خمسون عاماً على رحيل فرنكو

قاد أطول نظام ديكتاتوري في تاريخ أوروبا الغربية الحديث

صورة (لا تحمل تاريخاً) لفرنكو يلقي خطاباً من شُرفة القصر الملكي بمدريد ويقف إلى جانبه الأمير خوان كارلوس (قبل تتويجه)
صورة (لا تحمل تاريخاً) لفرنكو يلقي خطاباً من شُرفة القصر الملكي بمدريد ويقف إلى جانبه الأمير خوان كارلوس (قبل تتويجه)
TT

خمسون عاماً على رحيل فرنكو

صورة (لا تحمل تاريخاً) لفرنكو يلقي خطاباً من شُرفة القصر الملكي بمدريد ويقف إلى جانبه الأمير خوان كارلوس (قبل تتويجه)
صورة (لا تحمل تاريخاً) لفرنكو يلقي خطاباً من شُرفة القصر الملكي بمدريد ويقف إلى جانبه الأمير خوان كارلوس (قبل تتويجه)

في مثل هذا اليوم، منذ خمسين عاماً، طوت إسبانيا صفحة الجنرال فرنسيسكو فرنكو، الذي قاد أطول نظام ديكتاتوري في تاريخ أوروبا الغربية الحديث، قام على أنقاض حرب أهلية مدمّرة أوقعت ما يزيد علة مليون قتيل، وأحدثت شرخاً عميقاً في المجتمع الإسباني لا يزال يُرخي سدوله على المشهد السياسي إلى اليوم.

قوس النصر في مدريد الذي شُيد بعد السيطرة على مدريد عام 1939 من قِبل قوات فرنكو ونهاية الحرب الأهلية الإسبانية (رويترز)

أحكم فرنكو قبضته على الحكم طيلة أربعة عقود، ومهّد لعملية فريدة في التاريخ لانتقال السلطة، استعادت النظام الملكي الذي كان قد سقط بقيام الجمهورية الثانية في عام 1931، وأعادت إسبانيا إلى أسرتها الأوروبية بعد أن كانت قد انعزلت عنها طيلة سنوات حكمه. وسرعان ما تحولت تلك العملية الانتقالية إلى نموذج يُقتدى به للعبور من أنظمة الاستبداد إلى الحكم الديمقراطي، وأصبحت مادة تُدرَّس ضمن مناهج كليات العلوم السياسية في جامعات العالم.

شباب من اليمين المتطرف يؤدون التحية الفاشية أمام البرلمان الإسباني خلال مظاهرة تحت شعار «انضموا إلينا لإنقاذ إسبانيا» (رويترز)

لم يترك الجنرال فرنكو وراءه إرثاً عقائدياً متكاملاً على غرار موسوليني وهتلر، لكن أفكاره بقيت موزَّعة على الغرف الداخلية في النظام الديمقراطي اليافع ولم تندثر بوفاته في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1975، بل استمرّت راسخة وفاعلة لدى بعض النخب الاقتصادية والمالية التي أظهرت قدرة فائقة على التكيّف مع المناخ الجديد، وحافظت على تأثيرها في الأوساط المحافِظة إلى أن تبلورت مؤخراً في التنظيم اليميني المتطرف «فوكس» الذي أصبح، في أقل من أربع سنوات، القوة السياسية الثالثة في البرلمان.

بدا، في الماضي القريب، أن إسبانيا الجديدة نفضت عنها كلياً غبار النظام الفرنكي، واندفعت بزخم قوي ورسوخ للاندماج في المشروع الأوروبي، وتطوير نظام الحكم الذاتي في أقاليمها المختلفة، وسَنّ مجموعة من القوانين التي تُعد رائدة حتى في المحيط الغربي. لكن السنوات الأخيرة التي شهدت انخفاض منسوب الاستقرار السياسي، وصعوداً حاداً في المطالب الانفصالية، خاصة في إقليم كاتالونيا، وازدياداً ملحوظاً في تدفقات الهجرة، مهّدت لظهور تيّار يميني متطرف كان ينتظر الفرصة السانحة للمطالبة جهراً بالعودة إلى ينابيع الماضي التي ما زالت تحتفظ بمخزون لا يُستهان به.

لا يختلف اثنان على أن العقود الخمسة التي انقضت منذ رحيل فرنكو كانت من أجمل مراحل التاريخ الإسباني الحديث، وأن مِن بين الشخصيات التي لعبت دوراً في هذه النهضة الشاملة التي عرفتها إسبانيا، خصوصاً على مغارب القرن الماضي ومطالع هذا القرن، كان الملك خوان كارلوس الأول الذي أصبح عاهلاً فخرياً، بعد تنازله عن العرش في صيف عام 2014 على أثر سلسلة من الفضائح التي نالت من سُمعته والبريق الذي أحاط به لسنوات منذ جلوسه على العرش، وإطلاق عملية الانتقال نحو النظام الديمقراطي.

