فيلم «جليد على نار»... عندما يكون الواقع أخطر من الخيال

ليوناردو دي كابريو خلال تقديمه الفيلم - ملصق دعائي لفيلم «جليد على نار»
ليوناردو دي كابريو خلال تقديمه الفيلم - ملصق دعائي لفيلم «جليد على نار»
TT
20

فيلم «جليد على نار»... عندما يكون الواقع أخطر من الخيال

ليوناردو دي كابريو خلال تقديمه الفيلم - ملصق دعائي لفيلم «جليد على نار»
ليوناردو دي كابريو خلال تقديمه الفيلم - ملصق دعائي لفيلم «جليد على نار»

عقب نجاح فيلم «تيتانيك» الذي جلب له الشهرة عالمياً عام 1997، أسّس الممثل الأميركي ليوناردو دي كابريو منظمة غير ربحية تحمل اسمه، تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي حول قضايا مثل الاحتباس الحراري والتنوع الحيوي والطاقة المتجددة. وطيلة السنوات الماضية، أبدى دي كابريو التزاماً لافتاً في هذا المجال، فدعم نشاطات الكثير من المنظمات البيئية، وأنتج مجموعة من الأفلام الوثائقية المهمة، من بينها فيلم «الساعة الحادية عشرة»، الذي يصوّر علاقة الناس بالطبيعة والاحتباس الحراري، وفيلم «قبل الفيضان» الذي يتناول مختلف جوانب تغيُّر المناخ العالمي.
بعد نحو عقد من الزمان على فيلمه «الساعة الحادية عشرة»، عاد دي كابريو مع المخرجة ليلى كونرز لإنتاج فيلم يؤكد على خطورة المشكلة، التي لا يزال كثير من السياسيين يحاولون تجاهلها وينكرون مخاطرها. فيلم «جليد على نار»، الذي بدأ عرضه قبل أيام، لا يكتفي بتناول مظاهر التغيُّر المناخي وأسبابه وآثاره، بل يناقش أيضاً الحلول المتاحة لمواجهته.
وفي حين تضمن فيلم «الساعة الحادية عشرة» مشاركة عدد كبير من السياسيين والعلماء والناشطين، بمن فيهم الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، وعالم الفيزياء الراحل ستيفن هوكينغ، والناشطة البيئية وانغاري ماثاي، اكتفى دي كابريو في فيلمه الأخير بشهادات علماء فاعلين في تسجيل انبعاثات غازات الدفيئة ورصد مظاهر تغيُّر المناخ. وخلص إلى الدعوة، في نهاية الفيلم، للإصغاء إلى ما يقوله العلماء، فنحن «أول جيل يشاهد عواقب تغيُّر المناخ، وقد نكون آخر جيل يستطيع عكس آثاره».
يبدأ فيلم «جليد على نار» بمشاهد جوية متعاقبة تصوّر ذوبان الجليد في الأراضي الصقيعية على محيط الدائرة القطبية الشمالية وضمن الأنهار الجليدية، ثم يتناول قياسات تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو وتغيرّها منذ بدء النهضة الصناعية العالمية قبل نحو 250 عاماً.
ويستشهد الفيلم بالمعطيات التي يعرضها بيتر تانس، رئيس الشبكة المرجعية العالمية للغازات الدفيئة، مؤكداً أن «العالم عرف زيادة في تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو مقدارها 80 جزءاً في المليون خلال ستة آلاف سنة. قبل النهضة الصناعية، كان التركيز 280 جزءاً في المليون، في حين أصبح التركيز حالياً نحو 410 أجزاء في المليون، وهذا بكل تأكيد ناتج من النشاط البشري».
ويوضح جيم وايت، أستاذ الجيولوجيا في جامعة كولورادو، تأثير زيادة الكربون في الجو على ارتفاع حرارة المحيطات وذوبان الجليد العالمي، حيث يشير إلى أن «ارتفاع تركيز ثاني أكسيد الكربون إلى 600 أو 700 جزء في المليون سيؤدي إلى ذوبان الجليد في جميع أرجاء العالم، وسوف ينتج من ذلك ارتفاع منسوب المياه في البحار بمقدار 80 متراً. ويبدو أننا نندفع في هذا الاتجاه».
التغيرات التي نشهدها في الجليد القطبي تطال نظام الطقس العالمي؛ إذ إن ما نراه في القطب لا يبقى هناك. والأمر ليس مجرد ذوبان بعض الجليد القطبي، كما يرى بيتر وادامس، رئيس مجموعة فيزياء المحيط القطبي في جامعة كامبردج، بل هو ذوبان مناطق واسعة وتغير في سماكة الجليد من أمتار عدة إلى سنتمترات عدة.
ووفقاً لـوادامس «تحوّل المحيط القطبي من قارة متواصلة من الجليد إلى مساحات مائية في الصيف. وفي حين يحصل الاحترار القطبي بسرعة تزيد ثلاثة أضعاف على ما يحصل في باقي العالم، فإن فوارق الحرارة مع المناطق الدافئة تتناقص؛ مما يتسبب في إضعاف تدفق التيار الهوائي في طبقات الجو العليا، وجعله أكثر تموجاً. وينتج من ذلك اختلال في الأحوال الجوية العالمية وحوادث مناخية متطرفة تترك آثارها الكارثية في كل مكان، ولا سيما في أهم مناطق إنتاج الغذاء العالمي».
ويوماً بعد يوم، تزداد القناعة حول حتمية الاختلال المناخي الناتج من ازدياد انبعاثات غازات الدفيئة؛ إذ لم يعد التساؤل حول إمكانية حصول الظواهر المناخية المتطرفة، بل أصبح عن مكان وموعد حصولها. كما يتسبب الاختلال المناخي بتراجع التنوع الحيوي في كل مكان، حيث من الثابت وجود ارتباط بين دورة الكربون في الجو ونسيج الحياة على الأرض. ويشهد العالم حالياً انزياحاً في مواطن الكائنات الحية إلى مناطق كانت تعدّ سابقاً أكثر برودة؛ مما يتسبب باختلال أحيائي عالمي.
وتؤثر السياسة ومصالح رجال الأعمال في قدرتنا على مواجهة هذه التحديات البيئية. ويرى الإعلامي الأميركي توم هارتمان أنه «لدينا مجموعة من الناس تستفيد حرفياً من تدمير الحياة على كوكب الأرض. ويعلم بعض منكري التغيُّر المناخي أكثر من غيرهم، ولا سيما أولئك الذي يحصلون على التمويل، حجم الجريمة التي يجري ارتكابها ضد الإنسانية. هؤلاء تجب محاكمتهم أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي».
ويتابع فيلم «جليد على نار» عرض شهادات العلماء حول تغيُّر المناخ، كما يتناول ظاهرة ارتفاع نسبة غاز الميثان في الجو وتأثيرها الخطير في ازدياد الاحتباس الحراري. ولا تزال أسباب هذه الظاهرة مدار نقاش علمي واسع، حيث يرى كثيرون أن ذوبان جليد المناطق الصقيعية يتسبب في تحرير الميثان المحتجز تحتها منذ آلاف السنين.
وتؤكد موجة الحرائق التي اجتاحت الدائرة القطبية خلال الأسبوع الماضي ما ذهب إليه فيلم «جليد على نار»، حيث رصد العلماء انبعاث كميات وفيرة من غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان كانت محتجزة في الأراضي الصقيعية منذ آلاف السنين. وتشير هذه الحرائق إلى ما يجب توقعه في عالم تزداد حرارته يوماً بعد يوم، وتتوفر فيه الظروف لإطلاق مزيد من الكربون في الغلاف الجوي، ولا سيما مع استقرار الكثير من المواد المعلقة الناتجة من الحرائق على سطح الجليد؛ مما يتسبب في تعتيمها وتسريع ذوبانها.
ويدعو معدّو الفيلم إلى تبني إجراءات جماعية عاجلة لتحقيق أهداف باريس المناخية، كالحد من استخدام الوقود الأحفوري والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة وزراعة الأشجار على نطاق واسع. وفيما تبدو الخيارات السابقة موضع إجماع علمي واسع، فإن الخيارات الأخرى التي يؤيدونها، وهي تقع تحت مفهوم هندسة المناخ وعكس الانبعاثات، لا تزال قيد الاختبار وتستوجب مزيداً من البحث في آثارها الجانبية، التي قد لا تقل خطراً عن تغير المناخ ذاته.
في مشهد مؤثر من الفيلم يتسبب ثقب الجليد في إحدى المناطق الباردة في تحرير كمية من الميثان تكفي لإشعال النار فوق الثلوج. ربما يرى البعض في هذه التجربة البسيطة التي عرضها الفيلم توضيحاً للعنوان الذي يحمله، لكن ما يريد الفيلم إيصاله هو أن جليد العالم، بل العالم، مهدد بنار التغيُّر المناخي.


مقالات ذات صلة

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري سامح شكري (إ.ب.أ)

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

أكد رئيس مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) سامح شكري اليوم (السبت) أن «الغالبية العظمى» من الدول تعتبر مشاريع القرارات التي قدمتها رئاسة مؤتمر المناخ «متوازنة» بعدما انتقدها الاتحاد الأوروبي. وأوضح وزير خارجية مصر سامح شكري للصحافيين بعد ليلة من المفاوضات المكثفة إثر تمديد المؤتمر في شرم الشيخ أن «الغالبية العظمى من الأطراف أبلغتني أنها تعتبر النص متوازنا وقد يؤدي إلى اختراق محتمل توصلا إلى توافق»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. وتابع يقول «على الأطراف أن تظهر تصميمها وأن تتوصل إلى توافق».

«الشرق الأوسط» (شرم الشيخ)
بيئة البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

شهدت سنة 2021 الكثير من الكوارث والخيبات، لكنها كانت أيضاً سنة «الأمل» البيئي. فعلى الصعيد السياسي حصلت تحولات هامة بوصول إدارة داعمة لقضايا البيئة إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. كما شهدت السنة العديد من الابتكارات الخضراء والمشاريع البيئية الواعدة، قد يكون أبرزها مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» التي أطلقتها السعودية. وفي مجال الصحة العامة، حقق العلماء اختراقاً كبيراً في مواجهة فيروس كورونا المستجد عبر تطوير اللقاحات وبرامج التطعيم الواسعة، رغم عودة الفيروس ومتحوراته. وفي مواجهة الاحتباس الحراري، نجح المجتمعون في قمة غلاسكو في التوافق على تسريع العمل المناخي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

أعلنت فرقة «كولدبلاي» البريطانية، الخميس، عن جولة عالمية جديدة لها سنة 2022 «تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة»، باستخدام الألواح الشمسية وبطارية محمولة وأرضية تعمل بالطاقة الحركية لتوفير كامل الكهرباء تقريباً، فضلاً عن قصاصات «كونفيتي» ورقية قابلة للتحلل وأكواب تحترم البيئة. وذكرت «كولدبلاي» في منشور عبر «تويتر» أن «العزف الحي والتواصل مع الناس هو سبب وجود الفرقة»، لكنها أكدت أنها تدرك «تماماً في الوقت نفسه أن الكوكب يواجه أزمة مناخية». وأضاف المنشور أن أعضاء فرقة الروك الشهيرة «أمضوا العامين المنصرمين في استشارة خبراء البيئة في شأن سبل جعل هذه الجولة تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة» و«

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

انخفضت انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي بشكل كبير العام الماضي حيث أجبر وباء «كورونا» الكثير من دول العالم على فرض الإغلاق، لكن يبدو أن هذه الظاهرة الجيدة لن تدوم، حيث إن الأرقام عاودت الارتفاع بحسب البيانات الجديدة، وفقاً لشبكة «سي إن إن». وتسببت إجراءات الإغلاق لاحتواء انتشار الفيروس التاجي في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7 في المائة على مدار عام 2020 - وهو أكبر انخفاض تم تسجيله على الإطلاق - وفق دراسة نُشرت أمس (الأربعاء) في المجلة العلمية «نيتشر كلايميت شينج». لكن مؤلفيها يحذرون من أنه ما لم تعطِ الحكومات الأولوية للاستثمار بطرق بيئية في محاولاتها لتعزيز اقتصاداتها الم

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة 5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

أعلن الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن وزير الخارجية السابق جون كيري سيكون له مقعد في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، وهي المرة الأولى التي يخصّص فيها مسؤول في تلك الهيئة لقضية المناخ. ويأتي تعيين كيري في إطار التعهدات التي قطعها جو بايدن خلال حملته الانتخابية بإعادة الولايات المتحدة إلى الطريق الصحيح في مواجهة تغيُّر المناخ العالمي ودعم قضايا البيئة، بعد فترة رئاسية صاخبة لسلفه دونالد ترمب الذي انسحب من اتفاقية باريس المناخية وألغى العديد من اللوائح التشريعية البيئية. وعلى عكس ترمب، يعتقد بايدن أن تغيُّر المناخ يهدّد الأمن القومي، حيث ترتبط العديد من حالات غياب الاستقرار

«الشرق الأوسط» (بيروت)

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
TT
20

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

في نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت «اليونيسكو» عن انضمام موقعي «شمال الرياض جيوبارك»، و«سلمى جيوبارك» إلى شبكة «الجيوبارك العالمية لليونيسكو»؛ في خطوة تعزز من دور السعودية في الحفاظ على التراث الجيولوجي، وتعزيز التنمية المستدامة، حيث جاء الإعلان استناداً إلى «معايير دقيقة تتبعها المنظمة الدولية، وتشمل إدارة المناطق الجيولوجية ذات الأهمية العالمية بأسلوب شامل يجمع بين الحماية والتعليم والتنمية المستدامة، مع التركيز على إشراك المجتمعات المحلية.

