خبراء: نمو الاقتصاد الألماني لا يضمن انتعاشاً مستداماً

TT

خبراء: نمو الاقتصاد الألماني لا يضمن انتعاشاً مستداماً

لم تخيّب ألمانيا توقعات الخبراء الدوليين بشأن نموها الاقتصادي على المدى القصير. فقد نما ناتجها القومي 0.4 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري، قياسا إلى نمو قارب الصفر في المائة في الربع الأخير من العام 2018، وكان 0.2 في المائة في الربع الثالث.
وحسب وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير: «يعد انتعاش الناتج القومي مجددا أملا للبلاد بعدما غاصت في مستنقع الشللّ في الشهور الستة الأخيرة من العام الفائت». بيد أن هذا النمو المتواضع لا يمكن أن يضمن للاقتصاد الألماني حالة من الاستقرار على المدى المتوسط. فنتائجه مشابهة لمفعول دواء المورفين الذي يأخذه المريض لتهدئة أوجاعه بصورة مؤقتة.
تقول الخبيرة الاقتصادية الألمانية سوزان هان إن علامات استفهام عدة تطرح اليوم على طاولة التجارة. وبصرف النظر عن السياسة الأميركية الضريبية الخارجية الانتقامية التي قد تخرج في أي وقت عن السيطرة، ينبغي وضع المستجدات على الساحة السياسية الأوروبية ومستقبل بريطانيا داخل أو خارج دول الاتحاد الأوروبي تحت المجّهر. وسوف يكون نمّو الاقتصاد الألماني رهينة هذه المستجدات التي قد تحمل مفاجآت عدة في طياتها.
وتذكر هان بأن لحكومة برلين دورا جوهريا لما يحصل من مدّ وجزر في اقتصاد البلاد. فحكومة الائتلاف الكبير أضحت ضعيفة وغير قادرة على الإجماع على قرارات مهمة قادرة على دعم الاقتصاد الوطني الذي يمرّ بمرحلة حساسة. مع ذلك يلعب انخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له منذ العام 1990 سويا مع السياسة المالية الذكية للمصرف المركزي الأوروبي دورا في الحد من الضغوط المحلية والدولية على اقتصاد ألمانيا.
وتختم: «لا تتنفس ألمانيا هواء الأزمة المالية ولا ينبغي على حكومة برلين إعلان حالة الطوارئ. مع ذلك تتعاظم موجة الوعي لدى خبراء المال والاقتصاد بضرورة إنجاز خطوات أخرى إلى الأمام تصب في صالح الشركات ورجال الأعمال، في المستقبل. وعلى صعيد صناعة السيارات ينبغي على ألمانيا تقليص درجة انكشافها على الأسواق الأميركية. وبما أن مستقبل السيارات الكهربائية واعد، قد تكون عروض هذا الجيل الجديد من السيارات وبأسعار مدروسة حلا مرضيا للجميع. وتوجد أسواق أخرى واعدة لها بعيدا عن أميركا الشمالية، ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية اللتين تفتقران إلى تطبيق وتفعيل ثقافة بيئية صحية».
في سياق متصل يقول بول تومسن مدير فرع صندق النقد الدولي بأوروبا إن النمو الاقتصادي المتوقع لألمانيا على المدى المتوسط، الذي يرسو حسب تحليلات كبار الاقتصاد في برلين عند 1.3 في المائة، ضعيف لأن العجلات الاقتصادية الألمانية قادرة على التحرك إلى الأمام بسرعة أعلى.
ويتابع: «لا شك أن تفشي الشيخوخة (زيادة نسبة المسنين) بألمانيا سويا مع نمو متواضع للاستثمارات عاملان يشكلان عائقا في وجه نمو الناتج القومي حاليا. لذا فإن قيام الحكومة بالإصلاحات بات ضرورة وطنية لا مهرب منها. وتحتاج ألمانيا إلى موجة أخرى من الإصلاحات لتسريع رقمنة محركها الحكومي والإنتاجي. كما عليها تكثيف عروض العمل داخل القطاعات التي تحتاج إلى يد عاملة متخصصة».
ويختم: «على صعيد الرواتب ينبغي على حكومة برلين رفعها لدعم الطلب الاستهلاكي الداخلي. هذا، وتحتاج ألمانيا إلى زيادة استثماراتها في البنى التحتية كما قطاع النقل لدعم الصناعة عموما التي تعاني اليوم من رؤيا مستقبلية ضيقة. علاوة على ذلك، يجب زيادة حركة الاستثمارات الحكومية من جهة، وتخفيف العبء الضريبي عن الشركات، من جهة أخرى. واللافت أن نمو الناتج القومي في الشهور الثلاثة الأولى من العام 2019 سببه زيادة الحركة الاستهلاكية الفردية الوطنية إلى جانب انتعاش قطاع البناء. ولغاية نهاية العام من المتوقع أن يرسو نمو الناتج القومي بين 0.7 و0.8 في المائة».


مقالات ذات صلة

«الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

تحليل إخباري رجل يقف أمام الشرطة ويحمل لافتة كُتب عليها: «يون سوك يول... ارحل» في سيول (أ.ف.ب)

«الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

فجأة اصطخبت مياه البحيرة الكورية الجنوبية وعمّت الفوضى أرجاء سيول وحاصر المتظاهرون البرلمان فيما كان النواب يتصادمون مع قوات الأمن.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)
أوروبا رجل يلتقط صورة تذكارية مع ملصق يحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول: «لماذا نريد مثل هذا العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه؟» (رويترز)

«فليحفظ الرب القيصر»... مؤيدون يهنئون بوتين بعيد ميلاده الثاني والسبعين

وصف بعض المؤيدين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«القيصر»، في عيد ميلاده الثاني والسبعين، الاثنين، وقالوا إنه أعاد لروسيا وضعها، وسينتصر على الغرب بحرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«بنك اليابان» أمام قرار تاريخي... هل يرفع الفائدة الأسبوع المقبل؟

العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)
العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)
TT

«بنك اليابان» أمام قرار تاريخي... هل يرفع الفائدة الأسبوع المقبل؟

العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)
العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)

يعقد «بنك اليابان» آخر اجتماع له بشأن سياسته النقدية لهذا العام الأسبوع الجاري، ليأخذ قراراً بشأن أسعار الفائدة وذلك بعد ساعات قليلة من قرار «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي المتوقع بخفض الفائدة.

فما الذي يمكن توقعه ولماذا يعتبر قرار «بنك اليابان» بشأن الفائدة ذا أهمية خاصة؟

في مارس (آذار) الماضي، أنهى «بنك اليابان» مسار أسعار الفائدة السلبية، ثم رفع هدف الفائدة القصيرة الأجل إلى 0.25 في المائة في يوليو (تموز)، مشيراً إلى استعداده لرفع الفائدة مرة أخرى إذا تحركت الأجور والأسعار بما يتماشى مع التوقعات.

وثمة قناعة متزايدة داخل «بنك اليابان» بأن الظروف باتت مؤاتية لرفع الفائدة إلى 0.5 في المائة. فالاقتصاد الياباني يتوسع بشكل معتدل، والأجور في ارتفاع مستمر، والتضخم لا يزال يتجاوز هدف البنك البالغ 2 في المائة منذ أكثر من عامين.

ومع ذلك، يبدو أن صانعي السياسة في البنك ليسوا في عجلة من أمرهم لاتخاذ هذه الخطوة، نظراً لتعافي الين الذي ساهم في تخفيف الضغوط التضخمية، بالإضافة إلى الشكوك المتعلقة بسياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي قد تؤثر على الرؤية الاقتصادية المستقبلية، وفق «رويترز».

وسيكون القرار بشأن رفع الفائدة في ديسمبر (كانون الأول) أو تأجيله إلى اجتماع آخر في 23-24 يناير (كانون الثاني) صعباً، حيث سيعتمد ذلك على مدى اقتناع أعضاء المجلس بأن اليابان ستتمكن من تحقيق هدف التضخم بشكل مستدام.

ناطحات السحاب والمباني المزدحمة في طوكيو (أ.ب)

ماذا قال صانعو السياسة في «بنك اليابان» حتى الآن؟

يحافظ صانعو السياسة في «بنك اليابان» على غموض توقيت رفع الفائدة المقبل. وفي مقابلة إعلامية حديثة، قال الحاكم كازو أويدا إن رفع الفائدة المقبل قريب، ولكنه لم يوضح بشكل قاطع ما إذا كان ذلك سيحدث في ديسمبر.

إلا أن المفاجأة جاءت من عضو مجلس الإدارة تويواكي ناكامورا، الذي أشار إلى أنه ليس ضد رفع الفائدة، لكنه شدد في المقابل على ضرورة أن يعتمد القرار على البيانات الاقتصادية المتاحة.

وبينما يركز «بنك اليابان» على رفع الفائدة بحلول مارس المقبل، تشير التصريحات غير الحاسمة إلى أن البنك يترك لنفسه حرية تحديد التوقيت المناسب لهذه الخطوة.

متى تتوقع الأسواق والمحللون رفع أسعار الفائدة التالي؟

أكثر من نصف الاقتصاديين الذين تم استطلاعهم من قبل «رويترز» الشهر الماضي يتوقعون أن يقوم «بنك اليابان» برفع أسعار الفائدة في ديسمبر. كما يتوقع حوالي 90 في المائة من المحللين أن يرفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة إلى 0.5 في المائة بحلول نهاية مارس 2024.

في المقابل، تقوم السوق بتسعير احتمال رفع الفائدة في ديسمبر بحوالي 30 في المائة فقط.

كيف يمكن أن تتفاعل السوق؟

سيأتي قرار «بنك اليابان» بعد ساعات قليلة من قرار «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي»، الذي من المتوقع أن يقوم بتخفيض أسعار الفائدة. وقد يؤدي هذا التباين في التوجهات بين المصرفين المركزيين إلى تقلبات في قيمة الين وعوائد السندات.

ومن المحتمل أن يؤدي رفع الفائدة من قبل «بنك اليابان» إلى تعزيز قيمة الين. أما إذا قرر البنك إبقاء الفائدة كما هي، فقد يؤدي ذلك إلى ضعف الين، على الرغم من أن الانخفاض قد يكون محدوداً إذا قامت السوق بتسعير احتمالية رفع الفائدة في يناير بسرعة.

ما الذي يجب أن تراقبه السوق أيضاً؟

بغض النظر عن قرار «بنك اليابان» بشأن رفع الفائدة أو تثبيتها، من المتوقع أن يقدم محافظ البنك أويدا إشارات بشأن المسار المستقبلي لأسعار الفائدة ويحدد العوامل التي قد تحفز اتخاذ هذه الخطوة في مؤتمره الصحافي بعد الاجتماع.

وإذا قرر «بنك اليابان» الإبقاء على الفائدة ثابتة، فقد يتجنب أويدا تقديم إشارات حادة لتفادي حدوث انخفاضات غير مرغوب فيها في قيمة الين، مع توضيح العوامل الرئيسية التي سيركز عليها في تقييم توقيت رفع الفائدة.

من ناحية أخرى، إذا قرر «بنك اليابان» رفع الفائدة، قد يتبنى أويدا موقفاً متساهلاً لتطمين الأسواق بأن البنك لن يتبع سياسة رفع الفائدة بشكل آلي، بل سيتخذ قراراته بحذر بناءً على الوضع الاقتصادي.

إضافة إلى قرار الفائدة، سيصدر «بنك اليابان» تقريراً حول إيجابيات وسلبيات أدوات التيسير النقدي غير التقليدية التي استخدمها في معركته المستمرة منذ 25 عاماً ضد الانكماش، وهو ما يمثل خطوة رمزية نحو إنهاء التحفيز الضخم الذي تبناه البنك.

محافظ «بنك اليابان» في مؤتمر صحافي عقب اجتماع السياسة النقدية في أكتوبر الماضي (رويترز)

ومن المتوقع أن يستخلص هذا التقرير أن تخفيضات أسعار الفائدة تظل أداة أكثر فعالية لمكافحة الركود الاقتصادي مقارنة بالتدابير غير التقليدية مثل برنامج شراء الأصول الضخم الذي نفذه المحافظ السابق هاروهيكو كورودا.

ماذا سيحدث بعد ذلك؟

إذا رفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة، فمن المحتمل أن يبقى على نفس السياسة النقدية حتى أبريل (نيسان) على الأقل، عندما ينشر التوقعات الفصلية الجديدة التي تمتد حتى السنة المالية 2027 لأول مرة.

أما إذا قرر البنك الإبقاء على الفائدة ثابتة، فإن انتباه الأسواق سيتحول إلى البيانات والأحداث الهامة التي ستسبق اجتماع يناير، مثل خطاب أويدا أمام اتحاد رجال الأعمال «كيدانرين» في 25 ديسمبر، وظهور نائب المحافظ ريوزو هيمينو في 14 يناير.

ومن المرجح أن يقدم تقرير «بنك اليابان» ربع السنوي عن الاقتصادات الإقليمية، الذي سيصدر قبل اجتماع 23-24 يناير، مزيداً من الوضوح لأعضاء مجلس الإدارة بشأن ما إذا كانت زيادات الأجور قد انتشرت على نطاق واسع في أنحاء البلاد.