غريفيث يبدأ جولته المكوكية بلقاء لافروف ونائبه في روسيا

الشرعية تؤكد وضع حد زمني لتنفيذ «إعادة الانتشار» ... وتتشبث بتصحيح المسار الأممي

الفريق علي محسن لدى لقائه غريفيث في الرياض يوم 26 يونيو الماضي (حساب مكتب المبعوث الأممي على تويتر)
الفريق علي محسن لدى لقائه غريفيث في الرياض يوم 26 يونيو الماضي (حساب مكتب المبعوث الأممي على تويتر)
TT

غريفيث يبدأ جولته المكوكية بلقاء لافروف ونائبه في روسيا

الفريق علي محسن لدى لقائه غريفيث في الرياض يوم 26 يونيو الماضي (حساب مكتب المبعوث الأممي على تويتر)
الفريق علي محسن لدى لقائه غريفيث في الرياض يوم 26 يونيو الماضي (حساب مكتب المبعوث الأممي على تويتر)

تحلق طائرة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث صوب روسيا غدا، إذ يبدأ المبعوث من هناك جولة مكوكية لإنعاش الملف السياسي لحل الأزمة اليمنية.
ومن المنتظر أن يلتقي غريفيث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونائبه سيرغي فيرشينين، في زيارة تستغرق يوما واحدا. وقال مسؤول في الأمم المتحدة، إن زيارة روسيا مهمة، فهي شريك هام وعضو دائم بمجلس الأمن.
وفور ما ينتهي المبعوث الأممي زيارته إلى روسيا، سيتجه إلى إكمال جولته المكوكية صوب الإمارات، وسلطنة عمان، ولم يعلن المبعوث أو مكتبه بعد، ما إذا كان سيزور صنعاء، للقاء مسؤولين حوثيين، بيد أن مراقبين يرون زيارته لسلطنة عمان مؤشرا للقاء بعض الموظفين الحوثيين هناك مثل الناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام.
وكان المبعوث اجتمع الأسبوع الماضي مع الحكومة اليمنية بعد «سحابة عتب» إزاء أدائه الذي وصفه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالتجاوزات.
وقال مصدر يمني حكومي إن الحكومة اليمنية قدمت رؤيتها من أجل تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق «الحديدة» وهو أحد مخرجات مشاورات السويد اليمنية التي عقدت نهاية العام الماضي.
وتتعلق الرؤية التي أكدتها الحكومة بالجانب المتعلق بإعادة الانتشار، من أجل «تجاوز الخلافات». وقال المصدر إن الحكومة ناقشت ذلك مع الأمم المتحدة في اللقاء الذي جمع بين نائب الرئيس اليمني الفريق علي محسن الأحمر بالمبعوث الأممي في الرياض يوم 26 من يونيو (حزيران) 2019.
وتضمنت الرؤية التي تقدمت بها الحكومة اليمنية خروج ميليشيا الحوثي من الموانئ ومن مدينة الحديدة وفق زمن محدد يتم الاتفاق عليه، على أن يتم تسليم الأمن للقوات الأمنية وخفر السواحل الموجودة في كشوفات العام 2014 بموجب القانون اليمني، والتعامل وفق آلية معينة في حال انتهاء المدة وعدم التنفيذ.
وشددت الشرعية على «وضع إطار زمني لخروج الميليشيا من موانئ الحديدة وإزالة المظاهر العسكرية في وقت زمني محدد، والتعامل وفق آلية معينة بعد انتهاء المدة المقررة، وليس مثل ما حدث في السابق».
وأكد وكيل محافظة الحديدة وليد القديمي لـ«الشرق الأوسط» أن الاجتماع الذي عقد بين نائب الرئيس اليمني وغريفيث ناقش «العودة إلى اتفاقية السويد التي حدث التفاف عليها».
وبين أن خروقات وقف إطلاق النار لم تتوقف منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ حيث بلغت أكثر من 6500 خرق حتى الآن في غياب تام لفريق الأمم المتحدة لرصدها ومراقبتها، مطالباً بضرورة أخذ هذا الأمر من قبل الأمم المتحدة بجدية.
وجددت الحكومة اليمنية تشبثها بتصحيح المسار الذي تقوده الأمم المتحدة في محافظة الحديدة لتنفيذ اتفاق السويد، وفق جوهر الاتفاق وروحه، باعتبار ذلك هو الشرط الأساسي للعودة للتعامل مع المبعوث الدولي مارتن غريفيث، وفق التطمينات التي حصلت عليها أخيراً من الأمين العام للأمم المتحدة.
جاء ذلك في وقت أكد فيه سياسيون يمنيون لـ«الشرق الأوسط» أن مهمة غريفيث التي قرر استئنافها بجولة مكوكية في عدة عواصم محفوفة بخطر الفشل، بسبب التعقيدات التي تحيط بها، ولجهة عدم جدية الحوثيين في تنفيذ اتفاق استوكهولم.
وفي هذا السياق، ذكرت المصادر الرسمية اليمنية أن نائب وزارة الخارجية السفير محمد الحضرمي، التقى في الرياض أمس، القائم بأعمال السفير البريطاني فيونا والكر، لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات والجهود المبذولة لإحلال السلام.
وفي حين ثمن السفير الحضرمي دعم المملكة المتحدة للحكومة الشرعية ولجهود السلام في اليمن، أكد دعم القيادة السياسية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحرص الحكومة على إنجاح جهود السلام المبنية على المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن الدولي، لا سيما القرار 2216، وبما يؤدي إلى سلام حقيقي مستدام يُنهي الانقلاب ويعيد الدولة اليمنية.
وذكرت وكالة «سبأ» أن الحضرمي أكد أهمية تفعيل دور لجنة تنسيق إعادة الانتشار؛ بما في ذلك آلية الرقابة الثلاثية، وعلى ضرورة الانسحاب الحقيقي والكامل من مدينة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى.
وأشار إلى أن الحكومة سوف تعاود الانخراط بإيجابية مع جهود المبعوث الأممي من أجل إعادة مسار عملية السلام إلى الطريق الصحيحة، وفقاً للمرجعيات الثلاث وإلى جوهر وروح اتفاق السويد.
وجدد الحضرمي رفض مسرحية الانسحاب الحوثي أحادي الجانب، وقال إن عودة الحكومة للتعاطي مع المبعوث الأممي «لا تعني قبول ما قام به الحوثيون من مسرحية ما سمي الانسحاب أحادي الجانب، بل إن توجه الحكومة سيتركز على إعادة مسار عملية السلام وتصحيحه وفقاً لما تم التوافق عليه».
وأوضح الحضرمي أنه من المهم أن يتم الالتزام بولاية الأمم المتحدة فيما يتصل بتنفيذ اتفاق الحديدة، لافتاً إلى أن ولاية لجنة تنسيق إعادة الانتشار وبعثة الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاق الحديدة لا تشمل أن تقوم الأمم المتحدة بإعادة التفاوض على اتفاق استوكهولم، بل تنطوي على تنفيذ ما تم التوافق عليه؛ وهو انسحاب الحوثيين من مدينة وموانئ الحديدة.
وأكد نائب وزير الخارجية اليمني أهمية استيعاب حقيقة أن عدم كشف وفضح عرقلة الحوثيين للاتفاق خلال عملية الوساطة الأممية لا تساعد المبعوث الأممي، بل تصعب من مهامه.
ونسبت المصادر الحكومية إلى القائم بأعمال السفير البريطاني أنها من جانبها «جددت دعم بلادها للشرعية ولجهود المبعوث الأممي، مؤكدة حرص المملكة المتحدة على تحقيق السلام العادل والمستدام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث».
وفي حين يحوم كثير من الشكوك حول إمكانية نجاح غريفيث في إقناع الحوثيين بتنفيذ اتفاق السويد، استنتج الكاتب اليمني وضاح الجليل في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن توجه غريفيث إلى روسيا هذه المرة «يوحي بمزيد من التعقيدات في الأزمة اليمنية، وإدخال تفاصيل جديدة من العبث والتلاعب؛ خصوصاً بعد الاهتمام الروسي باليمن، وخصوصاً بالجنوب».
وربط الجليل بين زيارة غريفيث إلى موسكو وتصريحات سابقة للسفير الروسي فلاديمير ديدوشكين أشار فيها إلى أهمية جنوب اليمن وأهمية تمثيله كما يجب في تسوية سلمية محتملة، إضافة إلى إعلان السفير نية بلاده إعادة افتتاح قنصليتها في عدن.
وفي السياق ذاته، يعتقد المستشار الإعلامي بالسفارة اليمنية في القاهرة بليغ المخلافي في حديثه مع «الشرق الأوسط»، أن غريفيث يحاول من خلال جولته المكوكية التي يقوم بها واللقاءات الأخيرة في الرياض، إنقاذ مهمته التي باتت مهددة بالفشل، خصوصاً بعد التلويحات الحكومية الأخيرة بعدم التعامل معه وكذلك التلميحات بدراسة الانسحاب الحكومي من اتفاق استوكهولم.
وأشار المخلافي إلى وجود «استياء حكومي كبير من تصرفات غريفيث خلال الفترة الماضية، بسبب ما تم في الحديدة، من محاولة الالتفاف على اتفاق السويد». وقال إن التصرف الأممي بذلك الشكل يعود حسب اعتقاده «إلى الضغوط الموجودة على الأمم المتحدة، خصوصاً الواردة في اجتماع الرباعية الذي عقد في لندن». وأضاف: «كانت هناك رسائل واضحة من قبل التحالف الداعم للشرعية للمجتمع الدولي والأمم المتحدة بأن التحالف والحكومة لن يصبرا إلى الأبد، وبالتالي كانت هناك مهلة حددت في منتصف شهر مايو (أيار) الماضي، لتنفيذ (استوكهولم) وإلا ستقوم الحكومة بالانسحاب من الاتفاق وهذا - بحسب المخلافي - ما دفع غريفيث إلى شرعنة الانسحاب أحادي الجانب من قبل الميليشيات».
ويرى المستشار الإعلامي اليمني أن غريفيث أمام كل الضغوط ربما كان في اعتقاده أن الانسحاب الحوثي بتلك الطريقة هو المتاح فقط للقيام به، ومن جهة أخرى - وفق المخلافي - فإن مباركة المبعوث الأممي للانسحاب الحوثي تعني اعترافاً مبطناً مفاده أنه وكبير المراقبين الدوليين الجنرال مايكل لوليسغارد «لم يعودا قادرين على إلزام الميليشيات الحوثية بتنفيذ اتفاقات استوكهولم».
واعتبر المخلافي أن ما جاء خلال لقاء نائب وزير الخارجية محمد الحضرمي أمس، مع القائم بأعمال السفارة البريطانية في اليمن، يحمل رسائل واضحة بأن الحكومة ستنخرط بجدية بناء على توجيهات الرئيس هادي في مسألة السلام والتعامل مع المبعوث الأممي، شريطة أن يصحح الاختلالات السابقة.
ومن وجهة نظر المخلافي، فإن «مارتن غريفيث في مأزق كبير ويدرك تماماً أن الميليشيات لن تقوم بتنفيذ اتفاق استوكهولم، وإذا لم يحدث ذلك فإن مهمته ووظيفته ستكون على المحك وستنتهي كما انتهت مهمة المبعوث السابق إسماعيل ولد الشيخ».
ويرى أنه «المطلوب من المجتمع الدولي أن يكون جاداً وأكثر صرامة تجاه تنفيذ (استوكهولم)، وإلا فإن قصة النجاح التي يعتقد المجتمع الدولي والأمم المتحدة أنه تم تحقيقها ستنتهي ونعود إلى مربع الصفر، خصوصاً مع الفشل الأممي في تحقيق أي نجاح في الملف اليمني أو كل ملفات المنطقة، في وقت اعتبر فيه أن اتفاق استوكهولم بالنسبة لهم بادرة لتحقيق قصة نجاح».
ويعتقد المخلافي بوجوب تحرك المجتمع الدولي بقوة لإلزام الميليشيات الحوثية بالسلام وإنهاء الانقلاب، خصوصاً مع المواقف الدولية الحاصلة والتصعيد الإيراني، ويرى أنه في الإمكان الضغط الغربي على إيران التي تحاول التمسك بالورقة اليمنية لتخفيف الضغوط عنها، ويتابع: «حدوث أي تقدم في حل الملفات العالقة بين إيران والغرب قد يدفع طهران إلى تخليها عن الحوثيين».
من ناحيته، يعتقد الكاتب والناشط اليمني همدان العليي أنه لن يتحقق أي شيء من جهود المبعوث الأممي غريفيث، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نعرف أن الحوثيين لن يسلموا السلاح، الجماعة فقط تستفيد من فترات الحوارات والمشاورات واللقاءات لتعزيز وجودها، حيث أصبحت الحوارات أداة حوثية لقهر اليمنيين». وأضاف: «تقبل الحكومة الجلوس على طاولة واحدة مع الميليشيات لتطبيق اتفاق السويد بحثاً عن السلام، في الوقت الذي تتفرغ فيه الجماعة من أجل زراعة الألغام وتجنيد الأطفال وقمع اليمنيين، وبالتالي ينظر اليمنيون بيأس ورفض لهذه المشاورات». واستدل العليي على عدم خروج المساعي الأممية بأي نتيجة بعقيدة الحوثيين نفسها، فهم على حد قوله «مستمرون في مشروعهم، ويعتقدون أن لديهم حقاً إلهياً لحكم اليمن والمنطقة برمتها».


مقالات ذات صلة

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

المشرق العربي طالبات جامعة صنعاء في مواجهة قيود حوثية جديدة (غيتي)

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

بدأت الجماعة الحوثية إجراءات جديدة لتقييد الحريات الشخصية للطالبات الجامعيات والتضييق عليهن، بالتزامن مع دعوات حقوقية لحماية اليمنيات من العنف.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.