التطريز وصناعة الدمى يرويان قصص الأفغانيات في الهند

حرف اعتبرت سابقاً من منظومة الزواج وأصبحت مصدر رزق للأرامل

اللاجئات الأفغانيات حوّلن الحرفة إلى مصدر رزق  -  تتعلم النساء الأفغانيات التطريز وفنونه في سن مبكرة
اللاجئات الأفغانيات حوّلن الحرفة إلى مصدر رزق - تتعلم النساء الأفغانيات التطريز وفنونه في سن مبكرة
TT

التطريز وصناعة الدمى يرويان قصص الأفغانيات في الهند

اللاجئات الأفغانيات حوّلن الحرفة إلى مصدر رزق  -  تتعلم النساء الأفغانيات التطريز وفنونه في سن مبكرة
اللاجئات الأفغانيات حوّلن الحرفة إلى مصدر رزق - تتعلم النساء الأفغانيات التطريز وفنونه في سن مبكرة

في سعيهن للفرار من أهوال الماضي، تحاول العديد من النساء الأفغانيات اللائي لجأن إلى الهند تمكين أنفسهن عبر أنماط فنية متنوعة، بعض منها تعلمنها في بلادهن، والبعض هنا في وطنهن الجديد...الهند.
كانت نعيمة (اسم مستعار) تعمل صحافية في محافظة غزني الأفغانية لدى محطة إذاعية محلية، تلك التي تعرضت لهجوم من حركة «طالبان»، مما اضطرها للمغادرة وطلب اللجوء في دلهي. اليوم، وبعد مرور 4 سنوات، تمكنت من أن تصبح رائدة من رواد أعمال إلى جانب نساء أخريات تجمعن لإنشاء دار التطريز الأفغانية في العاصمة الهندية نيودلهي.
كان من المذهل مطالعة أيديها وهي تعمل بصورة سحرية مع عدد قليل من النساء الأخريات مثل سلمى، وعلياء (أسماء مستعارة) باستخدام الإبر والخيوط الحريرية، وتطريز أشكال هندسية معقدة على «الشال». ولا بد للتطريز أن يكون محكماً لا تشوبه شائبة، كما يقولون، حيث إن الشال سوف يكون جزءاً من ملابس العروس.
وكانت سلمى قد فرت إلى الهند في عام 2015 رفقة أطفالها القصر الثلاثة إثر مقتل زوجها في هجوم لحركة «طالبان». وهي تقول: «فنون التطريز أصيلة للغاية في التاريخ الثقافي لأفغانستان، وعادة ما تهتم به النساء والفتيات هناك. وصار النمط الفني الذي تعلمته في صغري يمثل حياتي الجديدة في هذه البلاد».
وعلى العكس منها، تنتمي علياء إلى عائلة يعمل أفرادها في الحياكة والتطريز في العاصمة كابل. وتقول علياء عن ذلك: «أثناء حكم (طالبان)، لم يكن يُسمح للفتيات بالدراسة أو حتى الخروج من المنزل. لذلك اهتمت أمي بتعليمي فن التطريز لمساعدتنا في التغلب على تلك الفترات العصيبة. ولم أكن أدرك وقتها أن ذلك سوف يساعدني على النحو الحالي».
تعتبر أفغانستان موطناً لبعض من أقدم وأفضل فنون وأساليب التطريز على مستوى العالم، ولكل فن وأسلوب تاريخه وتصاميمه وألوانه الفريدة. ولقد عبرت هذه الحرفة النسائية سنوات الحرب والقلاقل والاضطرابات التي مرت بها البلاد ولا تزال. وترجع فنون التطريز إلى تاريخ قديم في أفغانستان، وعادة ما تعمل به النساء والفتيات، اللائي يشتغلن على منسوجات الحرير الثقيل، أو الصوف، أو الأقمشة القطنية، وتختلف التصاميم باختلاف المحافظات والمناطق في البلاد.
وتقول سلمى عن ذلك العمل: «نحاول تهيئة أساليب التطريز مع متطلبات الناس هنا. غير أن النسيج الذي نعمل عليه هنا مختلف تماماً عما كنا نستخدمه في أفغانستان».
على ذلك النحو، شرعت مجموعة أخرى من النساء الأفغانيات اللاجئات في إطلاق علامة تجارية للتطريز الأفغاني تحت اسم «عتيقة»، والتي تعني الأزياء ذات الطراز العتيق.
ومنذ بضع سنوات، توجب على سناء (اسم مستعار)، الناشطة الحقوقية في كابل الأفغانية، الفرار من بلادها إنقاذاً لحياتها، وكان السبب كما قالت: محاولتها رفقة بعض أصدقائها تنظيم عرض للأزياء. وذاع انتشار الفيديو تحت اسم أن هؤلاء الفتيات يعملن على الترويج للقيم والثقافة الغربية في المجتمع الأفغاني المحافظ.
تقول سناء: «تتعلم غالبية الفتيات الأفغانيات فنون التطريز، إذ إنها تعد جزءاً من منظومة الزواج. فلا تعتبر العروس امرأة جيدة إن كانت تجهل العمل بالإبرة. ولما كنت صغيرة السن، كانت والدتي دائماً ما توبخني عندما كنت أقضي الكثير من الوقت في التطريز، حيث كانت أسرتنا تعتمد على صناعة السجاد في استجلاب الرزق. ولكنني هويت فنون التطريز بدلاً منها».
