من أصل 450 من المتطرفين الفرنسيين وعائلاتهم (نساء وأطفال) الذين تحتجزهم «قوات سوريا الديمقراطية» في المناطق التي تسيطر عليها في الشمال والشمال الشرقي لسوريا، استعادت باريس أمس 12 طفلاً، أكبرهم في العاشرة من العمر، وهم إما أيتاماً أو معزولين، بحسب البيان الصادر عن وزارة الخارجية.
وبذلك تكون فرنسا ماضية في تنفيذ سياستها إزاء هؤلاء الأشخاص، القائمة على رفض استعادة البالغين، أكانوا رجالاً أو نساء، والمطالبة بمحاكمتهم حيث هم موجودون، وقبول القاصرين، شرط التعامل مع كل حالة على حدة.
ومن بين هذه الحالات، يبدو وضع اليتامى هو الأسهل. فمن جهة، لا يعارض الرأي العام الفرنسي بالشدة نفسها عودة هؤلاء. ومن جهة ثانية، لا تحتاج السلطات الفرنسية لترحيل الأمهات مع أولادهن لأن هؤلاء هم إما يتامى أو معزولون. وتواجه السلطات إشكالية حقيقية لاسترجاع القاصرين الذين ما زال أهلهم، خصوصاً الأمهات، على قيد الحياة، إذ إنها تحتاج لقبولهن الانفصال عن أبنائهن، فيما هن يتمسكن بمرافقتهم، الأمر الذي ترفضه باريس.
وتأتي عملية الأمس التي تسلم بموجبها وفد فرنسي رسمي الأطفال الـ12 «إضافة إلى طفلين هولنديين سلما لاحقاً إلى رسميين هولنديين في باريس»، استكمالاً لاستعادة 5 أطفال في شهر مارس (آذار) الماضي. وفي بيان رسمي، قالت الخارجية الفرنسية إن الـ12 «يتامى أو معزولون أو ضعفاء»، وبعضهم يعاني من المرض وسوء التغذية. وقد نقل الجميع، بمن فيهم الوفد الرسمي، بطائرة عسكرية إلى باريس. وجاء في البيان أيضاً أن الـ12 «سلموا إلى السلطات القضائية الفرنسية»، وأنهم يحظون برعاية طبية خاصة، وسوف يسلمون إلى مكتب الخدمات الاجتماعية التي تتولى متابعة أوضاعهم. وبررت باريس استعادة هذه المجموعة بـ«هشاشة أوضاع» هؤلاء القاصرين، مما يفتح الباب لاسترجاع قاصرين آخرين في الأسابيع المقبلة، الأمر الذي يخفف الضغوط على الحكومة الفرنسية التي توجه إليها دورياً سهام الانتقاد لإغفالها وضع الأطفال في مخيمات الاعتقال الخاضعة للسلطات الكردية.
وسبق لعائلات بعض الأطفال أن تقدمت بشكاوى أمام المحاكم الفرنسية، كذلك توجهت إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وحتى إلى الأمم المتحدة، للضغط على الحكومة ودفعها للتحرك. كذلك تأتي الخطوة الحكومية عقب انقضاء أيام قليلة على أحكام الإعدام التي صدرت بحق 11 متطرفاً فرنسياً أدانتهم المحاكم العراقية بتهمة الانتماء إلى تنظيم «داعش» الإرهابي. وتبدو حالة البالغين أكثر صعوبة، حيث تجد باريس نفسها «محشورة» من جهة بين رفضها استعادتهم بسبب رفض الرأي العام الشديد، ومن جهة ثانية رفضها تنفيذ أحكام الإعدام بمواطنيها، بغض النظر عما ارتكبوه من جرائم. وللخروج من هذا المأزق، تعول باريس على السلطات القضائية العراقية، لتحويل أحكام الإعدام لاحقاً إلى أحكام بالسجن مدى الحياة. كما أنها تدرس مع عدد من البلدان الأوروبية إمكانية إنشاء محكمة دولية خاصة في الأردن أو العراق لمحاكمة المتطرفين الأوروبيين. وفي الوقت عينه، ثمة معلومات تتحدث عن مساومات بين العواصم الأوروبية وبغداد، لتوفير «مقابل» مادي أو خدمي للعراق لقاء إبقائه المتطرفين محتجزين في سجونه عقب محاكمتهم. وحتى اليوم، لم يتم الحسم في هذا الاتجاه أو ذاك.
ولم تتأخر باريس في توجيه الشكر لمن سمتهم «المسؤولين المحليين» في شمال شرقي سوريا لـ«تعاونهم». وأفاد الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية عبد الكريم عمر، الذي أعلن على حسابه على «تويتر» أن تسليم الأطفال الـ12 والطفلين الهولنديين إلى وفد من وزارة الخارجية الفرنسية تم في بلدة عين عيسى «بناء على طلب الحكومة الفرنسية»، في شمال سوريا.
وإذا كانت الخطوة الفرنسية تأتي في السياق الصحيح، فإنها لا تتعدى كونها غيضاً من فيض، بالنظر للأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين تحتجزهم «قسد» في مخيمات الاعتقال، والذين تريد «التخلص» منهم لما يشكلونه من أعباء مادية وأمنية. والمشكلة أن الدول المعنية تتعامل ببطء كبير مع هذه المسألة. وتتحدث التقارير الدولية، أو تلك الصادرة عن الجمعيات الإنسانية، عن الأحوال المعيشية الصعبة لما يقدر بـ12 ألف أجنبي، من النساء (4 آلاف) والأطفال (8 آلاف)، يعيشون في المخيمات المكتظة، أبرزها مخيم الهول (محافظة الحسكة). وحتى اليوم، خرج عدة مئات من الأجانب من المخيمات الكردية. ورغم النداءات التي أطلقتها «قسد» و«مسد» (مجلس سوريا الديمقراطية) باتجاه الدول التي لديها مواطنون محتجزون، فإن نداءاتها بقيت ضعيفة الأصداء، ويغلب التلكؤ على ردود فعلها بسبب المخاوف الأمنية من عودة عناصر «داعش» من جهة، وبسبب رفض الرأي العام رؤية هؤلاء يعودون إلى بلادهم بعد ما ارتكبوه في سوريا والعراق. وفي أي حال، ثمة عامل قانوني آخر يدفع الغربيين للتمسك ببقاء مواطنيهم حيث هم. ففي فرنسا مثلاً، لا تكفي تهمة الانتماء إلى «داعش» لإنزال أحكام مشددة بالمتهم، في حال محاكمته أمام المحاكم الفرنسية، بل يتعين إثبات مسؤوليته الشخصية في الأعمال الإرهابية، الأمر الذي لا يتوافر في الأكثرية الساحقة من الحالات.
12 «يتيماً» من «داعش» وصلوا إلى باريس... وتمسك برفض عودة البالغين
فرنسا تستعيد بـ«القطارة» القاصرين من أبناء التنظيم في شمال شرقي سوريا
12 «يتيماً» من «داعش» وصلوا إلى باريس... وتمسك برفض عودة البالغين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة