الاقتصاد الهولندي يزدهر... ويطلب عمالة من الخارج

سجل أحد أقل معدلات البطالة عالمياً

شهدت هولندا قفزة «هائلة» في التوظيف خلال السنوات الخمس الماضية (رويترز)
شهدت هولندا قفزة «هائلة» في التوظيف خلال السنوات الخمس الماضية (رويترز)
TT

الاقتصاد الهولندي يزدهر... ويطلب عمالة من الخارج

شهدت هولندا قفزة «هائلة» في التوظيف خلال السنوات الخمس الماضية (رويترز)
شهدت هولندا قفزة «هائلة» في التوظيف خلال السنوات الخمس الماضية (رويترز)

بلغت عروض العمل في هولندا مستويات قياسية جديدة في الربع الثاني من العام الحالي، ويواصل معدل البطالة هبوطه، إذ بلغ في الفترة بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) الماضيين نحو 3.3 في المائة فقط، وفي الأثناء تؤكد إحصاءات البلاد الرسمية أن عقود العمل الجديدة ارتفعت بنسبة 3.6 في المائة على أساس سنوي.
هذا الواقع يخلق ضغوطاً على عدد من القطاعات، مثل التجارة والخدمات والصحة والتعليم والمطاعم والنقل، التي تواجه صعوبات متزايدة في عملية الحصول على يد عاملة.
وتشير إحصاءات العمالة إلى أن عروض العمل بارتفاع مطرد. ففي الربع الأول كان يتوافر 88 عرضاً لكل 100 عاطل عن العمل، أما في الربع الثاني فقد ارتفع المعدل إلى 93. ويعد ذلك رقماً قياسياً تاريخياً، وفقاً للمكتب المركزي للإحصاءات.
وشهدت البلاد خلال السنوات الخمس الماضية قفزة «هائلة» في التوظيف، فالعروض تضاعفت 3 مرات منذ 2013. وهي السنة التي خرجت فيها البلاد من تداعيات أزمة 2008 - 2009. وبين عامي 2013 و2019 ارتفع معدل خلق الوظائف الجديدة بنسبة قاربت 10 في المائة. وفي استطلاع عن النشاط الاقتصادي والعمالة الوطنية، تبين أنه مع نهاية العام 2018 كانت أكثر من 25 في المائة من الشركات تعاني نقصاً في العمالة، أي أنها تجد صعوبة في إيجاد من تبحث عنهم لشغل الوظائف الشاغرة لديها. وفي ظل هذا الواقع، يبدو المشهد مناسباً جداً للموظفين والعمال والكوادر، ويتمتع نحو 5.5 مليون هولندي بعقود عمل مريحة ومجزية ومستقرة، بالإضافة إلى مليوني وظيفة بعقود لأجل، وعقود أخرى مرنة، وفقاً لمصادر نقابية.
في المقابل، يستمر هبوط معدل البطالة فصلاً بعد آخر، فبعدما بلغ نحو 8 في المائة قبل 5 سنوات، هو اليوم 3.3 في المائة فقط، أي أحد أدنى المعدلات على المستوى الأوروبي والعالمي.
ولحل الصعوبات التي تواجهها الشركات في إيجاد ما تحتاجه من عمالة، أطلقت النقابات بالتعاون مع اتحادات مهنية وجمعيات الشركات، ولا سيما الصغيرة والمتوسطة، نداءات إلى الحكومة لتخفيف القيود الخاصة باستقدام عمالة ماهرة من خارج دول الاتحاد الأوروبي. ويطالب أرباب العمل بمنح العمالة القادمة من الخارج إقامات طويلة، وينددون بالعراقيل التي تضعها بعض دول في الاتحاد الأوروبي أمام انتقال العمالة.
يذكر أن نمو اقتصاد هولندا سجل 2.9 في المائة في الربع الثاني من العام الحالي، مقارنة مع الفترة المقابلة من العام 2017. وسجل تحسناً أعلى من المتوسط الأوروبي العام. وكان النمو بلغ العام الماضي معدلاً قياسياً مرتفعاً إلى 3.2 في المائة.
ويربط الاقتصاديون الازدهار النسبي بعدد من القطاعات، في مقدمها العقار والإنشاءات التي تشهد ما يشبه الفورة بعد سنوات من الركود. فالاستثمار في المساكن والمكاتب ارتفع بنسبة 5.3 في المائة في الربع الثاني.
إلى ذلك هناك نمو في أنشطة قطاعات السيارات والآلات. ويأخذ النمو جرعة أيضاً من زيادة الصادرات؛ خصوصاً تصدير معدات النقل وقطع غيارها باتجاه عدد من دول الاتحاد الأوروبي. علماً بأن قطاع الصناعة في البلاد يعيش أفضل حالاته التشغيلية، مع زيادة الإنتاج 3.4 في المائة بين أبريل ويونيو الماضيين، مع خلق 52 ألف وظيفة جديدة، وعلى أساس سنوي ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 7 في المائة.
وتعتبر هولندا سادس قوة اقتصادية أوروبية، وفي المرتبة الخامسة من حيث الصادرات. وفي الوقت الذي تعاني فيه دول أوروبية من مشكلات في موازناتها، فإن موازنة هولندا تسجل فوائض متتالية، وهبطت نسبة الدين العام إلى الناتج من 56.6 في المائة، إلى 53 في المائة، بين 2017 و2018. ويرجح أن تنخفض مع نهاية 2019 إلى أدنى من 50 في المائة.



ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة بتقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح. وقد يتجه المستثمرون إلى الأسواق الأوروبية الأقل تكلفة، ولكن من غير المرجح أن يجدوا كثيراً من الأمان عبر المحيط الأطلسي؛ إذ إن الانخفاض الكبير في الأسواق الأميركية من المحتمل أن يجر أوروبا إلى الانحدار أيضاً.

