«مشروع سلمى»... في كل قطعة شوكولاته مذاق مُرهف

فكرة بدأت في مصنع صغير وتبلورت في عُمان وفلسطين

سلمى الحجري تجلب العسل من المزارع
سلمى الحجري تجلب العسل من المزارع
TT

«مشروع سلمى»... في كل قطعة شوكولاته مذاق مُرهف

سلمى الحجري تجلب العسل من المزارع
سلمى الحجري تجلب العسل من المزارع

قطعٌ فاتنة بها عبقٌ لم نألفه يُضفِيه اللبان العماني المأخوذ من أشجار بلاده التي عرُف بها عبر التاريخ. ولا يمكن مقاومة «لوح شوكولاته» تكون الطبيعة حاضرة فيه إلى هذه الدرجة، حيث الزعتر يُجلب من الجبال، هناك أيضاً ماء ورد، وشاي أخضر وليمون، وزنجبيل وعسل، وحليب طازج، كلها مكونات محلية أصيلة تُضاعف من التأثير العاطفي لكل قطعة؛ بعد أن تُحضر من الحقول لتُذوب في الفم حباً مُرَهفاً.
Salma's Chocolates شركة عمانية كان لها السبق في صناعة الشوكولاته، فمنذ عشر سنوات نجحت سلمى الحجري مع شريكتها عائشة، في انتهاج خطٍ جريء يعتمد على نكهات غريبة وتقليدية تحمل رائحة سلطنة عمان وحضارتها.
قد لا يُحسن المرء تمييز الشوكولاته المصنعة يدوياً عن سواها، لكن الذواقة والخبراء حتماً يجيدون الفرق ومن أول قضمة، كما تقول المؤسّسة الشريكة لشركة «سلمى» للشوكولاته، مؤكدة أن من أبرز الفروق التي يمكن ملاحظتها النكهة المستخدمة، ونسبة السكر إذ تتميز الشوكولاته اليدوية بنسبة معتدلة في السكر، في حين تظهر نكهة الحليب بوضوح في نظيرتها المُصنعة عن طريق الآلات بُغية خفض التكلفة.
يمر إنتاج الشوكولاته بمراحل معقدة، تشرح سلمى لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «أولى المراحل تجميع حبوب الكاكاو من الدول المنتِجة، مثل أفريقيا وأميركا الوسطى، وبطبيعة الحال تختلف الجودة والطعم من بلد إلى آخر، وبعد التجميع والتصفية تتولى مصانع ضخمة في أوروبا عملية طحن وعجن الحبوب وخلطها بالسكر والحليب بنسب متفاوتة لتصل إلى صنّاع الشوكولاته على هيئة حبوب أو قوالب كبيرة». مشيرة إلى أن تصنيع الكاكاو لا يندرج في مهام شركتهم؛ لأن تحويل الكاكاو إلى عجينة شوكولاته في حاجة إلى عمليات طويلة ومكلفة.
الابتسامة لذّة هذا العمل؛ لذا تتهلل أسارير «عاشقة الشوكولاته» مع فريقها، محاولة أن تكون سعيدة حتى تنتقل عدوى البهجة إلى الزبون فيضحك وجهه هو أيضاً عند تذوقها. وتقول في ذلك: «يهمني أن يحوز المنتج إعجابي قبل إعجاب أي أحد آخر».
الشوكولاته «الحقيقية» في أغلبها تصافحها يد حانية؛ قالتها بعفوية فيها من جمالية الشِعر؛ متابعة: «الصناعة اليدوية لها مذاق خاص. فيها نعرف بالضبط ماذا وضعنا في القطعة، ولا تتشابه قطعتان قط؛ بينما تفتقر تلك المُصنعّة عبر الماكينات إلى روح الشغف».
وتتصدر الحلويات العمانية قائمة منتجات «سلمى»، ولا سيما التي توشك على الاندثار ولم يعد الشباب يعرفونها مثل الحلوى العمانية الشهيرة وحلوى جوز الهند والماهو «حلوى الحليب».
