«دويتشه بنك»... رأس جبل جليد تعثر المصارف الألمانية

بدأ خطة شطب 18 ألف وظيفة وشكوك حول تحقيق أرباح في 2020

TT

«دويتشه بنك»... رأس جبل جليد تعثر المصارف الألمانية

قال المدير المالي لدويتشه بنك الاثنين إن البنك يستهدف الوصول لمستوى التعادل أو تحقيق أرباح في 2020، لكن هناك «ضبابية كبيرة حول هذا التوقع»، فيما بدأ دويتشه بنك تنفيذ واحدة من أكبر عمليات الإصلاح في بنك استثماري منذ توابع الأزمة المالية العالمية، والتي تتضمن خفض 18 ألف وظيفة عالميا، باستبعاد أطقم كاملة من عملياته في آسيا، وهو ما دفع أسهم البنك الألماني للارتفاع في التعاملات قبل فتح السوق الاثنين. وأعلن البنك خفض الوظائف يوم الأحد في إطار خطة إعادة هيكلة ستصل تكلفتها في النهاية إلى 7.4 مليار يورو (8.3 مليار دولار)، وستشهد تراجعا عن عمل استمر لسنوات استهدف جعل بنكه الاستثماري قوة كبيرة في وول ستريت.
ويعتبر صرف «دويتشه بنك» لموظف من كل خمسة من قوته العاملة لخفضها إلى نحو 74 ألف وظيفة جولة غير مسبوقة في عمليات التسريح داخل المصرف. وقال الرئيس التنفيذي كريستيان سووينغ: «أعلنا عن التحول الأساسي الأكبر منذ عقود»، واصفا الخطة بأنها «إعادة إطلاق لدويتشه بنك».
وفي إطار الإصلاح، سيتخلى البنك عن أنشطته للأسهم العالمية وسيقلص بعض العمليات في خدمات الدخل الثابت، وهو مجال اعتيد على اعتباره إحدى أكبر نقاط قوته.
ولم يوضح المصرف الفروع أو البلدان التي ستطالها عمليات الصرف. لكن مع تطلع المديرين التنفيذيين إلى إيجاد نوع من المواءمة مع دمج «بوست بنك» التابع له والوظائف الأساسية داخل البنية الأساسية للمصرف، من المرجح أن تتأثر وظائف كثيرة داخل ألمانيا بخطة الصرف.
وتتوج الجولة الجديدة من تقليص الوظائف خطة سابقة لصرف نحو 6 آلاف موظف تم تنفيذها بالفعل على مدار العام الماضي. ويتوقع مديرو المصرف أن ترهق خطة إعادة الهيكلة المقدرة تكلفتها بثلاثة مليارات يورو نتائج الربع الثاني لهذا العام، ما سيتسبب بخسارة صافية قدرها 2.8 مليار يورو.
وعلى مدار كامل العام من المرجح أن يعود دويتشه بنك إلى المنطقة الحمراء وتسجيل الخسائر بعد ملامسة الأرباح عام 2018، ولا يعتزم المصرف الألماني دفع أرباح الأسهم هذا العام أو العام المقبل. ويعتقد أن تكون إعادة هيكلة «دويتشه بنك» فرصته الأخيرة بعد انهيار مفاوضات الاندماج مع منافسه «كومرزبنك» بداية هذا العام.
وأخفقت المفاوضات على الرغم من دعم وزارة المالية في برلين للصفقة خشية شراء جهة من خارج البلاد لوسيلة حيوية في تمويل اقتصاد البلاد. وعلى مدار الأعوام الأربعة الماضية، انخفضت القيمة السوقية للمصرف الكبير بنسبة 75 في المائة، ما يجعله هدفاً محتملاً للاستحواذ من جهات أكبر.
ومع إغلاق الأسواق الجمعة، بلغت قيمة دويتشه بنك 15 مليار يورو، ما يضعه بقوة في مؤخرة المؤسسات المصرفية الأوروبية التي يهيمن عليها «إتش إس بي سي» بقيمة تبلغ 165 مليار يورو، و«بانكو سانتاندير» الإسباني بـ69 مليارا، و«بي إن بي باريبا» الفرنسي بـ54 مليارا.

وحض وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير الأحد في مقال في صحيفة «بيلد» على «أن يستمر دويتشه بنك باللعب في الدوري الممتاز، ووجوب أن يضع الأسس اللازمة للبقاء على هذا النحو».
ومنذ توليه منصبه أوائل 2018 على رأس دويتشه بنك، حاول سووينغ إعادة تركيز خدمات المجموعة المترامية الأطراف في مجالات أعمال مدرة للأرباح بشكل مستقر، بما في ذلك الخدمات المصرفية للأفراد وما يسمى المعاملات المصرفية للشركات.
وفي الوقت نفسه تحول تركيز دويتشه من محاولته منافسة مؤسسات مصرفية عملاقة تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، إلى اللعب في أرضه في ألمانيا وأوروبا.
وكانت عمليات خفض الوظائف الأكثر صعوبة متعلقة بوحدة الخدمات المصرفية الاستثمارية، وهذه الخطة كانت على جدول الأعمال منذ مايو (أيار) الماضي. واستهدف الإعلان الأحد القسم الذي كان مصدر فخر المصرف. وسيوقف «دويتشه بنك» جميع أنشطة تداول الأسهم تقريبا، كما سيجري محادثات مع «بي إن بي باريبا» لبيع بعض أعماله وموظفيه في هذا المجال.
والجمعة كان غاريث ريتشي رئيس وحدة الخدمات المصرفية الاستثمارية في جنوب أفريقيا التابعة لدويتشه بنك أول الخارجين. فقد تراجعت أعمال الوحدة بنسبة 20 في المائة في الربع الأول من عام 2018 وحده، ولم تعد تحقق أرباحا كبيرة كما في السنوات السابقة.
وعانت الوحدة لسنوات من دعاوى قضائية وفضائح خصوصا في الولايات المتحدة، وبعضها يرتبط بما يسمى «أوراق بنما» أو تسريب الوثائق الحساسة حول التعاملات التجارية الخارجية.
وإضافة إلى الخفض في عدد الموظفين، يقوم دويتشه بنك أيضا بإعادة بناء مجلس إدارته، وإنشاء ما يسمى وحدة «البنك السيئ» لضم نحو 74 مليار يورو من الأصول المنخفضة القيمة، لا سيما تلك المرتبطة بتعاملات بمنتجات مالية عالية المضاربة.
ومشاكل دويتشه بنك ما هي إلا نموذج مصغر لقطاع البنوك الألمانية المتعثر. وفي العام الماضي، تم خفض أكثر من 32 ألف وظيفة في قطاع المصارف أو 5.4 في المائة من إجمالي العاملين في هذا القطاع البالغ عددهم 565 ألفا، وفقا لأرقام مؤسسة باركاو الاستشارية.
ويشكو رؤساء المصارف من أن أسعار الفائدة المنخفضة في منطقة اليورو والنمو الاقتصادي البطيء ومنافسة المنصات المالية على الإنترنت الجديدة تقوض أداءهم. وبحسب بيانات تعاملات ما قبل فتح السوق من شركة الوساطة لانغ آند شفارتس، أفادت مؤشرات الساعة 05:48 بتوقيت غرينيتش بأن أسهم دويتشه بنك ستفتح مرتفعة 5.2 في المائة.
ولم يعط دويتشه بنك تفصيلا جغرافيا لخفض الوظائف، لكن من المتوقع على نطاق واسع أن تكون الغالبية العظمى في أوروبا والولايات المتحدة. ورغم ذلك، بدأ الخفض العالمي الاثنين بخفض وظائف في سيدني وهونغ كونغ ومناطق أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
وكان البنك قد قال بالفعل إنه يتوقع أن يتكبد خسارة هذا العام نتيجة لبرنامجه لإعادة الهيكلة الذي أعلنه مساء الأحد. حيث أشارت توقعات أكبر مصرف تجاري في ألمانيا، إلى تسجيل خسائر كبيرة في الربع الثاني من العام الحالي تأثرا ببرنامج إعادة الهيكلة.
وأعلن البنك بعد جلسة لمجلس الإشراف والمراقبة، إقرار برنامج شامل لإعادة الهيكلة حتى نهاية عام 2022 بتكلفة 7.4 مليار يورو. وحسب أرقام أولية، توقع البنك أن يسجل في الفترة بين أبريل (نيسان) حتى يونيو (حزيران) الماضيين خسارة بقيمة نحو 500 مليون يورو قبل احتساب الضرائب (خسارة تشغيل)، وبقيمة 2.8 مليار يورو بعد احتسابها. وتشمل هذه الخسائر الأعباء الناجمة عن إعادة الهيكلة. وفي حال عدم احتساب أعباء إعادة الهيكلة، يتوقع البنك تحقيق أرباح بقيمة نحو 400 مليون يورو قبل احتساب الضرائب، وبقيمة 120 مليون يورو بعد احتسابها. وسيعلن البنك النتائج الأولية للربع الثاني في الرابع والعشرين من الشهر الجاري كما هو مخطط له.
وكان البنك أعلن في وقت سابق عن برنامج لتخفيض التكاليف يهدف من خلاله دويتشه بنك إلى تخفيض تكاليفه إلى 17 مليار يورو في عام 2022، ولم يتطرق البنك مبدئيا إلى الحديث عن عدد الوظائف التي يعتزم شطبها في إطار هذا البرنامج، وتكهنت تقارير إعلامية بأن هذا العدد يتراوح بين 15 إلى 20 ألف وظيفة. وأعلن دويتشه بنك الأحد رسميا أن المصرف سيقوم بشطب 18 ألف وظيفة بحلول عام 2022.
وكان عدد الموظفين العاملين في البنك بدوام كامل بلغ بحلول نهاية مارس (آذار) الماضي نحو 91 ألفا و500 موظف في جميع أنحاء العالم، منهم أكثر من 41 ألفا و500 موظف في ألمانيا.


