المركز الثقافي الهندي، وكذلك في يوم الاحتفال بعيد ميلاد «أديب نوبل» المصري نجيب محفوظ.

وقال مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «يُعدّ المعرض جزءاً من الاحتفالية التي نظّمتها وزارة الثقافة (لأديب نوبل) الكبير، واهتمّ معظم الفنانين برسم البورتريه بشكلٍ تخيُّلي، في محاولة لعقد الصلة بين طاغور ومحفوظ».

فنانون من 12 دولة رسموا الأديبين طاغور ومحفوظ (منسق المعرض)

وفي السياق، أعلنت «دار المعارف» عن إصدار كتابٍ جديدٍ عن نجيب محفوظ في الذكرى الـ113 لميلاده، وكتب إيهاب الملاح، المُشرف العام على النشر والمحتوى في «دار المعارف» على صفحته بـ«فيسبوك»: «في عيد ميلاد الأستاذ نُقدّم هدية للقراء ولكل محبي نجيب محفوظ وهي عبارة عن كتاب (سردية نجيب محفوظ) للناقد الدكتور محمد بدوي».