وفي روايتها لقصة كفاحها في دلهي، تقول سناء: «أواصل الاتصال بالوطن مراراً لمعرفة ما إذا كانت العودة إلى هناك آمنة من عدمها. ودائماً ما تأتيني الإجابة بالنفي القاطع. ورويداً رويدا بدأت أدرك أن العودة إلى الديار ليس من خيارات حياتي. غير أن واحدة من كبريات المشاكل التي يعاني منها اللاجئون مثلي هي كسب العيش في بلاد جديدة».
لم تكن سناء تعرف من أين تبدأ. وأضافت قائلة: «لاحظ أحد المحامين المعنيين بشؤون الهجرة واللجوء السياسي، ويعمل لدى أحد المراكز القانونية لمعاونة اللاجئين في دلهي، مركز الهجرة واللجوء، حيث يقدمون المساعدات للاجئين المطالبين بحق اللجوء السياسي عبر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الهند، وجود بعض التطريز على ثيابي. ومن هناك انبعثت فكرة مشروع (عتيقة). وساعدنا مركز الهجرة واللجوء في توفير بعض الأموال للبدء في المشروع وتأمين المواد الأولية للعمل، ثم الحصول على العينات مقابل منح النساء راتباً صغيراً. ثم تم ترتيب القطع التي أنتجتها النساء في كتالوج صغير يستخدمه مركز الهجرة واللجوء في جمع الأموال لصلح مشروع عتيقة. ثم منحتنا مؤسسة (فيجيف) الأميركية المعنية بمساعدة وتمكين النساء مبلغاً وقدره 7500 دولار مخصصة لمواصلة العمل والإنتاج».
كانت خورشيدة قد فرت هي الأخرى إلى الهند في عام 2015 من موطنها في محافظة باميان الأفغانية، في أعقاب اختطاف زوجها ثم انفجار قنبلة في منزلها. وكانت تعمل في مجال إدارة الموارد البشرية عندما تخلت عن وظيفتها، ثم منزلها، ثم أصدقائها، وأخيرا عائلتها - وربما حياتها بأكملها - للبدء من جديد في الهند بحياة جديدة تماماً.
بيد أن الدمى اليدوية الجميلة التي تحسن صناعتها رفقة العديد من النساء الأخريات تروي حكايات الفظائع المريرة التي مررن بها في حياتهن. وهناك مؤسسة (سيلايوالي) الاجتماعية المعنية بتدريب وتوظيف النساء الأفغانيات اللاجئات على صناعة الدمى اليدوية الرائعة التي ترتدي الملابس العصرية الراقية. وتُصنع هذه الدمى من قصاصات الأقمشة والنسيج المعاد تدويرها والخارجة عن صناعة النسيج في دلهي.
تأتي كل دمية في صندوقها الخاص الذي يضم الدمية نائمة في هدوء على سريرها. ومع إزالة أغطية السرير، تظهر الدمية وهي ترتدي أجمل ثيابها. وكل دمية متميزة عن الأخرى، وكل منها ترتدي ملابس فريدة من نوعها من المصنعة بأيدي النساء الماهرات.
قصة فردوسة لا تختلف كثيراً عن قصة خورشيدة، إذ تعين عليها مغادرة حياتها بالكامل في محافظة باميان الأفغانية - وهي المحافظة المعروفة بتماثيل بوذا الضخمة التي دمرتها حركة طالبان في عام 2001. ثم انتقلت فردوسة إلى دلهي في عام 2015 بصبحة زوجها وأطفالها الثلاثة. ويعمل زوجها مترجماً، إذ يتقن لغات الباشتو، والهندية، والفرنسية.
وهي تعمل، رفقة العديد من النساء الأخريات، في استوديو مكيف الهواء تديره مؤسسة (سيلايوالي) الاجتماعية، إذ تضمن لهن دخلاً شهرياً من العمل لديها يسمح لهن بالحياة الكريمة وتربية وتعليم الأطفال.
تقول فردوسة بابتسامة مكتومة وضحكة خجولة: «صرنا نصنع نفس الدمى التي كنا نلهو نلعب بها صغاراً»، وهي تروي كيف أن عشقها لمتابعة الأفلام الهندية في الوطن ساعدها على التحدث باللغة الهندية هنا في دلهي، وتتابع القول: «إن الظروف أفضل هنا كثيراً، غير أن نوعية الحياة كانت أفضل بالنسبة لي في بلادي».
وتتاح هذه الدمى في العديد من المتاجر الهندية في كل من دلهي، وبنغالورو، ومومباي، وكولكاتا، وغوا. واحتفالاً باليوم العالمي للاجئين، اختارت مجموعة متاجر «يونيكلو» اليابانية بيع منتجات مؤسسة «سيلايوالي» من الدمى في متاجرها كوسيلة من وسائل جمع المزيد من الأموال لصالح المؤسسة. كما يقوم متجر «إنزلشتوك» للمنتجات اليدوية في مدينة زيوريخ الألمانية ببيع تلك الدمى أيضاً. وفي المستقبل القريب، تخطط مؤسسة «سيلايوالي» لبيع الدمى في الولايات المتحدة الأميركية عبر إضافة شخصيات جديدة مثل الحصان وفهد الثلوج إلى المجموعة الحالية.


