«يورو فتوى»... مطالب دولية بالحظر

اتهامات للتطبيق الإلكتروني بـ«تقديم محتوى يدعو للتطرف»

التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
TT

«يورو فتوى»... مطالب دولية بالحظر

التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)

يؤكد الخبراء والباحثون أن «(يورو فتوى) تابع لـ(الإخوان)، والأوروبيون بدأوا ينتبهون له، خصوصاً عندما اتجه أخيراً إلى التعامل مع بعض القضايا التي تدعم الإرهاب بشكل غير مُباشر، ما أثار حفيظة بعض الأوروبيين والمسلمين في الغرب، الذين قدموا تقريراً بأن هذه النوعية من الآراء تحض على الكراهية».
وظهرت مطالب رسمية من ألمانيا وفرنسا وبعض الدول تدعو لحظر «يورو فتوى» بين الشباب المسلم. ففي ألمانيا؛ حذرت هيئة حماية الدستور «الاستخبارات الداخلية» في وقت سابق من التطبيق، باعتباره يقدم محتوى دينياً وفتاوى تحض على التطرف. ودعت النائبة الفرنسية ناتالي جوليه، مطلع يوليو (تموز) الحالي، إلى «منع التطبيق»، مؤكدة أن «تنظيم (الإخوان) هو من أطلق التطبيق بقيادة يوسف القرضاوي».

- مواجهة فكرية
و«يورو فتوى» تابع للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ومقره كلونسكي في العاصمة الآيرلندية دبلن. يقول عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «(يورو فتوى) تابع للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، التابع لـ(الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي كان يرأسه القرضاوي (ويشار إليه أنه الأب الروحي لتنظيم الإخوان)، وهو أحد المشروعات الفكرية التي تُمول من قطر»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأوروبيين بدأوا ينتبهون إلى المواجهة الفكرية أكثر من المواجهة المسلحة خصوصاً بريطانيا وفرنسا، وهناك كتاب وثائقي نشره صحافيان فرنسيان استطاعا أن يخترقا أكثر من 15 مؤسسة تابعة لـ(الإخوان)، بالإضافة إلى حصولهما على أكثر من 300 وثيقة، تُثبت الدعم القطري للمؤسسات الدعوية والتعليمية والتثقيفية التي يديرها التنظيم في أوروبا».
وكانت النائبة الفرنسية ذاتها قد تمكنت بمساعدة بعض زملائها البريطانيين من إزالة التطبيق من على «غوغل»؛ لكنها قالت إنه «لا يزال موجوداً على متجر (آبل)». واستشهدت ببعض فتاوى التطبيق المتشددة؛ مثل تحريم العمل في مطاعم تقدم لحم الخنزير، وتحريم العمل كأفراد شرطة.
فيما وصف الدكتور مقبل فياض، خبير الاتصالات في مصر، «خطوة المطالبة بحظر (يورو فتوى) بالجيدة جداً، التي سيكون لها مردود كبير حال تطبيق الحظر على باقي التطبيقات، التي تبث فتاوى وآراء تدعو إلى العنف والقتل»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من الممكن أن نرى خطوات من دول أخرى كثيرة خلال الفترة المُقبلة، تُطالب بحظر التطبيق، للحد من دعوات الكراهية».
الآراء السابقة اتسقت مع تحذيرات لمؤشر عالمي للفتوى تابع لدار الإفتاء المصرية، أطلقها مطلع الشهر الحالي، من «يورو فتوى» باعتباره يبث أفكاراً وفتاوى وآراء متطرفة تُنمي ظاهرة «الإسلاموفوبيا». وقال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر لـ«الشرق الأوسط»، إن «التطبيق تضمن إشارات مُهينة للفئات غير المسلمة، تحض على العداء والكراهية للآخرين، فضلاً عن تداول فتاوى بالتطبيق تُحذر المسلمين في أوروبا من العمل ببعض الأماكن، مثل المطاعم والبنوك».
وكان المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قد دشن تطبيقاً عبر الهواتف الجوالة في أبريل (نيسان) الماضي، أدى إلى تزايد الاهتمام حوله، ومتابعة المستخدمين في الغرب لكل ما يصدره من فتاوى؛ بل ومراجعة أرشيف فتاواه، وكذا الشخصيات المنتمية له عبر تاريخه.
وسبق أن حذف «غوغل» في مايو (أيار) الماضي، تطبيقاً من على متجره يحتوي على فتاوى تحرض على الكراهية للقرضاوي... وجاء حذف الموقع للتطبيق لأنه «يحتوي على خطاب مُعادٍ يُحرض على الكراهية».
والقرضاوي، المقيم في قطر، مُدرج على قوائم الإرهاب مرتين؛ الأولى عندما أعلنت «مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين» في بيان مشترك إدراج 59 شخصاً و12 كياناً على قوائم «الإرهابيين»... والثانية من محكمة جنايات القاهرة وأدرج مع 1529 «إرهابياً»، فضلاً عن أن لجنة التحفظ على أموال «الإخوان» تحفظت على أموال جميع أفراد أسرته لـ«لاتهامهم بتمويل الإرهاب، بحسب تحقيقات النيابة العامة في مصر»، بالإضافة إلى أن «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي كان يرأسه القرضاوي مُدرج على قوائم الكيانات الإرهابية.
والقرضاوي صادر بحقه أحكام بالسجن المؤبد في قضية اغتيال عقيد شرطة بمصر، و«الإعدام» في قضيتي «اقتحام السجون»، و«غرفة عمليات رابعة»، وتُعاد محاكمته مع 28 من قادة «الإخوان» في «اقتحام الحدود الشرقية».

- فتاوى موجهة
وحول سبب المطالبة بحذف «يورو فتوى» من على «غوغل»، أوضح مؤشر الفتوى المصري في دراسة صدرت أخيراً، أن «رئاسة القرضاوي لـ(المجلس الأوروبي للإفتاء)؛ أثار الذعر والخوف في نفوس الغربيين، لما يصدر عنه من فتاوى تحمل توجهاً وآيديولوجية ذات أهداف ضيقة وبعيدة كل البعد عن مفهوم الوطن والمواطنة والعيش المشترك».
واستدل المؤشر ببعض فتاوى القرضاوي التي أسهمت في ازدياد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب، واتهام الإسلام بمُعاداة غير المسلمين. وعرض المؤشر لبعض آراء القرضاوي؛ من بينها أن «نشر الإسلام في الغرب واجب على كل المسلمين، واحتلال أوروبا وهزيمة المسيحية سيصبحان أمراً ممكناً مع انتشار الإسلام داخل أوروبا».
وذكر مؤشر الفتوى أن «القرضاوي سبق وأجاز في كتابه (فقه الجهاد) عام 2001 الأعمال التفجيرية للفلسطينيين ضد إسرائيل، ثم تراجع. وقال: (نحن أجزنا ذلك للضرورة، والضرورة انتهت)، الأمر الذي جعل المواقع الإسرائيلية تحتفي بذلك بعدما قال (إن العمليات الإرهابية ضد إسرائيل حرام)... كما دافع القرضاوي عن الأعمال الانتحارية في سوريا».
من جهته، أكد العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي لـ«الشرق الأوسط»، أن «طرد (يورو فتوى) من على (غوغل) سوف يحد من الكراهية، ويحمي الشباب الذين يتم تجنيدهم عبر الفتاوى والآراء التي تبث على بعض مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي»، لافتاً إلى أن «حجب (غوغل) للفتاوى الإرهابية، سوف يحد من نشرها بشكل كبير بين الشباب والصغار خصوصاً في الغرب».
المؤشر العالمي للفتوى بمصر كان قد رصد أن تطبيق «يورو فتوى» احتوى على 265 فتوى منذ انطلاقه؛ 32 في المائة منها حول العبادات، و30 في المائة تمثل أحكام الأحوال الشخصية، و20 في المائة مُعاملات مالية، و18 في المائة خاصة بالمجتمع.

- دعم الإرهاب
وعلل المؤشر تصدر فتاوى العبادات عبر التطبيق، نظراً لتقاليد وعادات المجتمعات الغربية؛ إذ يتساءل المسلمون هناك عن عدد من الأمور التي تجبرهم التقاليد الغربية على معايشتها، كحكم الصلاة، وحكم الإفطار لطول ساعات الصيام في فصل الصيف.
وأوضح مؤشر الفتوى أن «أحكام الجواز سيطرت على 52 في المائة من مجمل فتاوى التطبيق، فيما شكلت أحكام عدم الجواز 29 في المائة، والوجوب 15 في المائة، و4 في المائة منها اشتملت على حكم (مكروه)». وأوضح عبد المنعم أن «تطبيق (يورو فتوى) معني بشكل أساسي بتعامل الأقليات المسلمة داخل المجتمعات الأوروبية، واتجه أخيراً إلى التعامل بشكل سريع مع بعض القضايا التي تخص تنظيم (الإخوان) في العالم العربي، والتي تدعم الإرهاب بشكل غير مباشر، ما أثار حفيظة بعض الأوروبيين والمسلمين في الغرب، الذين قدموا تقريراً عن هذه النوعية من الفتاوى أو المنتج الذي يحض على الكراهية والعنف»، لافتاً إلى أن «إحدى الباحثات في بريطانيا استطاعت عمل دراسة على (يورو فتوى) وأمدت السلطات الأمنية ببعض المعلومات عن تنظيم (الإخوان)، وأرسلت بعض الأسئلة عن المرأة إلى التطبيق، حول تعدد الزوجات وأمور أخرى، ولمست من الإجابات نوعاً من التشدد... في البداية كان هناك اعتراض على بعض الأسئلة لأنها تخص المسلمين؛ لكن فوجئت - أي الباحثة - أن بعض غير المسلمين يتعاملون مع هذا التطبيق... ويتردد أيضاً أن بعض (الإرهابيين) الذين مارسوا العنف في أوروبا وبريطانيا يضعون التطبيق على هواتفهم الجوالة».
وعن إمكانية حظر التطبيق عالمياً، قال عمرو عبد المنعم، إن «حظر التطبيق لا يعني عدم وجوده، لأن القائمين عليه يستخدمون بدائل أخرى لبثه من جديد، مثل مواقع (داعش) الإرهابي التي تبث على (تليغرام)، عقب حظرها على (تويتر) و(فيسبوك) و(إنستغرام)، فمن السهل على القائمين على تطبيق (يورو فتوى) تغيير اسمه وبثه من جديد»، موضحاً أن «قوانين التعامل مع الجرائم الإلكترونية موجودة في كثير من دول العالم؛ لكن تطبيقها هو المهم، ويجب أن تكون هناك بدائل لحجب هذه التطبيقات التي تثير القلق».


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.