باريس تبحث عن حل «جماعي» لملف متطرفيها في سوريا والعراق

سيناريوهان رئيسيان قيد البحث وتمسُّك فرنسي برفض استعادة المتشددين

TT

باريس تبحث عن حل «جماعي» لملف متطرفيها في سوريا والعراق

تبدو باريس حائرة في كيفية التعاطي مع ملف المتطرفين وعائلاتهم المعتقلين إما في المناطق الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا وإما الذين يوجدون في السجون العراقية أو المعتقلات. ورغم غياب الأرقام الدقيقة، فإن المتوافر من التقارير يفيد بأن 450 شخصاً، بينهم 250 قاصراً موجودون في أيدي «قسد» فيما يقبع 120 فرنسياً في السجون العراقية بانتظار محاكمتهم. وإذا كانت أحكام الإعدام التي أصدرتها المحاكم العراقية في الأيام الأخيرة بحق 11 فرنسياً نقلوا من شمال شرقي سوريا إلى العراق قد أثارت جدلاً واسعاً في فرنسا بسبب الاتهامات المسوقة لجهة عدالة القضاء العراقي وكيفية إدارة المحاكمات واحترام حقوق المتهمين، فإن الطرف الأول المحرج هو الحكومة الفرنسية. فمن جهة، تجد الحكومة نفسها، كما فعل وزير الخارجية جان إيف لو دريان والناطقة باسم الحكومة، مضطرة إلى الدفاع عن المحاكم العراقية بوجه منتقديها من عائلات المتهمين ومحاميهم وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان. ومن جهة ثانية، فإنها تؤكد أنها سوف تتدخل لدى السلطات العراقية لمنع تنفيذ أحكام الإعدام وتحويلها إلى أحكام بالسجن مدى الحياة بمناسبة المحاكمات التي ستُجرى بعد شهر بعد تقديم المدانين طلبات استئناف. وكانت فرنسا قد ألغت حكم الإعدام في عام 1981 وهي تندد بأي أحكام بالإعدام أينما تصدر في العالم وتدعو إلى التخلي عنها.
بيد أن مصير هؤلاء الـ11 ليس سوى غيض من فيض. والسؤال الأول يتناول مصير البالغين من الرجال والنساء الموجودين لدى «قسد». وفيما ترفض غالبية الدول خصوصاً الأوروبية منها استعادة متطرفيها من أيدي «قسد»، وهو ما ينطبق على فرنسا، رغم إلحاح الميليشيات الكردية - العربية التي تحظى، في مطالباتها، بدعم أميركي، فإن المرجح أن يسلموا إلى السلطات العراقية كما كانت الحال مع الذين نقلوا إليها منذ العام الماضي. وأشار لوران نونيز، وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأمنية أن أعداداً أخرى من الفرنسيين ستُنقل إلى بغداد. بيد أن لبغداد شروطها وحسب مصادر متعددة، فإنها تريد «مقابلاً» لقيامها بهذه المهمة. وتدور منذ أسابيع اتصالات بينها وبين العواصم المعنية. ووفق معلومات حصلت عليها صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية ونُشرت في عددها ليوم أمس، فإن الجانب العراقي يطلب مليون دولار عن كل متهم حُكم عليه بالإعدام ومليوني دولار عن كل محكوم بالإعدام يخفَّف حكمه إلى السجن مدى الحياة. وتفيد التقديرات بأن هنالك ما يربو على ألفي جهادي موجودين بأيدي السلطات العراقية ويتعين إضافة مَن قد يُنقلون إليها من شمال شرقي سوريا.
رغم أن هذا الحل يبدو الأكثر إراحة بالنسبة إلى السلطات الفرنسية، فإن دونه «مخاوف» ليست فقط لجهة عدالة القضاء بل أيضاً وخصوصاً لجهة أمن وسلامة السجون العراقية. وفي هذا الصدد، فإن عدداً من المسؤولين يعتبر أن هناك «مخاطر» أمنية يمكن أن تتأتى من تعرض السجون لهجمات داعشية لتحرير السجناء كما حصلت سابقاً في العراق أو «شراء» الحراس لتمكين السجناء من الهروب. وتفيد معلومات متداولة في باريس بأن الجانب الفرنسي، يدرس خطة مساعدة السلطات العراقية على بناء سجون حديثة وآمنة وتوفير الحراسة عليها من خلال شركات أمنية خاصة مقابل تجاوب السطات العراقية مع مطلب استبقائها الجهاديين الفرنسيين لديها عقب محاكمتهم. لكن باريس التي ترفض بشكل قطعي عودة جهادييها، تبحث عن حلول أخرى على رأسها إنشاء محكمة دولية لمحاكمة الجهاديين ليس في سوريا وإنما في بلد جار قد يكون الأردن فيما المرجح هو العراق. وأعلنت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبيه، يوم الخميس الماضي، أنها ناقشت مع أطراف أوروبية ما سمّتها «فرضية» تشكيل محكمة دولية في العراق لمحاكمة الجهاديين الأجانب. وأفادت بيلوبيه بأنها بحثت هذا الملف مع نظرائها من الأوروبيين الأعضاء فيما تسمى «مجموعة فاندوم» التي تضم بشكل خاص وزراء العدل في ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا. وفي تصور أولي، فقد أعلنت الوزيرة الفرنسية أن المحكمة يمكن أن تعمل بمشاركة قضاة أوروبيين وعراقيين على السواء. لكنها استدركت مرة أخرى لتؤكد أن ما تتحدث عنه ليس سوى «فرضية عمل» وليس خطة أو قراراً قائماً، مشيرة إلى وجود عدد من «الصعوبات» بينها موافقة الحكومة العراقية على إنشاء محاكم خارجية إلى جانب محاكمها الخاصة والشروط التي ستُفرض على المحكمة وعلى رأسها الامتناع عن إصدار أحكام بالإعدام. وأخيراً، لاحظت الوزيرة أن إنشاء محاكم من هذا النوع يتطلب وقتاً طويلاً كما أن أسلوب عملها يتميز بالبطء كما هو حال المحكمة الدولية الخاصة في لبنان والموجودة في مدينة لاهاي الهولندية التي لم تصدر أحكامها بعد في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ورفاقه التي حصلت في عام 2005.
في ظل هذه الاعتبارات جميعها، تتبدى الحيرة الفرنسية ومعها تتكثف الاتصالات للبحث عن مخرج يأخذ بعين الاعتبار المشاغل الإنسانية (احترام حقوق الدفاع، ورفض أحكام الإعدام، وتوفير الحماية القنصلية للمتهمين والمحكومين»، ولكن في الوقت عينه الرفض المطلق للتساهل مع مَن ارتكب أعمالاً إرهابية وتآمر على أمن فرنسا والفرنسيين. ويبدو أن المخرج بالنسبة إلى باريس هو في البحث عن حل «جماعي» أقله مع البلدان الأوروبية التي تواجه المعضلة نفسها في كيفية التعاطي مع مصير متطرفيها.


مقالات ذات صلة

«داعش» يحاصر 500 مزارع في نيجيريا

أفريقيا حاكم ولاية بورنو حذر المزارعين من التعامل مع الإرهابيين (صحافة محلية)

«داعش» يحاصر 500 مزارع في نيجيريا

قالت نيجيريا إن الحرب التي يخوضها جيشها ضد مقاتلي «داعش» وجماعة «بوكو حرام»، أسفرت خلال هذا الأسبوع عن مقتل 76 مسلحاً.

الشيخ محمد (نواكشوط )
أوروبا تصاعدت التهديدات الإرهابية على الحدود الجنوبية للجزائر (أرشيفية - متداولة)

إسبانيا تعلن اختطاف أحد مواطنيها شمال أفريقيا

قالت وزارة الخارجية الإسبانية، الجمعة، إن رجلاً إسبانياً اختُطف في شمال أفريقيا، دون تقديم تفاصيل.

«الشرق الأوسط» (مدريد )
آسيا مسلمون شيعة يرددون شعارات تنديداً بمقتل أفراد من طائفتهم على يد مسلحين في منطقة كورام (أ.ب)

باكستان: 10 قتلى بهجوم على موكب شاحنات في ظل أعمال عنف طائفية

قُتل ثمانية مدنيين وعنصران من قوى الأمن في هجوم، الخميس، استهدف موكب شاحنات تنقل مواد غذائية في شمال غربي باكستان الذي يشهد أعمال عنف طائفية.

«الشرق الأوسط» (بيشاور)
آسيا أقارب وسكان محليون يحضرون جنازة ضابط شرطة قُتل على يد مسلحين مشتبه بهم في ديرا إسماعيل خان بباكستان في 15 يناير 2025... وتشهد باكستان موجة من عنف المتمردين لا سيما في مقاطعات خيبر بختونخوا الغربية في الشمال (إ.ب.أ)

الجيش الباكستاني يعلن القضاء على 22 إرهابياً

أعلن الجيش الباكستاني القضاء على 22 مسلحاً من العناصر الإرهابية خلال عمليات أمنية تم تنفيذها في منطقة «وادي تيرا» شمال غربي باكستان

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
أفريقيا قادة المناطق العسكرية الحدودية للدول الثلاث خلال اجتماع لنقاش مخاطر الإرهاب (الوكالة الموريتانية للأنباء)

الإرهاب العابر للحدود يثير قلق موريتانيا والسنغال

قرر كل من موريتانيا ومالي والسنغال تعزيز التعاون الأمني على الحدود المشتركة بين الدول الثلاث في ظل تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

الشيخ محمد (نواكشوط)

قطر: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «فرصة أخيرة وفشله ليس خياراً»

قطر: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «فرصة أخيرة وفشله ليس خياراً»
TT

قطر: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «فرصة أخيرة وفشله ليس خياراً»

قطر: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «فرصة أخيرة وفشله ليس خياراً»

قال رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اليوم الجمعة، إن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وُقّع بين إسرائيل وحركة «حماس» في الدوحة هو «الفرصة الأخيرة لغزة، وفشله ليس خياراً».

وأضاف الشيخ محمد، في تصريحات، لشبكة تلفزيون «سكاي نيوز» البريطانية: «إذا تعثّر اتفاق غزة فلن نستسلم وسنحاول إعادة صياغته مرة أخرى؛ حتى تلتزم الأطراف بتنفيذه».

وانتقد رئيس الوزراء القطري كلاً من إسرائيل و«حماس»؛ لإهدار وقت طويل قبل توقيع الاتفاق، مشيراً إلى أن إطار الاتفاق الحالي هو نفسه ما جرى الاتفاق عليه في ديسمبر (كانون الأول) 2023.

ولفت الشيخ محمد إلى أن انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيكون له تأثير أكبر على منطقة الشرق الأوسط. وقال، في معرض تعليقه على دور إدارة ترمب في مفاوضات غزة: «أعتقد أنه إذا استمر هذا النهج في السنوات المقبلة، فسوف نستطيع خلق كثير من الأمور الجيدة للمنطقة».