مقالات ذات صلة

«الصليب الأحمر»: معرفة مصير المفقودين في سوريا «تحدٍّ هائل»

المشرق العربي مقاتلون يقفون بجوار غرافيتي كتب عليه «لن ننسى ولن نسامح» أثناء حراسة مدخل سجن صيدنايا في سوريا (رويترز)

«الصليب الأحمر»: معرفة مصير المفقودين في سوريا «تحدٍّ هائل»

رأت رئيسة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» ميريانا سبولياريتش أن معرفة مصير المفقودين في سوريا يطرح «تحدياً هائلاً» بعد أكثر من 13 عاماً من حرب مدمرة

«الشرق الأوسط» (دمشق)
أوروبا صورة ملتقطة بواسطة طائرة مسيّرة تظهر قارباً مطاطياً يحمل مهاجرين وهو يشق طريقه نحو بريطانيا في القنال الإنجليزي  6 أغسطس 2024 (رويترز)

بريطانيا تتخذ إجراءات جديدة بحق المشتبه بتهريبهم مهاجرين

أعلنت الحكومة البريطانية، الخميس، أنّ الأشخاص المشتبه بأنّهم يقومون بتهريب مهاجرين، سيواجهون حظراً على السفر وقيودا تحول دون وصولهم إلى منصات التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا رحيل أول فوج من السوريين (مواني البحر الأحمر)

مصر: دعاوى ترحيل السوريين تملأ «السوشيال ميديا»... وتغيب في الواقع

على خلاف «السوشيال ميديا» التي احتوت على دعوات تطالب بترحيل السوريين من مصر، بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، لا يزال السوريون محل ترحيب كبير في الشارع المصري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي قصف تركي على مواقع لـ«قسد» في شرق حلب (غيتي)

واشنطن تؤكد صمود وقف إطلاق النار بين تركيا و«قسد»

بينما تتواصل الاشتباكات بين القوات التركية والفصائل الموالية مع قوات قسد، أعلن البنتاغون أن وقف إطلاق النار بين تركيا و«قسد» لا يزال صامداً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي إردوغان متحدثاً أمام مؤتمر لحزبه في مدينة بورصة 28 ديسمبر 2024 (الرئاسة التركية)

إردوغان يلمّح لعمليات ضد القوات الكردية... وخطوات كبيرة لدعم دمشق

بينما تتواصل الاشتباكات العنيفة بين «قسد» والفصائل الموالية لتركيا على محور سد تشرين شرق حلب، لمّح الرئيس رجب طيب إردوغان إلى عمليات عسكرية جديدة في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».