«قصاصات ماتيس الورقية» الأكثر نجاحا في تاريخ «تيت مودرن»

نصف مليون زائر للمعرض الضخم

لوحة «إيكاروس»   -  معرض «ماتيس .. القصاصات الورقية» ضم 130 عملا للفنان لأول مرة تعرض سويا  -  بلغ عدد زوار المعرض في اليوم الواحد3907
لوحة «إيكاروس» - معرض «ماتيس .. القصاصات الورقية» ضم 130 عملا للفنان لأول مرة تعرض سويا - بلغ عدد زوار المعرض في اليوم الواحد3907
TT

«قصاصات ماتيس الورقية» الأكثر نجاحا في تاريخ «تيت مودرن»

لوحة «إيكاروس»   -  معرض «ماتيس .. القصاصات الورقية» ضم 130 عملا للفنان لأول مرة تعرض سويا  -  بلغ عدد زوار المعرض في اليوم الواحد3907
لوحة «إيكاروس» - معرض «ماتيس .. القصاصات الورقية» ضم 130 عملا للفنان لأول مرة تعرض سويا - بلغ عدد زوار المعرض في اليوم الواحد3907

بعد انتهاء المعرض الضخم «ماتيس: القصاصات الورقية» الذي نظمه متحف «تيت مودرن» بلندن، واختتم عرضه، الأسبوع الماضي، أعلن المتحف أن المعرض هو الأنجح في تاريخ «تيت مودرن» بعد أن وصل عدد زواره إلى نصف مليون، بمعدل 3907 زائرين في اليوم. عدد الزوار يعكس بالتأكيد الاهتمام والعشق الذي يحمله الكثيرون لأعمال ماتيس، وأيضا لأن المعرض كان فرصة لمشاهدة 130 عملا للفنان امتدت عبر 14 قاعة في مكان واحد، في سابقة قد لا تتكرر.
وعلق نيكولاس سيروتا مدير «تيت مودرن» على الإنجاز الذي أعلنه «تيت مودرن» في تقريره السنوي: «نشعر بالسعادة لأن هذا الكم من الناس أتى لمشاهدة معرض (ماتيس.. القصاصات الورقية)» هنا، إن ذلك يُعد شهادة لقوة نفاذ وسلاسة أعمال ماتيس بالنسبة للزوار من جميع الأعمار.
وأرجع سيروتا إقبال الجمهور على مشاهدة المعرض إلى أنه نجح في جمع أكبر عدد من الأعمال للفنان للمرة الأولى منذ 40 عاما، وقال: «جزء من مهمتنا هو أن نفسح عن مساحات جديدة، وأن نعرض أعمالا نسيها الناس».
يُحسب للمعرض أنه جمع على نحو غير مسبوق عددا ضخما من قصاصات ماتيس الملونة، وعرضها بشكل مبهر، وأنه أول معرض يتوجه بالكامل نحو فحص تلك الأعمال التي أنتجها ماتيس في فترة مرض أقعده عن الحركة. ولكن الفنان العبقري حول فترة المرض إلى إلهام لتحقيق فصل أخير من مشواره الفني الذي يزخر بالأعمال الرائعة فاستعاض عن الفرش والألوان الزيتية بمقص وأوراق خلق منها أشخاصا ونجوما وسماوات وقيعان محيطات. وبالنسبة للنقاد، تُعد هذه المرحلة من فن ماتيس بمثابة مولد جديد للفنان وانطلاق لموجة رائعة من الأعمال الفنية استخدم فيها ماتيس مفردات فنية جديدة. الجدير بالملاحظة أيضا أن الأعمال تبدو بسيطة وفرحة، ولكنها أيضا حزينة، وهو أمر غير مستغرب، إذ إن الفنان كان يعاني من المرض، وتأثر أيضا بالحرب العالمية الثانية التي كانت تدور في ذلك الوقت، ويمكن النظر إلى لوحة «إيكاروس» التي تعبر عن أسطورة إغريقية بطلها إيكاروس، الذي حاول الطيران بأجنحة مصنوعة من الشمع وسقط إلى الأرض بعد أن ذابت الأجنحة بفعل حرارة الشمس.
ومن أجمل القاعات في المعرض تلك التي عرضت جداريتين ضخمتين من القصاصات، كوّن من خلالهما الفنان عملين بعنوان «أوشينيا ذا سي» و«أوشينيا ذا سكاي»؛ أحدهما يعبر عن قاع البحر، والآخر يحلق في السماوات، تفاصيل الكائنات في قاع البحر تجذب الأنظار بشدة، الأسماك التي تتلوى في الماء، الأعشاب البحرية والطحالب تحف بجوانبها. يظهر من خلالهما تأثر الفنان برحلة قام بها إلى تاهيتي في عام 1930. كتب الفنان يصف ذلك العمل: «بدا وكأن ذكرياتي تغلبت على العالم الخارجي.. هناك كنت أسبح كل يوم في البحيرة وكنت أجد متعة كبيرة في تأمل الحياة تحت الماء».
استعان دليل المعرض أيضا بمقتطفات من ليديا ديليكتوركايا مساعدة الفنان لرواية نقطة البداية لهذا العمل الضخم: «قام ماتيس بقص طائر السنونو مستخدما قطعة من الورق المعد للكتابة، ولكنه لم يستطع تمزيق ذلك الشكل الجميل، أو التخلص منه بعد ذلك، فقام بتثبيته على الجدار أمامه بحيث يغطي بقعة على الحائط، وخلال الأسابيع التالية، قام بقص وتثبيت عدد أكبر من الأشكال على الحائط نفسه».
سرعان ما انضمت طيور وأسماك وأوراق شجر وكائنات أخرى من السماء والبحر إلى الطائر الوحيد.
في المعرض رأينا تناول ماتيس لعالم السيرك، من خلال لوحات تصور البهلوان ولاعب الترابيز وراكب الحصان، وغيرها من المهن من ذلك العالم، قصاصات كلها حياة ومرح تضج بالألوان، حتى تلك اللوحة التي تصور جنازة أحد الأشخاص، لا تبدو حزينة بقدر ما هي منشرحة، الحصان الذي يجر عربة الموتى يبدو رشيق الحركة، وكأنما يعدو منتشيا، ألوان اللوحة أيضا لا توحي بالكآبة، يعلق أحد الخبراء بأن اللوحة التي نفذها ماتيس وهو في مرضه الأخير قد تكون بمثابة تحدٍّ للموت.
الأعمال في المعرض تنوعت في أحجامها، فماتيس لم يتوقف عن إنتاج قصاصاته الملونة بكل الأحجام، فخصص المعرض مساحات ضخمة من الحائط لأعمال، مثل اللوحة التي تحمل اسم «الببغاء وحورية البحر»، وهي من أضخم لوحات الكولاج التي نفذها ماتيس، نرى فيها الببغاء والحورية وسط حديقة من الفواكه وأوراق الشجر المتنوعة.
في تعليق على اللوحة، قال الفنان لأحد أصدقائه: «لا أستطيع مغادرة المنزل، ولهذا أحضرت الحديقة إلى الداخل».
وإلى جانب عدد الزوار القياسي، حرص «تيت مودرن» على إيصال المعرض لمن لم يستطع حضوره، وذلك عبر بث حي لجولة داخل المعرض في أكثر من 200 دار سينما في بريطانيا وشاهده 15 ألف شخص، وهو عدد ماض في الازدياد بسبب عرض تسجيل للجولة في دور السينما في بريطانيا قبل عرض الفيلم للجمهور العالمي.
ومن المعارض التي حققت أرقاما قياسية في «تيت مودرن»، معرض «ماتيس وبيكاسو»، الذي قدم في عام 2002، وجذب 467166 زائرا، تلاه معرض لأعمال الفنان البريطاني داميان هيرست في عام 2012، الذي جذب 463 ألف زائر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».