مميزات خاصة بـ«شمال الرياض» و«سلمى»

وكشف المهندس حسام التركي، مدير مبادرة «جيوبارك السعودية»، خلال حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، عن أبرز المميزات الجيولوجية في «شمال الرياض» و«سلمى»، حيث يمتد موقع «شمال الرياض جيوبارك» على مساحة 3321 كم مربع، ويتميّز بتكوينات صخرية رسوبية تعود إلى أكثر من 150 مليون سنة، وتحتوي على مميزات جيولوجية على غرار منطقة نهاية العالم في «جبل طويق» التي تمثِّل كتلة صخرية من الحجر الجيري بارتفاع يمتد نحو 800 متر، وبها طبقات رسوبية تحمل تراثاً جيولوجياً لصخور مصدر البترول، كما يحتوي موقع «شمال الرياض جيوبارك» على أحافير من العصر الجوراسي إلى الطباشيري إلى جانب «الدحول» وهي عبارة عن تجويف كهفي تتجمع فيه مياه الأمطار والسيول وتتشكل في صخور الحجر الجيري.

شمال الرياض جيوبارك (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
شمال الرياض جيوبارك (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ولفت التركي إلى أن «شمال الرياض» يستعرض العمليات الجيولوجية، بما في ذلك ارتفاع الصفيحة العربية وتراكم الرواسب القديمة، مؤكّداً القيمة السياحية والتعلمية للموقع.

أما موقع «سلمى جيوبارك»، الواقع جنوب شرقي حائل بمساحة تقارب 3145 كيلومتراً مربعاً، فيتميز، وفقاً للتركي، بصخور القاعدة التي يعود عمرها إلى 735 مليون سنة تقريباً، ووجود «الفوّهات والحرّات البركانية المختلفة والتي تشكلت نتيجة لانفجارات بركانية في عصور مختلفة، إلى جانب براكين حرة الهتيمة».

واحة برودان في منطقة القصب (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
واحة برودان في منطقة القصب (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ويتضمّن موقع «سلمى جيوبارك» تراثاً ثقافياً على غرار (قصة أجا وسلمى، ودرب زبيدة التي يعود عمرها لأكثر من 1000 سنة، وقصة حاتم الطائي قبل 1500 سنة، وعنتر قبل 1500 سنة، والمصائد الصحراوية قبل 7000 سنة، والنقوش الثامودية عمرها أكثر من 10000 سنة) بينما تأتي أهميّتها التعلّمية، في تمتعها بإمكانات كبيرة في مجال السياحة الجيولوجية، والأنشطة التعليمية، والحفاظ على البيئة.

علامة جودة دولية

وحول الإنجاز الذي تحقّق بإعلان (اليونيسكو) رسمياً انضمام «شمال الرياض جيوبارك» و«سلمى جيوبارك» إلى شبكة الجيوبارك العالمية، شدّد التركي على أن هذا الإنجاز يمثّل «علامة جودة دولية، تسهم في جذب السياح من داخل السعودية وخارجها»، وقال إن «الجيوبارك» ستكون محرّكاً للسياحة البيئية، بما توفّره من تجارب أصيلة وآمنة وتعليمية، تُعزز بقاء الزائر فترة أطول في المنطقة، مما يُنعش الاقتصاد المحلي، وأردف أن تسجيل هذين الموقعين من شأنه أن يُسهم في «ترويج البلاد دولياً كمركز رئيسي في المنطقة للجيولوجيا والسياحة المستدامة».

وكشف التركي عن أن الإنجاز «تطلّب جهداً تكاملياً بين المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر ومبادرة الجيوبارك، استمر لأكثر من عامين، وشمل تنفيذ دراسات علمية وميدانية دقيقة، وإعداد ملفات الترشيح وفق معايير اليونيسكو التفصيلية، إلى جانب تطوير البنية التحتية والمكونات التفسيرية والتعليمية للمواقع، مع إشراك المجتمع المحلي ورفع الوعي بدور الجيوبارك».

