لطالما شكّل فن «الحكواتي» تقليداً تراثياً متّبعاً في لبنان، بحيث يستمع الحضور المتجمع في مقهى أو في مسرح معين إلى حكايات مشوقة يجيد تلاوتها أحدهم، يطلقون عليه اسم «الحكواتي».
وعلى الرّغم من أنّ هذا الفن بات يهدده الانقراض في ظل غياب أشخاص يهتمون به، ويمارسونه على الأرض، إلّا أنّ جمعيات ومؤسسات اجتماعية عديدة تحاول إعادة إحيائه وعصرنته، ليواكب متطلبات الزمن الحالي. وأحدث ورشات العمل والتدريبات التي تنظم في هذا الإطار تطلقها اليوم وغداً (في 13 و14 أغسطس/ آب الحالي)، شركة «كاي إن فيلم» للإنتاج. فهي أخذت على عاتقها نقل هذا الفن من المسرح إلى الكاميرا، وكذلك تطعيمه بالعنصر النسائي، لتصبح المرأة بدورها فعالة ومتمرسة فيه تحت اسم «الحكواتية». «إنّه فن تراثي نريد الحفاظ عليه بعد نشره وتطويره» تقول نور الفقيه صاحبة الشركة المذكورة، وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ومن هذا المنطلق أخذنا على عاتقنا تنظيم دورات خاصة بهذا الخصوص نتوجه فيها إلى النساء. فنحولها إلى حكواتي عصري يتلو القصص أمام الكاميرا، وتصبح بالتالي حكايات مروية بشغف يمكننا مشاهدتها (أون لاين) وعبر مواقع (السوشيال ميديا) على أنواعها».
وتتضمن هذه الورش تدريبات نظرية وأخرى تطبيقية تديرها «الحكواتية» سحر شحادة. «ستعلم الراغبين في ممارسة هذه الهواية الأساليب الجديدة المستعملة في تلاوة القصص الموجهة للكبار والصغار معاً. كما ستعتمد على تلاوة القصص القصيرة التي لا تتجاوز مدتها الـ15 دقيقة، كي لا تُحدث الملل في نفوس الأولاد والشّباب المراهق وحتى الكبار. وعمّا يمكن أن يفقده هذا الفن في ظلّ تطويره وتغييبه عن المسرح توضح: «إننا نهدف لإحيائه في عصر السرعة الذي نعيشه ويسود إيقاعنا اليومي، وارتأينا أن ينطبع بالحداثة لإحداث الفرق».
وتؤكد نور الفقيه أنّ هذا الفن بات مطلوباً اليوم في مناسبات عديدة يتقدمها شهر رمضان الكريم وعيد الأضحى، وكذلك كنشاط يقام في المستشفيات ودور العجزة وأيضاً في المدارس وعلى مسارح المهرجانات.
أمّا عن اختيارهم المرأة عنواناً لورش العمل هذه، تقول في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، «إن المرأة تبرع في فنون متعددة كالرسم والتمثيل وغيرها، فلماذا لا تطل على تقليد تراثي يحتاجها لتوصله بدورها إلى أولادها وأحفادها وعلى طريقتها؟».
وتنطبع القصص والحكايات، التي يتم تلاوتها أمام الكاميرا ضمن أفلام مصورة قصيرة، برسائل اجتماعية وأخرى توعوية، إضافة إلى أخرى ترتكز على قصص أدبية شعبية معروفة.
«لقد شكّلت جداتنا وأمهاتنا (حكواتياً) من نوع آخر في الماضي. ومن منا لا يتذكّر قصة أو حكاية تلتها على مسمعه (التاتا) أو (الماما) قبل خلودنا إلى النوم أو في حالات المرض التي كنا نمر بها. فكنّ يحاولن التخفيف من أوجاعنا، وكذلك دفعنا إلى النوم من خلالها»، تقول الحكواتي سحر شحادة المدربة المشرفة على ورش عمل «الحكواتي». وتتابع في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «من هذا المنطلق أعدت الرسالة إلى أهلها. فالأم مدرسة ومن غيرها يستطيع تحفيز أولادها وتشجيعهم على قراءة القصة؟ وأنا بدوري أرتدي عباءتي وأجلس أمام الكاميرا وعلى المسرح، وأتوجه خصوصاً لفئة الأطفال كي أحمّلهم تراثاً مهدداً بالاندثار. وبذلك سألقن الأمهات دروساً في عملية تلاوة القصص ليمارسوها بدورهم مع أولادهم».
وتشير سحر إلى أنّ عناصر حديثة كثيرة باتت تتلقفها مهنة الحكواتي اليوم، وبينها استخدامها لتبسيط أحداث نعيشها وتوعية الولد عليها من ناحية، وتشغيل مخيلته بصور حالمة وأخرى واقعية من ناحية ثانية. «لقد أصبحت نوعاً من فن (المونودراما) المرتكز على لغة الجسد والكلام البسيط وتقنية خيال الظل»، توضح سحر في معرض حديثها لـ«الشرق الأوسط».
حكايات أبطالها الحيوانات، وأخرى من شخصيات تراثية كـ«عنتر وعبلة»، وعن الأم والأب وباقي أفراد العائلة، تستخدمها الحكواتي سحر شحادة في ورش العمل التي تشرف عليها، لتخوّل كل امرأة وأم أن تصبح «حكواتياً» على طريقتها.
«الحكواتي» يلتحق بعصر «السوشيال ميديا» ويطلّ أمام الكاميرا
تنظيم دورات تدريبية في لبنان وورشات عمل لجذب حضور نسوي لهذا الفن
«الحكواتي» يلتحق بعصر «السوشيال ميديا» ويطلّ أمام الكاميرا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة