«لا أستطيع العيش من دون القهوة»... عبارة تتردد كثيراً على أسماعنا من بعض عشاق هذا المشروب الغني بالكافيين ونضعها دوماً في إطار المبالغة، ولكن الأمر بالنسبة لصبي يبلغ من العمر 11 عاماً ويعيش في فرنسا يبدو مختلفاً، فحياته بالفعل تبدو كقطعة من العذاب من دون هذا المشروب.
وكان والدا الطفل قد أزعجهما عشقه لمشروب «الاسبريسو»، وهي القهوة إيطالية الصنع المُركزة والتي تعد بقليل من الماء المغلي مع حبوب البن الأصلية المطحونة، فاشتريا له كبسولات منزوعة الكافيين، ليتسبب ذلك في تقلصات عضلية مؤلمة، استمرت لأربعة أيام.
وخلال الأيام الأربعة كانت حياة الطفل قطعة من العذاب، وتكررت خلالها زيارتهم للطبيب إيمانويل فلاماند روز بمستشفى بيتي سالبيترير في باريس، حتى أدركوا في النهاية خطأهم، فبمجرد أن بدأ الصبي يشرب المشروب المحتوي على الكافيين مرة أخرى، تراجعت الأعراض.
ويقول دكتور روز، المؤلف الرئيسي لدراسة نشرت أمس الثلاثاء في دورية (حوليات الطب الباطني) بأميركا عن حالة هذا الطفل في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية إنها «واحدة من حالات الصدفة المدهشة التي حلت في تاريخ الطب».
وأخضع روز وفريقه البحثي حالة الطفل لتجربة مزدوجة التعمية، وهو الاختبار الأكثر صرامة لمعرفة ما إذا كان الدواء فعّالا أم لا، وفي هذه التجربة لا يعرف المريض ولا الأشخاص الذين يقومون بها، ما إذا كان يعطى للمريض هو الدواء أو شيء وهمي.
وكانت النتيجة أن تناول مشروب الكافيين عالج خلل الحركة، وهو نمط من الاضطرابات يتميز بحركات عضلية لا إرادية عنيفة، وتحدث بسبب طفرة في جين ADCY5»»، تصيب واحدا في المليون تقريباً، وليس لها علاج معروف، وتتسبب في حدوث تحرك للذراعين والساقين والوجه بشكل هيستيري لا يستطيع معه الطفل ركوب دراجة، والسير إلى المنزل من المدرسة، واستخدام القلم.
ويوفر الجين في حالته الطبيعية تعليمات لصنع إنزيم يساعد على تنظيم تقلص العضلات، ولكن في حال وجود هذه الطفرة تتعطل تلك العملية، وأثبتت الدراسة أن الكافيين يساهم في استعادتها.
والمشكلة التي تواجه الفريق البحثي حالياً هي رغبتهم في إجراء مزيد من الأبحاث حول هذا العلاج، ولكن لا يوجد عدد كاف من المصابين بهذا الاضطراب الوراثي النادر.
ويقول دكتور روز في تصريحات خاصة عبر البريد الإلكتروني لـ«الشرق الأوسط»: «نظراً لأن هذا الاضطراب نادر للغاية، فإنه من الصعب للغاية تصميم تجربة علاجية كلاسيكية من مجموعتين، يتم إعطاء إحداها مشروب الكافيين، والأخرى مشروبا وهميا».
ويضيف: «نحاول تصميم مثل هذه التجربة بالوصول لعدد أكبر من الحالات، ولكن على أي حال لدينا الآن 6 حالات من المرضى يعانون من هذا الاضطراب وتحسنت حالتهم بشكل كبير مع الكافيين».
وحول جرعة الكافيين المناسبة للعلاج، يوضح أن «الأمر يختلف من حالة لأخرى، ولكنها تتراوح بين 2 و8 أكواب من القهوة يومياً، حسب حالة كل مريض».
«قهوة الاسبريسو» علاج لمرض وراثي نادر
صدفة قادت لهذا الاكتشاف
«قهوة الاسبريسو» علاج لمرض وراثي نادر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة