على السطح، كل شيء واضح: «ذا ليون كينغ»، فيلم الأنيميشن الذي قفز فوق حاجز المليار دولار بأسرع مما يصل الواحد منا إلى سيارته، مؤلّف من حكاية سهر عليها جيف ناثانسون وبرندا تشابمان كان جوناثان روبرتس وليندا وولفرتون وآيرين ميتشي أسسوا شخصياتها في النسخة التي أنتجتها ديزني قبل 25 سنة.
لكن بالعمق، هي الحكاية ذاتها التي وردت في رائعة ويليام شكسبير «هاملت: أمير الدنمارك» التي وضعها الشاعر والمسرحي الأشهر ما بين 1599 و1601 ونشرها سنة 1603.
فيلم ديزني بنسختيه (1994 و2019)، يتحدث عن الشّبل الذي هام على وجهه بعد موت والده الملك بخطة رسمها شقيقه قبل أن يعود الشبل وينتقم من عمّه. لكن إذا لم يكن هذا الملخص مقنعاً في رسم خطوط التقارب أو الاستنساخ، لأنّ هذا الملخص هو ذاته الذي يمكن إيجاز «هاملت» شكسبير إليه، فإن هناك ما يؤيده:
- في الفيلم كما في المسرحية يزور شبح الأب ابنه ليوعز له بالحكمة وليتواصل معه روحياً.
- في المسرحية يجد هاملت ملاذه بين شلّة من الأصدقاء بعضهم شخصيات غريبة السلوك. في الفيلم يجد الشبل (سامبا كما يؤديه صوتياً دونالد كلوفر) الملاذ والسلوى بين حيوانات أخرى تصاحبه.
- في كليهما العم هو الذي قتل الأب.
- في كليهما الابن الفار يستجمع قراره وإرادته وقواه ويعود لينتقم من مقتل أبيه.
ناطق باسم الفيلم الجديد نفى بأن «ذا ليون كينغ» مأخوذ عن «هاملت» لكن هذا النّفي لا يجيب عما سبق من مقاربات بين الأصل والنسخة وإذا ما أمعن المرء وجد أنّ العديد من أفلام ديزني وشخصياتها ليست مكتوبة أصلاً وخصيصاً لديزني بل هي مستقاة من مصادر مختلفة.
يكفي في هذا المجال «علاء الدين» (بنسختيه 1992 و2019)، المسحوب من حكايات «ألف ليلة وليلة» و«دامبو» (1941 و2019) مأخوذ عن «الفيل الطائر» من تأليف هيلين أبرسون وهارولد بيرل. وهل من الضروري البحث عن أصول أفلام مثل «سندريلا» و«الحورية الصغيرة» (الذي يُعاد حالياً صنعه) و«الجميلة والوحش»؟.
هذا لا يعني أنّ كل أفلام ديزني الأنيميشن غير أصلية. سلسلة «توي ستوري» (من أربعة) مكتوبة خصيصاً (ولو أنّها بدأت بشركة بيكسار التي كانت مستقلة قبل قيام ديزني بشرائها) وفيلم الأوسكار «كوكو» قام بدوره على أساس سيناريو وشخصيات أصلية. كذلك الحال مع «كتاب الغابة» الذي ظهرت نسخته الأولى سنة 1967 والثانية 2016.
تاريخ مهم
ديزني اليوم يتبوأ، كما ورد معنا حين انطلق فيلمها الجديد في الأسواق قبل أسبوعين، المركز الأول بين كل شركات هوليوود العاملة اليوم مسجلاً الحصّة الأكبر من الإيرادات منذ عام 2015 وحتى الآن. ليست كلها من أفلام الأنيميشن لكن بالمشاركة مع شخصيات وحكايات «مارفل» الفانتازية مثل «ذا أفنجرز» و«آيرون مان» وسواها. بالتالي، هي الأكبر حجماً ومكانة والأعلى نجاحاً بين الاستوديوهات العملاقة الأخرى: يونيفرسال، وورنر، باراماونت، صوني (كولمبيا سابقاً)، تونتييث سنتشري فوكس ومترو - غولدوين - ماير.