ومن الطبيعي أن تتحول الذكرى الخمسون لرحيل فرنكو إلى مناسبة تتناظر فيها الآراء المنتقدة والمؤيدة لمسار الملك الذي كان، بسلوكه، قد ارتفع فوق صلاحياته الدستورية وتحوَّل إلى رمز لإسبانيا الجديدة. ولا شك في أن اختيار خوان كارلوس نشر مذكراته، باللغة الفرنسية، في هذا الوقت خاصة، ساعد على تحفيز النقاش حول شخصيته.

طلاب في جامعة مدريد يرفعون العَلم الجمهوري خلال وجود أحد قاة اليمين المتطرف فيتو كويلز بالجامعة (رويترز)

يعترف الملك خوان كارلوس بأن سُمعته تضررت كثيراً، في السنوات الأخيرة، جرّاء سلسلة من التصرفات والتجاوزات، رغم أن القضاء الإسباني قرر عدم محاكمته، استناداً إلى إحدى مواد الدستور التي تنصّ على أن شخص العاهل منزّه عن أي مسؤولية. كان معروفاً عنه أنه يملك ثروة موزَّعة على عدد من الملاذات الضريبية، وأنه تَسلّم شخصياً هدايا مالية باهظة، وأن أموالاً من خزينة الدولة دفعها جهاز المخابرات لشراء سكوت بعض «صديقاته».

المدافعون عن الملك الفخري يتشبثون بدوره المحوري في عملية الانتقال من النظام الفرنكي إلى الديمقراطية، ويَعدّون أن مساهمته تلك، خاصة عندما وقف في وجه الانقلاب العسكري عام 1981، تُعوّض مواطن الضعف الشخصي التي اعترته في بعض الأحيان، ولا يمكن أن تُلغي إرثه السياسي، ولا سيما أنه كان قرر التنازل عن السلطات الواسعة جداً التي ورثها من الجنرال فرنكو لتوطيد النظام الديمقراطي في البلاد، ما يدلّ على بصيرة نافذة وحسّ تاريخي عميق. ويؤكد خوان كارلوس في مذكراته أنه كان على استعداد، خلال السنوات الأولى التي تَلَت وفاة فرنكو، لأن يصلح النظام الفرنكي ويعدّل في بنيته حتى تحويله إلى ديمقراطية ليبرالية، لكن شريطة عدم المسّ بالمؤسسة الملكية.

جدارية ملطخة باللون الأحمر للدكتاتور فرنكو وشقيقه رامون خارج بيت العائلة بمدينة فيرول (رويترز)

كان من الواضح بعد رحيل فرنكو أن ثمة تطابقاً تاماً بين مصالح الملكية الدستورية والنظام الديمقراطي في إسبانيا، فالنظام الملكي المطلق كان عاجزاً عن البقاء في أوروبا الغربية، خاصة أن إسبانيا كانت آخر معاقل الأنظمة العسكرية بعد سقوط نظام الجنرالات في اليونان ودكتاتورية سالازار في البرتغال. وقد أدرك خوان كارلوس أن الديمقراطية كانت هي الشرط الوحيد الذي يتيح استقرار النظام الملكي الذي كان قد تعرّض لانتكاسات عدة منذ أواسط القرن التاسع عشر.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأفريقي يعلق عضوية غينيا بيساو رفضاً للانقلاب

أفريقيا الجنرال هورتا نتام يؤدي اليمين خلال مراسم في غينيا بيساو يوم 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

الاتحاد الأفريقي يعلق عضوية غينيا بيساو رفضاً للانقلاب

قرر «الاتحاد الأفريقي» تعليق عضوية غينيا بيساو بعد يومين من الانقلاب العسكري الذي يواجه أيضاً معارضة قوية من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا عادت الحياة إلى طبيعتها يوم الجمعة في عاصمة غينيا بيساو المضطربة بعد الانقلاب الخامس الذي شهدته الدولة الواقعة في غرب أفريقيا والذي أعقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية (أ.ف.ب)

مع تراجع الانتشار الأمني بعد الانقلاب... غينيا بيساو تعود إلى حياتها اليومية

استؤنفت حركة المرور والأنشطة في عاصمة غينيا بيساو، اليوم (الجمعة)، مع تراجع الانتشار الأمني.

«الشرق الأوسط» (بيساو)
أفريقيا الجنرال هورتا نتام يؤدي اليمين خلال مراسم في غينيا بيساو يوم 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

رغم التنديد الدولي... رجل بيساو «القوي» يثبِّت انقلابه

قال جيش غينيا بيساو في بيان إن الجنرال هورتا نتام أدى اليمين رئيساً انتقالياً للبلاد  (الخميس) وذلك بعد يوم واحد من إعلان ضباط الجيش عزل الرئيس.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر والذي جاء إلى السلطة بانقلاب يُحيّي حشداً من الناس في نيامي في يوليو 2024 (أ.ف.ب) play-circle

تاريخ حافل بالاضطرابات... ما أبرز الانقلابات العسكرية في أفريقيا خلال العقد الأخير؟

تاريخ أفريقيا حافل بها... فيما يلي الانقلابات العسكرية الناجحة في السنوات العشر الأخيرة في القارة السمراء وآخرها انقلاب غينيا بيساو يوم الأربعاء 26 نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أفريقيا العميد دينيس نكانها (وسط الصورة) رئيس المكتب العسكري لرئاسة الجمهورية في غينيا بيساو يعقد مؤتمراً صحافياً في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة 26 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

عسكريون يعلنون «السيطرة الكاملة» على غينيا بيساو

أعلن عسكريون في غينيا بيساو، الأربعاء، «السيطرة الكاملة» على البلاد وتعليق العملية الانتخابية وإغلاق الحدود، في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
TT

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)

قال الجيش الأوكراني في ساعة متأخرة من يوم الخميس إن قواته ضربت مصنعا كبيرا للمواد الكيميائية في منطقة ستافروبول بجنوب روسيا، ما أدى إلى اندلاع حريق.