تُعتبر سوق الأسهم الأميركية مبالَغاً في قيمتها، وفقاً لجميع المقاييس تقريباً؛ حيث بلغ مؤشر السعر إلى الأرباح لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، على مدار 12 شهراً، 27.2 مرة، وهو قريب للغاية من ذروة فقاعة التكنولوجيا التي سجَّلت 29.9 مرة. كما أن نسبة السعر إلى القيمة الدفترية قد بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق؛ حيث وصلت إلى 5.3 مرة، متجاوزة بذلك الذروة السابقة البالغة 5.2 مرة في بداية عام 2000، وفق «رويترز».

وعلى الرغم من أن التقييمات المرتفعة كانت قائمة لفترة من الزمن؛ فإن ما يثير الانتباه الآن هو التفاؤل المفرط لدى مستثمري الأسهم الأميركية. تُظهِر بيانات تدفق الأموال الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي أن حيازات الأسهم تشكل الآن 36 في المائة من إجمالي الأصول المالية للأسر الأميركية، باستثناء العقارات، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة الـ31.6 في المائة التي تم تسجيلها في ربيع عام 2000. كما أظهر أحدث مسح شهري لثقة المستهلك من مؤسسة «كونفرنس بورد» أن نسبة الأسر الأميركية المتفائلة بشأن أسواق الأسهم قد وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 37 عاماً، منذ بدء إجراء المسح.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن القلق المتزايد بين المستثمرين المحترفين بشأن احتمال التصحيح في «وول ستريت» ليس مفاجئاً.

لا مكان للاختباء

قد يتطلع المستثمرون الراغبون في تنويع محافظ عملائهم إلى الأسواق الأرخص في أوروبا. ويتداول مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي حالياً عند خصم 47 في المائة عن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عند قياسه بنسب السعر إلى الأرباح، وبخصم 61 في المائة، بناءً على نسب السعر إلى القيمة الدفترية. وقد أشار بعض مديري صناديق الأسهم الأوروبية إلى أنهم يترقبون، بفارغ الصبر، انخفاض أسواق الأسهم الأميركية، معتقدين أن ذلك سيؤدي إلى تدفقات استثمارية نحو صناديقهم.

ولكن يجب على هؤلاء المديرين أن يتحلوا بالحذر فيما يتمنون؛ فعندما تشهد الأسهم الأميركية انخفاضاً كبيراً، يميل المستثمرون الأميركيون إلى سحب الأموال من الأسهم، وتحويلها إلى أصول أكثر أماناً، وغالباً ما يقللون من تعرضهم للأسواق الأجنبية أيضاً.

وعلى مدار الـ40 عاماً الماضية، في فترات تراجع الأسهم الأميركية، شهدت أسواق الأسهم الأوروبية زيادة في سحوبات الأموال من قبل المستثمرين الأميركيين بنسبة 25 في المائة في المتوسط مقارنة بالأشهر الـ12 التي سبقت تلك الانخفاضات. ومن المحتمَل أن يكون هذا نتيجة لزيادة التحيز المحلي في فترات الركود؛ حيث يميل العديد من المستثمرين الأميركيين إلى اعتبار الأسهم الأجنبية أكثر خطورة من أسواقهم المحلية.

ولن تشكل هذه السحوبات مشكلة كبيرة؛ إذا كان المستثمرون الأميركيون يمثلون نسبة صغيرة من السوق الأوروبية، ولكن الواقع يشير إلى أن هذا لم يعد هو الحال. ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، فقد زادت حصة الولايات المتحدة في الأسهم الأوروبية من نحو 20 في المائة في عام 2012 إلى نحو 30 في المائة في عام 2023. كما ارتفعت ملكية الولايات المتحدة في الأسهم البريطانية من 25 في المائة إلى 33 في المائة خلال الفترة ذاتها.

ويعني الوجود المتزايد للمستثمرين الأميركيين في الأسواق الأوروبية أن الأميركيين أصبحوا يشكلون العامل الحاسم في أسواق الأسهم الأوروبية، وبالتالي، فإن حجم التدفقات الخارجة المحتملة من المستثمرين الأميركيين أصبح كبيراً إلى درجة أن التقلبات المقابلة في محافظ المستثمرين الأوروبيين لم تعد قادرة على تعويضها.

وبالنظر إلى البيانات التاريخية منذ عام 1980، عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في جمع بيانات التدفقات، إذا استبعد المستثمر الأميركي والأوروبي، يُلاحظ أنه عندما تنخفض السوق الأميركية، تزيد التدفقات الخارجة من سوق الأسهم الأوروبية بمعدل 34 في المائة مقارنة بالشهرين الـ12 اللذين سبقا تلك الانخفاضات.

على سبيل المثال، بين عامي 2000 و2003، انخفضت أسواق الأسهم الأوروبية بنسبة 50 في المائة بينما هبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 46 في المائة، وكان ذلك نتيجة رئيسية لسحب المستثمرين الأميركيين لأموالهم من جميع أسواق الأسهم، سواء أكانت متأثرة بفقاعة التكنولوجيا أم لا.

وفي عام 2024، يمتلك المستثمرون الأميركيون حصة أكبر في السوق الأوروبية مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات، ناهيك من عام 2000. وبالتالي، فإن تأثير أي انحدار في السوق الأميركية على الأسواق الأوروبية سيكون أكثر حدة اليوم.

في هذا السياق، يبدو أن المثل القائل: «عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب بقية العالم بنزلة برد»، أكثر دقة من أي وقت مضى في أسواق الأسهم.