جانب من جبال «سلمى» في منطقة حائل شمال السعودية (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من جبال «سلمى» في منطقة حائل شمال السعودية (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ولفت إلى أن التحديات التي واجهتهم تتعلّق بـ«تكثيف العمل خلال فترة زمنية وجيزة نسبياً، وبتوحيد جهود الجهات المختلفة» معيداً الفضل في تجاوز ذلك لـ«دعم القيادة وتفاني الفريق»، ممّا مكنهم من إنجاز هذا الملف بكفاءة عالية وبشهادة خبراء «اليونيسكو» أنفسهم. وفقاً لحديثه.

معايير «اليونيسكو»

وإجابةً عن سؤال «الشرق الأوسط» حول المعايير التي اعتمدتها (اليونيسكو) في قبول هذين الموقعين ضمن شبكتها العالمية للجيوبارك، قال التركي إنها تتضمن «وجود قيمة جيولوجية ذات أهمية دولية، وتوفّر نظاماً متكاملاً للإدارة والحماية، مع وجود برامج تعليمية وتوعوية موجّهة للزوار، وإشراك المجتمع المحلي في تطوير وتشغيل الموقع، علاوةً على وجود خطة واضحة للربط بين التراث الطبيعي والثقافي، وتعزيز السياحة المستدامة»، وتابع: «تم استيفاء هذه المعايير في شمال الرياض وسلمى، وأكثر أيضاً، وفقاً لتقارير المراجعين والخبراء المعتمدين من (اليونيسكو)».

وبالنظر لأهمية القطاع البيئي في «رؤية السعودية 2030»، وهو ما عكسه العديد من المشاريع الكبيرة والمبادرات على الصعيدين المحلي والإقليمي للبلاد، قال التركي في هذا الصدد، إن «الجيوبارك تُترجم مستهدفات رؤية السعودية 2030 على أرض الواقع من خلال نحو 31 هدفاً من أهداف المستوى الثالث للرؤية». ومن إسهاماتها طبقاً للتركي، «تعزيز الاستدامة البيئية عبر الحماية الفاعلة للموارد الجيولوجية، ودعم السياحة البيئية والداخلية ضمن مسار تنويع الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص عمل محلية وتحفيز ريادة الأعمال في مجالات الإرشاد البيئي، والخدمات السياحية، بالإضافة إلى تعزيز الهوية الوطنية وربط الإنسان بجغرافيا المكان، مع دعم التعليم والتدريب من خلال التجارب الميدانية والأنشطة العلمية».

فوّهة الحمراء في حائل (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
فوّهة الحمراء في حائل (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

بعد انضمام هذين الموقعين إلى «شبكة الجيوبارك العالمية لليونيسكو»، سيكون هنالك خطط مستقبلية لتطويرها بما يضمن استدامتها ورفع مستوى الوعي البيئي، وبحسب التركي، يعمل المركز على خطة تشغيل وتطوير مستدامة تشمل «توسيع البرامج التعليمية بالتعاون مع وزارة التعليم والجامعات، وتطوير المراكز التفاعلية ومحتوى الزائر بلغات متعددة، وتعزيز البرامج المجتمعية لإشراك السكان المحليين في التشغيل والتوعية، مع إعداد خطة تسويقية وطنية ودولية لتعزيز الجذب السياحي»، ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيشمل «إطلاق مبادرات تطوعية وبحثية لتعميق فهم المجتمع بالبيئة الجيولوجية»، ونوّه التركي بأن ذلك كله يتم «وفق إطار واضح للمتابعة والتقييم لضمان حماية الموقع على المدى البعيد».

توجّه لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً أخرى

«الشرق الأوسط» سألت التركي بوصفه مدير مبادرة «جيوبارك السعودية» حول التوجّه لترشيح مواقع جيولوجية أخرى في البلاد للانضمام إلى «شبكة الجيوبارك العالمية لليونيسكو»، في المستقبل القريب، ليجيب: «نعم، ولدينا خطة طموحة في المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً إضافية في السعودية في شبكة الجيوبارك العالمية ضمن مراحل متعددة». وطبقاً للتركي، تشمل هذه المواقع «حرّة رهط، وجبل القارة في الأحساء، وجبل طميّة، ومواقع أخرى تمتاز بتكوينات جيولوجية وتاريخية فريدة»، وأردف أن كل موقع سيخضع للدراسة والتأهيل وفق المعايير الدولية، مع إشراك الجهات المحلية والمجتمع في مسار تطويره.