هذا الاستديو الأخير تألّف من ثلاث شركات (مترو وغولدوين وماير) سنة 1924، وكان من بين الأقوى والأثرى والأكثر تميّـزاً بإنتاجاته. وكما يعرف متابعو أفلام جيمس بوند التي ما زالت م - ج - م توزعها فإنّ شعار الشركة كان الأسد وهو يزأر مائلاً برأسه يمنة ويسرة.
شعار ديزني التي أُسّست سنة 1923. كان كتابة على الشاشة، فهي لم تستخدم شعاراً مصوّراً حتى سنة 1985. لكنّها عُرفت من العشرينات بأنّها استوديو الفأر، لأنّ أحد أكثر إنتاجاتها الكرتونية آنذاك كانت شخصية ميكي ماوس.
وهي ولدت على يدي شقيقين أشهرهما وولت ديزني (مولود في شيكاغو سنة 1901)، والآخر هو روي (من أصل خمسة أولاد) لم تتمكن العائلة من تأمين دراسة عليا لوولت (ولا لأي من إخوته)، فشق طريقه منجذباً لعالم الكوميديا كما وجدها في أفلام تشارلي تشابلن وبستر كيتون. مع اندلاع الحرب العالمية الأولى جرّب دخول الجيش، لكنّه كان في السادسة عشرة من عمره. زوّر شهادته وانخرط سائق سيارة إسعاف في فرنسا قبل أن يعود إلى أميركا حيث وجد له روي عملاً في استوديو رسم بالحبر كان اختصاصه رسم الإعلانات الصحافية. مع زميل له أسّس شركة جديدة لمثل هذه الغاية من ثمّ انجذب للعمل في استوديو «كانساس سيتي فيلم آد كومباني» الذي كان يصنع أفلام رسوم للدعاية. لبضع سنوات تمكن من التعرف على بديهيات رسم أفلام الكرتون وتنفيذها، ما حفّـزه للانتقال سنة 1923، إلى هوليوود حيث أسّس الشركة مع شقيقه روي.
ديزني استوديو بذلك كان الثالث بين شركات هوليوود الكبيرة فقد سبقته شركتا يونيفرسال وباراماونت اللتان تأسستا سنة 1912. من ثمّ تبعته شركتا م.ج.م وكولومبيا سنة 1924. وتأسست شركة تونتييث سنتشري فوكس سنة 1935. هذا لجانب العديد من شركات الصف الثاني مثل RKO و«ريبابلك» وشركات عرفت باسم «صف الفقراء» مثل «تيفاني بيكتشرز» و«أستور بيكتشرز» وPCR و«مونوغرام».
كون الشركات الأخرى صبّت إنتاجاتها على السينما الحية فإنّ ذلك ترك المجال أمام ديزني للتّخصص بالأفلام الكرتونية. لكن الشركة كانت من الصغر بالحجم بحيث انضمت عملياً، إلى استوديوهات الصف الثالث (تلك التي لا تعتبر استوديوهات فعلية) لجانب «تايتانوس» و«بريتيش ليونز» و«مونوغرام».
لكنّ الحال بدأ يتبدّل في النصف الثاني من الستينات. وولت الذي التُقطت له صور كثيرة مع ميكي ماوس وشخصياته الكلاسيكية الأخرى، كان عنيداً في طلب المكانة وكان سابقاً ما يشتكي من اعتبار الاستوديو الذي يملكه أقل أهمية من سواه.
وأثبتت الأيام ذلك. «استوديو الفأر» كما كانوا يطلقون عليه (وما زالوا يرددون: The House of the Mouse) كبر حجماً وقيمة وثراءً في الوقت الذي انزوى أسد (م ج م) وتحوّل إلى شخصية أخرى من شخصيات ديزني كما هو الحال اليوم.
