«يورو فتوى»... مطالب دولية بالحظر

اتهامات للتطبيق الإلكتروني بـ«تقديم محتوى يدعو للتطرف»

التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
TT

«يورو فتوى»... مطالب دولية بالحظر

التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)

يؤكد الخبراء والباحثون أن «(يورو فتوى) تابع لـ(الإخوان)، والأوروبيون بدأوا ينتبهون له، خصوصاً عندما اتجه أخيراً إلى التعامل مع بعض القضايا التي تدعم الإرهاب بشكل غير مُباشر، ما أثار حفيظة بعض الأوروبيين والمسلمين في الغرب، الذين قدموا تقريراً بأن هذه النوعية من الآراء تحض على الكراهية».
وظهرت مطالب رسمية من ألمانيا وفرنسا وبعض الدول تدعو لحظر «يورو فتوى» بين الشباب المسلم. ففي ألمانيا؛ حذرت هيئة حماية الدستور «الاستخبارات الداخلية» في وقت سابق من التطبيق، باعتباره يقدم محتوى دينياً وفتاوى تحض على التطرف. ودعت النائبة الفرنسية ناتالي جوليه، مطلع يوليو (تموز) الحالي، إلى «منع التطبيق»، مؤكدة أن «تنظيم (الإخوان) هو من أطلق التطبيق بقيادة يوسف القرضاوي».

- مواجهة فكرية
و«يورو فتوى» تابع للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ومقره كلونسكي في العاصمة الآيرلندية دبلن. يقول عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «(يورو فتوى) تابع للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، التابع لـ(الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي كان يرأسه القرضاوي (ويشار إليه أنه الأب الروحي لتنظيم الإخوان)، وهو أحد المشروعات الفكرية التي تُمول من قطر»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأوروبيين بدأوا ينتبهون إلى المواجهة الفكرية أكثر من المواجهة المسلحة خصوصاً بريطانيا وفرنسا، وهناك كتاب وثائقي نشره صحافيان فرنسيان استطاعا أن يخترقا أكثر من 15 مؤسسة تابعة لـ(الإخوان)، بالإضافة إلى حصولهما على أكثر من 300 وثيقة، تُثبت الدعم القطري للمؤسسات الدعوية والتعليمية والتثقيفية التي يديرها التنظيم في أوروبا».
وكانت النائبة الفرنسية ذاتها قد تمكنت بمساعدة بعض زملائها البريطانيين من إزالة التطبيق من على «غوغل»؛ لكنها قالت إنه «لا يزال موجوداً على متجر (آبل)». واستشهدت ببعض فتاوى التطبيق المتشددة؛ مثل تحريم العمل في مطاعم تقدم لحم الخنزير، وتحريم العمل كأفراد شرطة.
فيما وصف الدكتور مقبل فياض، خبير الاتصالات في مصر، «خطوة المطالبة بحظر (يورو فتوى) بالجيدة جداً، التي سيكون لها مردود كبير حال تطبيق الحظر على باقي التطبيقات، التي تبث فتاوى وآراء تدعو إلى العنف والقتل»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من الممكن أن نرى خطوات من دول أخرى كثيرة خلال الفترة المُقبلة، تُطالب بحظر التطبيق، للحد من دعوات الكراهية».
الآراء السابقة اتسقت مع تحذيرات لمؤشر عالمي للفتوى تابع لدار الإفتاء المصرية، أطلقها مطلع الشهر الحالي، من «يورو فتوى» باعتباره يبث أفكاراً وفتاوى وآراء متطرفة تُنمي ظاهرة «الإسلاموفوبيا». وقال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر لـ«الشرق الأوسط»، إن «التطبيق تضمن إشارات مُهينة للفئات غير المسلمة، تحض على العداء والكراهية للآخرين، فضلاً عن تداول فتاوى بالتطبيق تُحذر المسلمين في أوروبا من العمل ببعض الأماكن، مثل المطاعم والبنوك».
وكان المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قد دشن تطبيقاً عبر الهواتف الجوالة في أبريل (نيسان) الماضي، أدى إلى تزايد الاهتمام حوله، ومتابعة المستخدمين في الغرب لكل ما يصدره من فتاوى؛ بل ومراجعة أرشيف فتاواه، وكذا الشخصيات المنتمية له عبر تاريخه.
وسبق أن حذف «غوغل» في مايو (أيار) الماضي، تطبيقاً من على متجره يحتوي على فتاوى تحرض على الكراهية للقرضاوي... وجاء حذف الموقع للتطبيق لأنه «يحتوي على خطاب مُعادٍ يُحرض على الكراهية».
والقرضاوي، المقيم في قطر، مُدرج على قوائم الإرهاب مرتين؛ الأولى عندما أعلنت «مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين» في بيان مشترك إدراج 59 شخصاً و12 كياناً على قوائم «الإرهابيين»... والثانية من محكمة جنايات القاهرة وأدرج مع 1529 «إرهابياً»، فضلاً عن أن لجنة التحفظ على أموال «الإخوان» تحفظت على أموال جميع أفراد أسرته لـ«لاتهامهم بتمويل الإرهاب، بحسب تحقيقات النيابة العامة في مصر»، بالإضافة إلى أن «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي كان يرأسه القرضاوي مُدرج على قوائم الكيانات الإرهابية.
والقرضاوي صادر بحقه أحكام بالسجن المؤبد في قضية اغتيال عقيد شرطة بمصر، و«الإعدام» في قضيتي «اقتحام السجون»، و«غرفة عمليات رابعة»، وتُعاد محاكمته مع 28 من قادة «الإخوان» في «اقتحام الحدود الشرقية».

- فتاوى موجهة
وحول سبب المطالبة بحذف «يورو فتوى» من على «غوغل»، أوضح مؤشر الفتوى المصري في دراسة صدرت أخيراً، أن «رئاسة القرضاوي لـ(المجلس الأوروبي للإفتاء)؛ أثار الذعر والخوف في نفوس الغربيين، لما يصدر عنه من فتاوى تحمل توجهاً وآيديولوجية ذات أهداف ضيقة وبعيدة كل البعد عن مفهوم الوطن والمواطنة والعيش المشترك».
واستدل المؤشر ببعض فتاوى القرضاوي التي أسهمت في ازدياد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب، واتهام الإسلام بمُعاداة غير المسلمين. وعرض المؤشر لبعض آراء القرضاوي؛ من بينها أن «نشر الإسلام في الغرب واجب على كل المسلمين، واحتلال أوروبا وهزيمة المسيحية سيصبحان أمراً ممكناً مع انتشار الإسلام داخل أوروبا».
وذكر مؤشر الفتوى أن «القرضاوي سبق وأجاز في كتابه (فقه الجهاد) عام 2001 الأعمال التفجيرية للفلسطينيين ضد إسرائيل، ثم تراجع. وقال: (نحن أجزنا ذلك للضرورة، والضرورة انتهت)، الأمر الذي جعل المواقع الإسرائيلية تحتفي بذلك بعدما قال (إن العمليات الإرهابية ضد إسرائيل حرام)... كما دافع القرضاوي عن الأعمال الانتحارية في سوريا».
من جهته، أكد العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي لـ«الشرق الأوسط»، أن «طرد (يورو فتوى) من على (غوغل) سوف يحد من الكراهية، ويحمي الشباب الذين يتم تجنيدهم عبر الفتاوى والآراء التي تبث على بعض مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي»، لافتاً إلى أن «حجب (غوغل) للفتاوى الإرهابية، سوف يحد من نشرها بشكل كبير بين الشباب والصغار خصوصاً في الغرب».
المؤشر العالمي للفتوى بمصر كان قد رصد أن تطبيق «يورو فتوى» احتوى على 265 فتوى منذ انطلاقه؛ 32 في المائة منها حول العبادات، و30 في المائة تمثل أحكام الأحوال الشخصية، و20 في المائة مُعاملات مالية، و18 في المائة خاصة بالمجتمع.

- دعم الإرهاب
وعلل المؤشر تصدر فتاوى العبادات عبر التطبيق، نظراً لتقاليد وعادات المجتمعات الغربية؛ إذ يتساءل المسلمون هناك عن عدد من الأمور التي تجبرهم التقاليد الغربية على معايشتها، كحكم الصلاة، وحكم الإفطار لطول ساعات الصيام في فصل الصيف.
وأوضح مؤشر الفتوى أن «أحكام الجواز سيطرت على 52 في المائة من مجمل فتاوى التطبيق، فيما شكلت أحكام عدم الجواز 29 في المائة، والوجوب 15 في المائة، و4 في المائة منها اشتملت على حكم (مكروه)». وأوضح عبد المنعم أن «تطبيق (يورو فتوى) معني بشكل أساسي بتعامل الأقليات المسلمة داخل المجتمعات الأوروبية، واتجه أخيراً إلى التعامل بشكل سريع مع بعض القضايا التي تخص تنظيم (الإخوان) في العالم العربي، والتي تدعم الإرهاب بشكل غير مباشر، ما أثار حفيظة بعض الأوروبيين والمسلمين في الغرب، الذين قدموا تقريراً عن هذه النوعية من الفتاوى أو المنتج الذي يحض على الكراهية والعنف»، لافتاً إلى أن «إحدى الباحثات في بريطانيا استطاعت عمل دراسة على (يورو فتوى) وأمدت السلطات الأمنية ببعض المعلومات عن تنظيم (الإخوان)، وأرسلت بعض الأسئلة عن المرأة إلى التطبيق، حول تعدد الزوجات وأمور أخرى، ولمست من الإجابات نوعاً من التشدد... في البداية كان هناك اعتراض على بعض الأسئلة لأنها تخص المسلمين؛ لكن فوجئت - أي الباحثة - أن بعض غير المسلمين يتعاملون مع هذا التطبيق... ويتردد أيضاً أن بعض (الإرهابيين) الذين مارسوا العنف في أوروبا وبريطانيا يضعون التطبيق على هواتفهم الجوالة».
وعن إمكانية حظر التطبيق عالمياً، قال عمرو عبد المنعم، إن «حظر التطبيق لا يعني عدم وجوده، لأن القائمين عليه يستخدمون بدائل أخرى لبثه من جديد، مثل مواقع (داعش) الإرهابي التي تبث على (تليغرام)، عقب حظرها على (تويتر) و(فيسبوك) و(إنستغرام)، فمن السهل على القائمين على تطبيق (يورو فتوى) تغيير اسمه وبثه من جديد»، موضحاً أن «قوانين التعامل مع الجرائم الإلكترونية موجودة في كثير من دول العالم؛ لكن تطبيقها هو المهم، ويجب أن تكون هناك بدائل لحجب هذه التطبيقات التي تثير القلق».


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».