- لا تتشابه قطعتان
في الأعوام الأخيرة أوجدت سلمى الحجري مكانة لافتة لمشروعها، نائلة «جائزة محمد بن راشد آل مكتوم» لأفضل مشروع شبابي ناشئ في الوطن العربي لعام 2014.
مصنعها الصغير يشتري الحبوب والقوالب ثم يُعرّض الشوكولاته إلى مختلف درجات الحرارة، بدءاً بالتذويب، مروراً بالتبريد، وانتهاءً بالتشكيل، بعدها تضاف النكهات المتنوعة وتُشكّل إما بالقوالب أو التغميس، وفور أن تجمد القطع يعمل الفريق على تغليفها يدوياً، ومن ثم تعبئتها.
وبحسب تجربتها، فإن إنتاج مذاقٍ خاص يتطلب رغبة في التميز بالدرجة الأولى، وتفكيراً إبداعياً يوجد آلية للصناعة لا تتوفر في السوق.
دورة في إيطاليا كانت أول خطوة لسلمى في مشوارها الذي تعلمت فيه تقنيات العمل، وفي كل مرة تسافر فيها مع شريكتها عائشة تتعلمان معاً طرقاً جديدة لتحضير الشوكولاته وفق معايير تتناسب مع الثقافة العربية، مضيفة: «في كل مرة نأتي بفكرة نخضعها للتجربة مرات عدة إلى أن تنجح مثل الكراميل بدبس التمر».
بعد عمل لمدة عامين من منزلها أخذ مشروع «سلمى» يحقق نجاحاً على المستوى المحلي ناهيك عن أن الشوكولاته لاقت إعجاب السياح الأجانب ممن يزورون السلطنة، وكل من تذوقها خارج البلاد أشاد بطعمها، والكلام للشابة العمانية.
سألتها عن دور الماكينات الحديثة في الصناعة اليدوية، فقالت إن مهمتها تقتصر على المساعدة في التذويب والتحكم بدرجة حرارة الشوكولاته فقط، في حين ترتكز العملية الأساسية على أيادي فريق يتكون من ثمانية أشخاص «بمن فيهم عائشة وسلمى» يتمتعون بروح الابتكار، ويعتمدون أسلوب البساطة في تسويق منتجهم.
تقول إن الشوكولاته اليدوية في الوطن العربي ذات صيت جيد، إلا أن ثمة صعوبات تقف عائقاً أمام استمرار هذا النوع من المشاريع، تفصح عنها: «نواجه صعوبة في إيجاد ممولين للشوكولاته وموادها الخام، وفي المقابل طريق التصدير يُعد شائكاً؛ ذلك أن الكثير من الدول تفتقد إلى شركات متخصصة في تصدير الشوكولاته بكميات صغيرة، ناهيك عن نقص واضح في الخبرة بهذا المجال».
«العمانية» سلمى لطالما رفعت شعار «صامدون» وها هي اليوم تصرّح بأنها وفريقها بصدد دراسة قرار إغلاق مصنعهم، تحدثني عن ذلك بكل شفافية: «يعز علينا القول إن فكرة الإغلاق تراودنا، لقد كافحنا طويلاً كغيرنا على مدار السنوات الثلاثة الماضية للمحافظة على الشركة، إلا أن الأزمة الاقتصادية التهمت صغار المصنعين يدوياً، لقد وصلنا إلى مرحلة نعجز فيها عن شراء المواد الخام».
وتضع على الطاولة حقيقة مفادها أن معدلات الطلب في السوق لم تعد مثل السابق نتيجة ارتفاع سعر المواد الأساسية وانخفاض سعر البترول في منطقة الخليج؛ مما أثر سلباً على اقتصاد البلاد، كما أن هذه الصناعة مع الأسف تتعرض لـ«نسخ الأفكار» من البعض واستخدام مواد خام رديئة، تقولها بنبرة أسف.
وتنصح الراغبين في دخول هذا الغمار بعبارة أخيرة: «مواجهة التحديات تتطلب منكم استعداداً عالياً، ومن دون عزيمة وقوة لن يفلح الأمر».
