«أرامل» و«مطلقات» لم يعرفن الطفولة... في مخيمات النزوح السوري

مسؤولة: 30 قانوناً لتشريعات الإدارة الذاتية لا تطبق على أرض الواقع

«أرامل» و«مطلقات» لم يعرفن الطفولة... في مخيمات النزوح السوري
TT

«أرامل» و«مطلقات» لم يعرفن الطفولة... في مخيمات النزوح السوري

«أرامل» و«مطلقات» لم يعرفن الطفولة... في مخيمات النزوح السوري

تحت خيمة صغيرة لا تقيها من لهيب حرارة الصيف، مساحتها 20 متراً مربعاً، تجلس «صالحة» ذات الـ18 ربيعاً ترتدي ثوباً متشحاً بالسواد، وتدخن سيجارة تلو الأخرى. بدت وكأنها متقدمة في السنّ، رغم صغر عمرها. تحمل ابنتها البالغة من العمر عاماً وشهرين، ويجلس إلى جانبها طفلها الثاني، وعمره سنتان ونصف سنة.
صالحة المتحدرة من مدينة دير الزور، الواقعة أقصى شرق سوريا، تروي كيف أجبرت على الزواج من مقاتل ينتمي إلى تنظيم «داعش» منتصف 2015، وكان عمرها آنذاك 14 عاماً؛ حيث قالت إنها أجبرت على الزواج بضغط من والدها وأهلها، ليُقتل زوجها بعد زواجهما بعام، ويترك لها طفلها الأكبر، ثم تتزوج من رجل ثانٍ يكبرها سناً بـ30 سنة، وتنجب منه طفلتها الثانية.
في مخيم عين عيسى، الواقع على بعد 50 كيلومتراً شمال غربي مدينة الرقة؛ حيث تسكن صالحة اليوم، قالت لنا إن حياتها الزوجية الثانية كانت مشحونة بالخلافات والمشاجرات، الأمر الذي دفعها للطلاق، وأضافت: «لم أعرف معنى الطفولة، فقد حُرمت من متابعة الدراسة، وأصبحت أماً وأنا طفلة، ثم أرملة وأنا طفلة، ومطلقة وعمري اليوم 18 سنة».
ولم يعد لصالحة التي ترملت وطُلقت وهي بهذا العمر من حلم، سوى أن تتعلم مهنة جديدة لتعيل نفسها وتربي أطفالها، بعد زيجات لم تدم طويلاً. فعندما فرت من مسقط رأسها، كانت تدرس بالصف الخامس الابتدائي، وتركت دراستها بعد نزوحها إلى مخيم عين عيسى؛ لكنها لا تزال تحلم بإكمال تعليمها، لتصبح طبيبة أطفال، وتلبس رداء الأطباء الأبيض، لتضيف قائلة: «حُرمت من طفولتي ودراستي. اليوم، أكبر أحلامي إطعام أبنائي».
وأجبرت الحرب الدائرة في سوريا أكثر من 10 ملايين شخص على النزوح، واللجوء داخل البلاد أو خارجها، معظمهم من النساء اللائي لا يمتلكن سوى الثياب التي كنّ يرتدينها لدى هروبهن من منازلهن. وقد اضطرت الأمهات اللواتي تحملنّ أعباء الحياة إلى الاختيار بين تقديم الغذاء لأطفالهن وبين حاجاتهن الخاصة.
وقالت «سوزان» (17 عاماً)، المتحدرة من بلدة عامودا التي تقع أقصى شمال البلاد، إنها بقيت متزوجة لثلاث سنوات؛ لكن بعد تعرضها للضرب المبرح والمعاملة السيئة على يد زوجها الذي كان يكبرها بسنة واحدة فقط، طلبت الطلاق، ورفعت دعوى أمام المحاكم المحلية، وعادت إلى منزل والدتها. وعند الحديث معها لم تتذكر سنة زواجها، أو تاريخ رفع الدعوى، ولم تسعفها ذاكرتها بشيء سوى معرفة سنة ميلادها.
تقول سوزان التي غابت عن وجهها ملامح الطفولة: «عائلتنا 3 فتيات و3 شباب، أنا أكبرهن، وأختي أيضاً تزوجت قبل أشهر بسن مبكرة؛ قبلنا بالزواج بهذا العمر بعد إصابة والدتي بمرض السرطان».
