دراسة حديثة قد تسهم في الحد من تلوث الهواء

باحثون من «كاوست» يكشفون عن دور الأكسجين في الاحتراق وفي كيمياء الغلاف الجوي

دراسة حديثة قد تسهم في الحد من تلوث الهواء
TT

دراسة حديثة قد تسهم في الحد من تلوث الهواء

دراسة حديثة قد تسهم في الحد من تلوث الهواء

ثمة بعض أوجه الشبه المدهشة بين التفاعلات الكيميائية التي تنتج الملوِّثات في الغلاف الجوي، وبين كيمياء احتراق الوقود داخل محركات المركبات. ويؤدي الأكسجين دوراً رئيسياً في كل مجموعة من تلك التفاعلات. ويمكن لدراسة دور الأكسجين في الاحتراق وفي كيمياء الغلاف الجوي أن تساعد العلماء على تحسين المحرِّكات والحد من تلوُّث الهواء، كما أوضح باحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست).
المركبات العضوية المتطايرة (VOCs) هي جزيئات غازية تنبعث في الهواء من أنابيب العادم الخلفية ومداخن الغازات في المَركَبَات، والمصانع، ومحطات الطاقة، وكذلك من النباتات الحية. وتجتاز المركبات العضوية المتطايرة سلسلة من تفاعلات التأكسد الذاتي مع الأكسجين الموجود في الهواء المحيط لتكوين جزيئات عالية التأكسد تُسهِم في تلوث الهواء وتنتج سُحُب الهباء الجوي (الأيروسولات) المعروفة بتأثيرها على المناخ.
ويحدث التأكسد الذاتي أيضاً أثناء اشتعال الوقود واحتراقه، غير أن اكتشاف هوية الجزيئات في تلك التفاعلات كان أمراً عسيراً كما يقول جاندونج وانج وماني ساراتي، من مركز أبحاث الاحتراق النظيف في «كاوست»، اللذان يقودان الدراسة. ويضيف وانج: «إن المركبات الوسيطة عالية التأكسد والناتجة من التأكسد الذاتي تفاعلية للغاية وتتحلل سريعاً».
لذا؛ طور وانج وساراتي وفريقهما جهازاً تجريبياً متطوراً لاختبار تلك الجزيئات المراوغة قبل أن تتحلل. ويوضح وانج بأنهم استخدموا تقنية متطورة – عبارة عن مفاعل مزود بخفاق نفث (jet - stirred reactor) مقترن بتقنية قياس الطيف الكتلي باستخدام الحزم الجزيئية، والتأين الفوتوني بالإشعاع السنكرتروني – في مختبر Advanced Light Source في بيركلي. كما استخدم الفريق أيضاً مطياف كتلة تأينيّاً كيميائيّاً عالي الدقة لضغط الغلاف الجوي في «مختبر الكيمياء التحليلية» Analytical Chemistry Core Laboratory التابع لـ«كاوست» لتحليل منتجات التأكسد ذاتي الاحتراقي.
تفترض النماذج النظرية الحالية لكيمياء الاحتراق أن جزيئاً واحداً من الأكسجين، وربما جزيآن، يمكنهما الارتباط بجزيء وقود في أثناء عملية التأكسد الذاتي. وتُظهر نتائج وانج وساراتي حدوث ثلاثة تفاعلات إضافة أكسجين تسلسلية على الأقل. ويشير وانج إلى أن أهم النتائج التي توصلوا إليها أوضحت بأن عمليات التأكسد الذاتي المؤدية للاشتعال الذاتي هي أكثر تعقيداً بكثير مما كان يُظَن سابقاً. ويضيف قائلاً: «لقد بيَّنَّا أن الكثير من أنواع الوقود الهيدروكربوني والوقود المؤكسد تتأكسد ذاتيّاً بصورة شاملة، وعند تضمين تلك المسارات في النماذج، فإنها تغير كثيراً من نتائج المحاكاة».
وبحسب وانج، سوف يتيح تحديث تلك النماذج للفريق إجراء عمليات محاكاة أكثر دقة لاحتراق الوقود، وربما تحسين أداء المحركات الحقيقية. لكن يجب أن تكون النتائج ذات مدى أوسع، ويضيف: «نتعاون مع علماء بالغلاف الجوي من جامعة هلسينكي لمواصلة استكشاف عمليات التأكسد الذاتي المتشابهة في الغلاف الجوي، وفي عملية الاحتراق في المحركات. وهدفنا هو استخدام خبرتنا بالاحتراق في تطوير نماذج لتكوُّن الهباء الجوي عبر التأكسد الذاتي للمركبات العضوية المتطايرة. ويمكن لهذا أن يحسِّن كثيراً من عمليات المحاكاة للتنبؤ بتلوث الهواء ودرجة الحرارة العالمية».


مقالات ذات صلة

قطع صغيرة للبلاستيك في أكياس التسوق والتعبئة تسبب أمراضاً خطيرة

يوميات الشرق قطع صغيرة من البلاستيك من أكياس التسوق تسبب الأمراض(شاتير استوك)

قطع صغيرة للبلاستيك في أكياس التسوق والتعبئة تسبب أمراضاً خطيرة

تتسبب قطع صغيرة من البلاستيك متفككة من أكياس التسوق والتعبئة في زيادة الإصابة بأمراض القلب والخرف والسرطانات المختلفة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة سيارات متضررة جراء الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات على مشارف فالنسيا إسبانيا 31 أكتوبر 2024 (رويترز)

فيضانات منطقة المتوسط... تغير المناخ بات هنا

زادت ظاهرة التغيّر المناخي نسبة حدوث فيضانات في منطقة البحر المتوسط، حيث تلعب الجغرافيا والنمو السكاني دوراً في مفاقمة الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
بيئة منطقة سكنية غارقة بالمياه جرّاء فيضان في بتروبافل بكازاخستان 13 أبريل (رويترز)

الأمم المتحدة: التغير المناخي تسبّب في ظواهر مناخية قصوى عام 2024

أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن التغير المناخي تسبّب في أحوال جوية قصوى وحرارة قياسية خلال عام 2024، داعيةً العالم إلى التخلي عن «المسار نحو الهلاك».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
بيئة فضلات الطيور قد تساعد على التنبؤ بالجائحة القادمة

فضلات الطيور قد تساعد على التنبؤ بالجائحة القادمة

أفاد تقرير إخباري بأن فضلات الطيور قد تساعد على التنبؤ بالجائحة القادمة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة عناصر من وزارة الطوارئ الروسية يعملون على تنظيف شاطئ لوَّثه تسرُّب نفطي في القرم (إ.ب.أ)

إعلان حالة الطوارئ في شبه جزيرة القرم إثر تسرب نفطي

أعلنت السلطات الروسية، اليوم (السبت) أن الوضع بات خطراً إثر تسرب نفطي نجم عن غرق ناقلتَي نفط، في منتصف ديسمبر الحالي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».