- الفلسطيني لا يُدللّ نفسه
معالم سياحية ودينية تذكّرنا بالتاريخ التليد في محافظة بيت لحم تشد الانتباه ما أن تُلمح على غلاف شوكولاته، حيث تتنوع النكهات المحلية ما بين الفلفل الحار أو القرفة أو النسكافيه أو القهوة، وقد تغطسّ الفواكه المجففة بها، ومنها ما يُحشى بأصناف من المكسرات تنتقي «صاحبتها» أجود الأنواع منها فتخلط مثلاً الجوز مع العسل، ويسمى هذا الصنف «بيكان».
«يرى البعض أن الشوكولاته ترفاً عند مواطن فلسطيني مطحون.. ما رأيك؟». ماجدة سلسع، صاحبة متجر «سويتي» الذي يشتمل في أحد أركانه على مصنع صغير، يأتي جوابها صريحاً: «قانون الحياة هنا ينص على أن الفلسطيني يشتري الشوكولاته في المناسبات لا لمجرد أن يدللّ نفسه بسبب الظروف الاقتصادية القاهرة».
وتؤكد أن الزبون هو سيد الموقف في تحديد نوع المنتج، وبناءً على تجربتها لا يمكن المجازفة بإنتاج كميات كبيرة من صنف معين لا تطلبه السوق وقد يكون عالي التكلفة.
- Sweetie Chocolate
صار اليوم بمدينة بيت لحم كـ«يَراعة مضيئة» في واقع قاسٍ، أطلقته ماجدة عام 2008 بعد تقاعدها؛ إذ لم يكن في تلك الفترة رواج للصناعة الوطنية، بل كان الاعتماد كله على الشوكولاته المستوردة، وفقاً لها.
ولا تمل السيدة التلحمية من التدقيق في اختيار أجود المدخلات إلى هذه الصناعة؛ إذ تنتقي أفضل أنواع «التمر المجول» كما تولي عناية فائقة للمواد الخام التي تدخل في تصنيع حشوات الشوكولاته.
تتحدث ماجدة لـ«الشرق الأوسط» عن رحلتها مع «سعادة» على هيئة قطعة داكنة؛ بالقول: «أردتُ أن يكون مشروعي جديداً وبعيداً عن (التقليدية) التي تعجّ بها السوق المحلية، كان اختيار الشوكولاته صعباً بالنسبة لي لعدم توفر مرجعية سابقة في ذلك الحين يمكن الاستقاء من خبراتها، وبطبيعة الحال تغير الأمر الآن بعد أن فرضت الكثير من المصانع احترامها في مناطق فلسطينية عدة، وباتت قادرة على منافسة الصناعات الأجنبية».
درست المرأة ملياً الفكرة من كل جوانبها، وتوقعت أن يخرج منها إنجاز مميز، ولا سيما أنها ترتبط بمناسبات مفرحة «زواج وتخرج ومواليد وأعياد... إلخ»، وهكذا انطلق من بيت صغير مشروع عائلي يشاركها فيه بالجهد والشغف زوجها وأبناؤها، تخبرني عن بداياتها بروح مفعمة بالحب: «في السنوات الأولى عملت بطريقة يدوية بحتة وبأدواتٍ في غاية البساطة، لقد لاحظت أن تميز العمل اليدوي يكمن في طحن مكونات الشوكولاته على درجة حرارة أقل من درجة حرارة الماكينات المتطورة ولمدة أطول وبكميات أقل، دعيني أختصر الأمر هكذا: التصنيع اليدوي يعني أن نهتم بكل قطعة شوكولا على حدة، والنكهة الطيبة تأتي من المدة الطويلة للطحن».
- السوق... لغة واقعية
«عملية تصنيع الشوكولاته تحتكم إلى عوامل بيئية ودرجات حرارة محددة مع مراعاة أقصى درجات النظافة؛ المسألة ليست سهلة»، ومضة أخرى تضعها على طريق كل من يود اللحاق بعمل من هذا القبيل، مؤكدة أن المكان يجب أن يكون مهيأ للشوكولاته وليس لأغراض أخرى.