وكتبت هيئة الأركان العامة للجيش على تطبيق تلغرام أن مصنع نيفينوميسكي أزوت تعرض للقصف يوم الخميس، موضحة أن المنشأة تنتج مكونات للمتفجرات ووصفتها بأنها واحدة من أكبر المنشآت من هذا النوع في روسيا.

ولم يصدر على الفور رد فعل من جانب المسؤولين الروس، ولم تتمكن رويترز من التحقق من صحة ما أعلنه الجيش الأوكراني بشكل مستقل.


أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
TT

أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)

قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، اليوم الخميس، في كلمة أمام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن أوكرانيا تريد «سلاماً حقيقياً وليس تهدئة» مع روسيا.

وتسعى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي هيئة معنية بالأمن والحقوق، إلى الاضطلاع بدور في أوكرانيا ما بعد الحرب.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس الأربعاء، إن الطريق أمام محادثات السلام غير واضح حالياً، في تصريحات بعد محادثات وصفها بأنها «جيدة إلى حد معقول» بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومبعوثين أميركيين.

وأضاف سيبيها أمام المجلس الوزاري السنوي للمنظمة: «ما زلنا نتذكر أسماء أولئك الذين خانوا الأجيال القادمة في ميونيخ. يجب ألا يتكرر ذلك مرة أخرى. يجب عدم المساس بالمبادئ ونحن بحاجة إلى سلام حقيقي وليس إلى تهدئة».

جنود روس يقومون بدورية بمنطقة سودجا بإقليم كورسك (أرشيفية - أ.ب)

وأشار الوزير بهذا على ما يبدو إلى اتفاقية عام 1938 مع ألمانيا النازية، التي وافقت بموجبها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على أن يضم أدولف هتلر إقليماً فيما كان يُعرف آنذاك بتشيكوسلوفاكيا. وتستخدم هذه الاتفاقية على نطاق واسع باعتبارها إشارة إلى عدم مواجهة قوة مهددة.

ووجه سيبيها الشكر للولايات المتحدة على ما تبذله من جهود في سبيل إرساء السلام، وتعهد بأن أوكرانيا «ستستغل كل الفرص الممكنة لإنهاء هذه الحرب»، وقال: «أبرمت أوروبا الكثير للغاية من اتفاقيات السلام غير العادلة في الماضي. أسفرت جميعها عن كوارث جديدة».

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس إن فريقه يستعد لعقد اجتماعات في الولايات المتحدة وإن الحوار مع ممثلي ترمب سيستمر.

وبرزت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تضم 57 دولة منها الولايات المتحدة وكندا وروسيا ومعظم دول أوروبا وآسيا الوسطى، بوصفها منتدى مهماً للحوار بين الشرق والغرب خلال الحرب الباردة.

وفي السنوات القلائل الماضية، وصلت المنظمة إلى طريق مسدود في كثير من الأحيان، إذ عرقلت روسيا تنفيذ قرارات مهمة، واتهمتها بالخضوع لسيطرة الغرب. واشتكت روسيا في بيانها من «هيمنة أوكرانيا الشاملة على جدول الأعمال» في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.


تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
TT

تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)

ذكرت وسائل إعلام محلية في آيرلندا، الخميس، أن سفينة تابعة للبحرية الآيرلندية رصدت ما يصل إلى 5 طائرات مسيرة تحلق بالقرب من مسار طائرة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لدى وصوله في زيارة دولة إلى آيرلندا، يوم الاثنين.

وذكرت صحيفة «آيريش تايمز» أن عملية الرصد أثارت استنفاراً أمنياً واسعاً وسط مخاوف من أنها محاولة للتدخل في مسار الرحلة. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها القول إن الطائرة، التي وصلت قبل موعدها بقليل، لم تكن معرضة للخطر، وفقاً لوكالة «رويترز».

ووصل الوفد الأوكراني في ساعة متأخرة من مساء يوم الاثنين، وغادر في وقت متأخر من اليوم التالي، في إطار رحلة للمساعدة في حشد الدعم الأوروبي لكييف، في الوقت الذي تواصل فيه روسيا حربها على أوكرانيا.

وأدّت توغلات الطائرات المسيرة، التي لم يُكشف عن الجهة المسؤولة عنها حتى الآن، إلى تعطيل حركة الملاحة الجوية في أوروبا في الآونة الأخيرة. ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذه التوغلات بأنها «حرب متعددة الوسائل».