القاهرة تدرس عقد مؤتمر مناهضة التعذيب رغم تراجع الأمم المتحدة

مفوضية حقوق الإنسان قررت إرجاءه بسبب انتقادات حقوقية واسعة

TT

القاهرة تدرس عقد مؤتمر مناهضة التعذيب رغم تراجع الأمم المتحدة

تدرس القاهرة الاستمرار في تنظيم مؤتمر إقليمي حول مناهضة التعذيب في الدول العربية، كان مقرراً في سبتمبر (أيلول) المقبل، رغم قرار مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إرجاءه، إثر انتقادات حقوقية واسعة لعقده في مصر.
وقال حافظ أبو سعدة، عضو مجلس حقوق الإنسان في مصر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «اجتماعا قريبا للمجلس سيناقش مقترح استمرار عقد المؤتمر في موعده، بعيداً عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أو التفاوض معها على موعد آخر ليعقد في القاهرة أيضا».
وكان من المقرر أن يشارك مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في استضافة المؤتمر الإقليمي لتعريف وتجريم التعذيب مع المجلس القومي لحقوق الإنسان، التابع للحكومة يومي الرابع والخامس من سبتمبر. غير أن نشطاء حقوقيين عبروا عن غضبهم من قرار الأمم المتحدة عقد المؤتمر في مصر، بسبب ما اعتبروه «انتهاكات» حقوقية تجري في مصر بحق معارضين.
وقال روبرت كولفيل، المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: «نعلم جيدا القلق المتنامي لدى بعض قطاعات مجتمع المنظمات غير الحكومية بشأن اختيار الموقع». وأضاف: «نتيجة لذلك قررنا تأجيل المؤتمر، ومعاودة فتح عملية التشاور مع كل الأطراف المعنية».
وعبر المجلس القومي لحقوق الإنسان، أمس، عن اندهاشه لتراجع المفوضية الأممية عن مشاركتها المجلس في عقد مؤتمر تعريف وتجريم التعذيب في التشريعات الوطنية في المنطقة العربية. وأشار في بيان له إلى أن «هذا التراجع يأتي بعد أن تمت كل الاستعدادات والترتيبات اللازمة على المستوى التقني، والفني، والإداري؛ لتوفير أفضل الظروف لإنجاح أعماله، والتي كان يمكن أن تضيف كثيرا في مسيرة نشر ثقافة حقوق الإنسان في مصر والوطن العربي».
ولفت المجلس إلى أنه «يعمل على عقد عدة أنشطة بالتعاون مع المنظمات الأهلية ذات الصلة في مصر والوطن العربي، والتي تخدم نشر ثقافة حقوق الإنسان».
وقال أبو سعدة في تصريحات خاصة: «حتى الآن، المنظمة لم تلغ مشاركتها في المؤتمر رسمياً، وتتحدث عن إرجاء ومناقشة الأمر من جديد».
وكان مقررا أن ينظم المؤتمر بمشاركة المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، ومفوضية الأمم المتحدة، وبمشاركة وزراء من الحكومة المصرية. وأضاف أبو سعدة: «كنا نفضل أن نُسمع ممثلي الحكومة ماذا يقول القانون الدولي والالتزامات المصرية دوليا، والتناقض بين التشريعات المصرية والاتفاقيات الدولية». مبرزا أن «قبول الحكومة المصرية لهذا المؤتمر خطوة مهمة جدا، كنا نلح عليها من فترة كي تعيد النظر في قانون تجريم التعذيب».
وشدد أبو سعدة على أهمية عقد المؤتمر، لكونه يناقش قضية مهمة، وهي التعذيب في المنطقة العربية بمشاركة 19 دولة عربية، حيث يتناول التشريعات العقابية العربية، وتعريف جريمة التعذيب كي تتطابق مع الاتفاقية الدولية المعنية. وطالب أبو سعدة النشطاء، الذين انتقدوا عقد المؤتمر في القاهرة، أن يراجعوا موقفهم لأنه لا يخدم ملف حقوق الإنسان.
وعادة ما ترفض السلطات المصرية تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية بشأن التعذيب، وتقول إنها تفتقر إلى المصداقية ولها دوافع سياسية. كما تقول إن مصر دولة تلتزم بالقانون، وإن أي انتهاكات للحقوق مجرد حالات فردية وتتم محاسبة مرتكبيها.
من جهتها، قالت عايدة سيف الدولة، مديرة مركز النديم، الذي يعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة، وعلاج ضحايا التعذيب: «قرارهم بتنظيمه في مصر كان غريب الشأن، كأنهم يكافئون مصر على حجم التعذيب الذي يحصل فيها».
بينما اعتبر الناشط الحقوقي عمرو مجدي أن اختيار القاهرة لتنظيم مؤتمر عن تعريف التعذيب في الدول العربية كان «اختيارا غير موفق»، مضيفا في تغريدة له على «تويتر» أن تأجيل المؤتمر إلى أجل غير مسمى «يعني على الأرجح عدم تنظيمه في القاهرة».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.