تعرفت على المبادئ العامة لصناعة الشوكولاته في زيارة إلى فرنسا، وفي الأردن سنحت لها الفرصة لزيارة مصانع لتطلع عن كثب على بعض التفاصيل، لقد أدركت تماماً أن المشوار لا يخلو من مخاطرة وجرأة وتحدٍ ومواظبة واهتمام، حسب تعبيرها.
بشكلٍ عام؛ تحدث هذه العملية بجلب كل المكونات «زبدة الشوكولاته والكاكاو والسكر، وهناك شوكولاته بحليب وأخرى من دون». تضرب هنا على الوتر الحساس بالقول: «سر المهنة يتجلى في طريقة خلط المكونات وفق درجات حرارة محددة، منها ما توضع في البداية وأخرى تضاف في النهاية، علماً بأني أجرّب نكهات متنوعة لأختبر مدى ملاءمتها بحيث أطحن كميات قليلة ليتسنى لي التحكم بالنكهة».
وبعد هذا التعب، من الطبيعي أن تحتفظ لنفسها بطريقتها الخاصة في التصنيع التي بها تُخرج قطعة من روحها، مستعرضة مزايا وعيوب الصناعة اليدوية؛ بالقول: «بلا شك جودتها أعلى، لكن جدواها الاقتصادية قليلة، وفي المقابل التكلفة مرتفعة، والإنتاج يستغرق وقتاً طويلاً، ولا أخفي أن قلة من الزبائن من يبدون استعداداً لدفع مبالغ عالية لشرائها، وبالنظر إلى الواقع علينا مراعاة ظروف السوق والمستهلك، ناهيك عن أننا نعاني من عوائق الاستيراد، فالمعابر ليست بأيدينا والأسعار ليست طوع أمرنا»... إذن، ماجدة تتحدث بلغة السوق؛ فاستدامة المشروع من أولوياتها وهي مَعنية بكسب الزبائن؛ مما جعلها تلجأ لاحقاً إلى الاستعانة بالماكينات التي تقف في المنتصف بين اليدوي والآلي لتساعدها على إنتاج كميات أكبر مما لو اكتفت بالطريقة البدائية، نقطة مهمة تثيرها أثناء مواصلة الحديث.
وتتمتع بيت لحم بخصوصية دينية، حيث تقع فيها كنيسة المهد؛ مما ألهم ماجدة سلسع بفكرة طباعة صور المعالم التاريخية والأثرية على غلاف شوكولاتتها، فلا يتردد السياح في شرائها على اعتبار أنها تذكار من الصناعة التلحمية، كما أن فلسطيني الداخل المحتل يأخذونها هدايا لأحبتهم.
فخورة بأنها أصبحت نموذجاً ناجحاً للصناعة الوطنية رغم المنافسة المحتدمة مع الشوكولاته المستوردة والمحلية على حدٍ سواء، وتذكر أنها تبذل ما في وسعها لتلبية رغبات الزبائن مهما كانت الكميات بسيطة، وتتفنن في التفاصيل على صعيد الشكل ودرجة الحلاوة وطريقة التغليف والإكسسوارات والتصاميم المطلوبة، طامحة أن يصل انتشار «سويتي» إلى بقية أنحاء فلسطين، فهي تفضل أن تتدرّج في خُطاها لعلها تنجح يوماً في التصدير إلى العالم العربي.
«مشروع العُمر» هكذا تنظر الأسرة المكافحة إلى عملها؛ في حين تضحك ريادية الأعمال وهي تتذوق قطعة محشوة بالكاجو؛ لتقول كلمتها الأخيرة بنبرة واثقة: «نجاحنا واستمرارنا خيارٌ وحيد لا نملك غيره. كل فرد في عائلتي يتقن دوره، حتى أنني أفوّض الصلاحيات لهم وقلبي مطمئن».


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.