مقالات ذات صلة

«الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

تحليل إخباري رجل يقف أمام الشرطة ويحمل لافتة كُتب عليها: «يون سوك يول... ارحل» في سيول (أ.ف.ب)

«الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

فجأة اصطخبت مياه البحيرة الكورية الجنوبية وعمّت الفوضى أرجاء سيول وحاصر المتظاهرون البرلمان فيما كان النواب يتصادمون مع قوات الأمن.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)
أوروبا رجل يلتقط صورة تذكارية مع ملصق يحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول: «لماذا نريد مثل هذا العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه؟» (رويترز)

«فليحفظ الرب القيصر»... مؤيدون يهنئون بوتين بعيد ميلاده الثاني والسبعين

وصف بعض المؤيدين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«القيصر»، في عيد ميلاده الثاني والسبعين، الاثنين، وقالوا إنه أعاد لروسيا وضعها، وسينتصر على الغرب بحرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

غانا تسجل نمواً قوياً بنسبة 7.2 % خلال الربع الثالث

تجار يبيعون بضائعهم بسوق ماكولا في أكرا (رويترز)
تجار يبيعون بضائعهم بسوق ماكولا في أكرا (رويترز)
TT

غانا تسجل نمواً قوياً بنسبة 7.2 % خلال الربع الثالث

تجار يبيعون بضائعهم بسوق ماكولا في أكرا (رويترز)
تجار يبيعون بضائعهم بسوق ماكولا في أكرا (رويترز)

نما الاقتصاد الغاني بنسبة 7.2 في المائة خلال الربع الثالث من عام 2024، في علامة أخرى على تعافي البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية تواجهها منذ جيل، وفقاً للبيانات الصادرة عن وكالة الإحصاء، يوم الأربعاء.

وأظهر تقرير الناتج المحلي الإجمالي أن النمو السنوي في الربع الثالث كان الأعلى منذ الربع الثاني من عام 2019، وفق «رويترز».

يأتي هذا الزخم الاقتصادي الإيجابي مع استعداد الرئيس والحكومة الجديدين لتولي السلطة في 7 يناير (كانون الثاني)، بعد فوز الرئيس السابق وزعيم المعارضة الرئيسي، جون درامياني ماهاما، في الانتخابات التي جرت يوم السبت.

كما تم تعديل نمو الربع الثاني من عام 2024 إلى 7 في المائة من 6.9 في المائة، وفقاً لما ذكرته الوكالة.

ومن حيث القطاعات، سجل القطاع الصناعي، الذي يقوده التعدين واستخراج الأحجار، نمواً بنسبة 10.4 في المائة، فيما نما قطاع الخدمات بنسبة 6.4 في المائة، وقطاع الزراعة بنسبة 3.2 في المائة.

ومع ذلك، سجل قطاع الكاكاو في غانا، ثاني أكبر منتج في العالم، تراجعاً بنسبة 26 في المائة للربع الخامس على التوالي.

كانت غانا قد تخلفت عن سداد معظم ديونها الخارجية في عام 2022، مما أدى إلى إعادة هيكلة مؤلمة. ورغم ارتفاع قيمة العملة المحلية (السيدي)، فإن ارتفاع معدلات التضخم واستدامة الدين الحكومي لا يزالان يشكّلان مصدر قلق للمستثمرين.