ويحتاج اتخاذ قرار الزواج إلى وعي وعمر محدد، لا يتوفر عند الفتاة التي تتزوج دون السن القانونية. وأكدت «فاطمة» (53 سنة)، والدة سوزان، أنها قبلت تزويجهما بسن صغيرة؛ نظراً لوضعها الصحي، وتستدرك: «منذ البداية، حدث كثير من المشكلات، وكانت سوزان تتعرض للضرب وتعود للبيت. في إحدى المرات، وقعت مشكلة كبيرة وكادت تُقتل، لذلك طلبنا الطلاق، وكسبنا الدعوى».
في تقريرها السنوي الأخير، كشفت منظمة «سارا لمناهضة العنف» أنّ 110 فتيات تعرضن للطلاق، معظمهن لصغر سنهن والزواج دون السن القانوني، كما تعرضت 100 امرأة للضرب والإيذاء، وتقدم أكثر من 3500 سيدة أمام المحاكم المختصة بدعاوى العنف الأسري، وسجلت 38 حالة فتاة تعرضنّ للتحرش الجنسي، وتم توثيق 20 حالة زواج فتاة قاصر، وتعرضت 10 فتيات للاغتصاب.
وتعمل المنظمة في المنطقة، منذ شهر يوليو (تموز) 2013، وتعتمد في مرجعية عملها على المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بمناهضة العنف ضد المرأة، وتجمع الإحصاءات والبيانات الخاصة بالانتهاكات والخروقات التي تطال المرأة وحقوقها.
تقول منى عبد السلام، المديرة التنفيذية للمنظمة، لصحيفة «الشرق الأوسط»: «نعمل على مناصرة ضحايا العنف الواقع على النساء، عبر توعيتهن بحقوقهن، ورفع سويتهن الفكرية، من خلال المحاضرات واللقاءات، وتسليط الضوء على الانتهاكات، سواء في مخيمات النزوح أو في المدن والبلدات». ولفتت إلى أنه رغم وجود 30 قانوناً لتشريعات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، معظمها تصب في المحافظة على حقوق المرأة، فإنها «لا تطبق على أرض الواقع، بسبب غياب الوعي المجتمعي، وعدم معرفة المرأة بحقوقها والقوانين التي صدرت لأجلها».
أما «دلال»، المتزوجة منذ نحو عام، ولا تزال قاصراً بعمر 17 سنة، وتنحدر من مدينة الرقة الواقعة أقصى شمال سوريا، فقد قبلت الارتباط بشخص يكبرها بـ20 عاماً، متزوج ولديه أطفال، مبررة ذلك بقولها: «أردت أن أستقل وأعيش في خيمة منفصلة»، غير أنها فوجئت بواقع جديد، تتشارك فيه مع امرأة ثانية وأطفالها خيمة بمخيم عين عيسى، وتضيف: «لم أدرك معنى الزواج، طلبت الطلاق كثيراً، وفي كل مرة يتدخل الأهل لتسوية خلافاتنا، ولا تزال هناك مشكلات».
وتحولت صالحة وسوزان ودلال إلى مجرد أرقام في ملف زواج القاصرات، الذي تضخم كثيراً في سوريا خلال سنوات الحرب، حتى أصبح يضم نحو ثلث القاصرات من بين المتزوجات في مخيمات النزوح واللجوء، بحسب دراسة نشرها «المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية»، في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.
وأشارت الدراسة التي حملت عنوان: «اتساع ظاهرة تزويج القاصرات السوريات» إلى أن نسبة تزويج القاصرات في البلاد قبل 2011 كانت تبلغ نحو 7 في المائة من مجموع الزيجات؛ لكنها أخذت بالارتفاع سنة بعد أخرى مع اشتداد الحرب، حتى بلغت 15 في المائة عام 2012، وتجاوزت 30 في المائة عام 2015.
وبحسب المحامية سحر حويجة، كاتبة الدراسة، فإن عمليات النزوح واللجوء القسري، زعزعت الأعراف والتقاليد المجتمعية بقوة الأمر الواقع، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «فرضت الحرب الاختلاط بين عائلات كثيرة، في مكان ضيق، سواء في مراكز الإيواء أو خيم اللجوء التي تفصل أماكن النوم فيها عن الحمامات حواجز وهمية».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.