كيف أُنجز الفيلم
في الواقع فإنّ الخطوات التي قطعها الاستوديو (بعد وفاة مؤسسه سنة 1966)، كانت من بين تلك التي أوصلته إلى ما هو عليه اليوم. الاستوديو الذي كان يشكو من إهمال هوليوود له، صار شاغلها الأكبر والإنتاجات التي كان يطلقها بتكلفة بضع عشرات من ثمّ مئات الألوف من الدّولارات، أصبحت في مئات الملايين. ميزانيته وأرباحه تزيد عن ميزانيات وأرباح أكثر من عشر دول آسيوية أو لاتينية أو أفريقية. وكل ذلك تم بالتخصص في سينما الأنيميشن والوصول بعدها إلى المركز المالي الذي سمح له بالاتفاق مع شركة مارفل لمجلات الكوميكس بالعمل معاً. بذلك استولى على قرار المشاهدين بتأمين أكثر نوعين من الإنتاجات شيوعاً بين جمهور اليوم.
«ذا ليون كينغ» هو حصيلة كل هذه السنوات لا كجزء تاريخي محدد بل بالنّظر إلى ما عرفته السينما من تطوّرات تقنية باتت تلتهم كل ما عداها من ضروب العمل وفنون الإبداع.
الفيلم مرسوم بكامله. لم يُستعان بأي لقطة كاميرا، لكنّ الجديد في منواله هو أنّه يختلف عن أفلام ديزني الكرتونية السابقة التي تألفت أيضاً من الرسم وذلك من حيث إن كل شيء نُفّذ بوحي من الفيلم الحي في الوقت ذاته.
ما حدث هو أنّ فريق العاملين التقنيين (بينهم مدير التصوير الشهير كالب داشيل)، استخدموا ما يعرف بـOptical Track Active Traking، وهو نظام تستخدمه الأفلام الحية في التصوير العادي وطبّقته على الفيلم المؤلف كلياً من «المؤثرات الخاصة» (VFX). والطريقة بدأت بزيارة مواقع التصوير والاتفاق على الزوايا والإضاءة والعدسات التي ستستخدم. لاحقاً ما تم تطبيق التعليمات التقنية المسجلة بالمزج مع المشاهد المتحركة للحيوانات التي تقوم بكل أدوار الفيلم. وكان على كل ذلك أن يعاود دخول سلسلة من العمليات التقنية المعقدة على مدار عامين لإتمام الـ«لوك» الصحيح للفيلم.
نقدياً، الفيلم ساذج وحركات الشبل تبدو كما لو كانت حركات جرو، لكنّ هذا لا يعني أنّ الفيلم لم يأت تجاوزاً تقنياً لكل ما سبقه في السنوات الأخيرة.
إتقان المزج والصورة الكبيرة أمران مهمان، لكنهما ليسا كل شيء، فهناك إتقان عليه أن يتم كذلك في كل تفصيل حتى ولو كان صغيراً (هناك فنان متخصص بتحريك شعر الأسد أو الشبل في تلك اللقطات التي يقف فيها الأسد وابنه عند الصخرة الشاهقة مثلاً).
على ذلك، يمكن للناقد ملاحظة أنّ الصّعوبة في كل ذلك هي محاولة تقديم ما هو واقعي، السلوك في عالم من الفانتازيا. وهذه الصعوبة تتجلى في ضبط الحركة الواقعية للفم مع الحوار بحيث لا يتحدث الحيوان أو الطير بطريقة لا توائم حركة الفم. لذلك، على ما يبدو لهذا الناقد على الأقل، نجد أنّ شخصية الطائر زازو لا بد أنّها شكّلت عقبة في سبيل إتقان هذا التكنيك، فهي لا تتحدث بتحريك منقارها بل باستخدام حنجرتها، لذلك نجد زازو كما لو كان صامتاً لولا سماعنا لصوته (أداه جون أوليفر).
بالنسبة لفيلم كله قائم على الفانتازيا فإنّ الواقعية التي استخدمها الفيلم لإنجاز تلك الفانتازيا على نحو يحوّلها إلى حقيقة يستحق فيلماً بحد ذاته.
هل كتب ويليام شكسبير سيناريو «ذا ليون كينغ»؟
التفاصيل التقنية المذهلة صاحبت أحد أنجح أفلام العام
هل كتب ويليام شكسبير سيناريو «ذا ليون كينغ»؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة